ثمة فارق بين عبارتي »خدش حياء» و»خدش الحياء» فالأولي عنوان لمجموعة قصصية للشاعر أشرف البولاقي، والأخري »تهمة» استلزمت صدور حكم بحبس الكاتب »أحمد ناجي» لمدة عامين، وبسببها كادت »ألف ليلة وليلة» أن تتعرض للمنع والمصادرة نهائياً، ومن أجلها قام الفضلاء بتهذيب »ألف ليلة وليلة» وتشذيبها كي لا تخدش »الحياء»، ولذلك كان »البولاقي» حريصا كل الحرص، وهو العليم بخبايا اللغة العربية، كي لا يقترب من أداة التعريف »ال»، مبتعدا عن (الحياء) المُعَرف، وهو الحياء المقدس الذي لا ينبغي لأحد أن يقترب منه بالخدش أبداً، وتحدث في مجموعته عن حياء آخر مجرد من مزية التعريف. تتكون مجموعة »خدش حياء»، الصادرة مؤخراً عن دار الأدهم،من ثلاث عشرة قصة، تتراوح بين الطول والقصر. ومن اللافت أنه لا توجد قصة تحمل عنوان المجموعة »خدش حياء» ، بل جاءت كل قصة من قصص المجموعة لتخدش حياء الأفكار المقولبة، والأفكار الجاهزة، بما تثيره من قضايا نفسية، ومجتمعية. وفي النهاية نجد أن »البولاقي» ، حقق هدفه، بخدش حياء الجميع، بوضعهم أمام الواقع الذي ينكرونه. فكل قصة تتناول مشكلة لا تثار علناً، رغم تواجدها وتحولها في بعض الأحيان إلي ما يشبه الظاهرة مثل »انتهاك المحارم، المثلية، العادة السرية، البغاء، عجز الرجال، البرود الجنسي لدي النساء، والخيانة الزوجية» . ورغم ذلك، جاءت لغة القص كلها »حياء» ، فقد نجح الكاتب في تطويع اللغة العربية ليرسم بها قصصه »حالاته» دون أن يكون مضطرا إلي استخدام مفردات تخدش »الحياء» المعرف ب»أل» . واعتمد أيضاً علي أسلوب المفارقة، ليخفف من وطأة المكاشفة التي يقوم بها. ففي القصة الأولي »ميكروباص» نجد أمامنا حالة تحرش واضحة، ولكن المفارقة هنا تكمن في أن الفتاة هي من تتحرش بالشاب الجالس إلي جوارها، وليس العكس كالمعتاد. يصف السارد حالة التحرش بدءاً من حركة يد بسيطة من الفتاة، يندهش إليها المتحرش به في البداية، لتنقلب بعد ذلك إلي حالة تواطؤ تام بين الشاب والفتاة إلي أن تكتمل عملية التحرش بموافقة الطرفين. ويمضي »أشرف البولاقي» معتمداً علي أسلوب المفارقة،في »وراء مصنع الكراسي» فبطل القصة يبحث عن المعرفة، ويريد أن يعرف دلالة ومعني شبه الجملة »وراء مصنع الكراسي» في الوعي الشعبي، وكادت رغبته هذه تودي به إلي أن يقع فريسة للحاج رشوان الذي وعده أن يصطحبه إلي مصنع الكراسي ليعرف بنفسه تاريخه وماذا يحدث خلفه. وذهب إليه في بيته، رغم تحذيرات الأصدقاء له. وهناك بدأت تحرشات »الحاج» بالدكتور الباحث عن المعرفة، ولولا مصادفة رؤيته لغلاف مجلة طبيبك الخاص، ما تبادر إلي ذهنه، فكرة ادعاء الإصابة بمرض الإيدز، ليتخلص من مأزقه، ولجرب بنفسه ما يحدث خلف مصنع الكراسي. وتأتي أحداث قصة »الحجرة الداخلية» في مدرسة، فأمين مكتبة المدرسة الشاب يحكي عن مغامراته في التحرش بالطالبات في الحجرة الداخلية للمكتبة، ومن بينهن »زينب» ، وكيف شاهدهما أمين المكتبة العجوز، ثم مات في نفس اليوم، ويستعجب الشاب من ذلك، وتتضح المفارقة عندما يمر الزمن وتأتي »زينب» لتعمل معه في المكتبة، ويعرف أنها ابنة أمين المكتبة الراحل. ومفارقة اكتشاف الهويات تأتي أيضا في »الابتسامة» عندما تصف »فتاة ليل» كيف تدبر اللقاءات مع زبائنها، وتصف تأففها من زبون ما، ثم يأتيها زبون جديد، فلاح شاب يجرب الأمر لأول مرة، ومن خلال ابتسامته تدرك أنه ابن نفس الزبون »العمدة» ، فتصرفه فوراً مرددة عبارته التي قالها لها في البداية: »إني أخاف الله رب العالمين» ، لتكون المفارقة في اكتشاف الهوية واستخدام الآية الكريمة للتخلص من ابن العمدة. ويأتي عنوان قصة »عودة الغائب» ليحيل إلي السفر أو الغربة، ولكن المقصود هو »العجز» أو فقد القدرة علي الانتصاب مع الزوجة والنساء عموما، في مقابل الانجذاب إلي الذكور..فالسارد يبدأ حكايته برغبته في الانتحار، ويستدرج القارئ ويوهمه بأنه فقد قدرته تماماً، ورغم ذهابه إلي الأطباء، لم تفلح محاولاته. ولكن المفارقة تأتي في استعادة قدرته في زحام الأتوبيس عندما يلتصق جسده بالشباب لا بالنساء. وهنا تكمن المشكلة الحقيقية، فهو لم يكن يعلم بميله المثلي، وتزوج كما يفعل الناس.وهنا يقف »البولاقي» موقف المحايد في سرده، لايدين، ولا يأخذ أي جانب، موحياً أن المثلية لا تكون في أغلبها قراراً شخصياً، بل من الممكن أن تكون خللاً نفسياً أو بيولوجياً خارجاً عن إرادة الإنسان وتدبيره.. وتأتي مشكلة المثلية مرة أخري في »الحلم» ولكن الشخصية الرئيسية هنا »فتاة» تميل إلي نفس جنسها، وإن لم تكن تستطيع إشباع عاطفتها علي أرض الواقع بحكم موقعها كأستاذة جامعية، وبحكم عادات المجتمع المغلق، لكن، من خلال حلم من أحلام اليقظة، حققت ما تشتهي. وإن كانت أغلب القصص تدور في حيز الرغبة المتقدة، نجد النقيض في »فيلم ثقافي» ، فالزوجة تعاني من البرود العاطفي. ورغم محاولات الزوج رؤية جسدها، إلا أنها تصر علي لبس العباءات حتي في غرفة النوم. وبعد محاولات، يقرر الاستعانة بفيلم »ثقافي» ، ليخلص زوجته من خجلها، ويحثها علي متابعة الفيلم، لكنها تغطي وجهها بيديها، وفي المشهد الأخير يجبرها علي مشاهدة اللقطة الأخيرة للمرأة وهي تخلع آخر جزء من ملابسها، لتأتي المفارقة الزاعقة ويتضح أنها »رجل» ، وتموت الزوجة من المفاجأة..وتتكرر فكرة المشاهدة والمفارقة في »ثقب الباب» وفيها يتواطأ الصغار لمشاهدة ما يفعله الجار مع زوجته ليلة الخميس، ومراقبتهما من ثقب الباب، إلي حد مشاركة أولاد الجيران الفرجة أيضاً، وعندما يختلفون في الدور، يفضح واحد منهم الأمر بصنع ضوضاء بأوانٍ منزلية، فيستيقظ جميع من في البيت، وتكون المفارقة الصارخة في موت الجار. وهناك مفارقة تنتهي بالموت أيضاً في قصة »الخائن» فالزوجة تقتل زوجها بالسم بعد أن اكتشفت خيانته لها مع »حسنية» وتفلت بفعلتها، وعندما تنفرد بنفسها بالليل تدخن الأرجيلة باستمتاع، وتسمع صياحاً وصراخاً، لتفاجأ بمن يطلبها لتغسيل ميت، وتكون »حسنية» ،لتكون كفنت زوجها الخائن وعشيقته..وأيضا يأتي الموت مقترنا بالخيانة الزوجية في قصة »البلل» فالشاب الذي لم يكمل ما يفعل مع فتاته، وهرب قبل أن يدخل زوجها، لا يعرف مصدر البلل في بنطاله، وفي هروبه يصادف جنازة فيمشي فيها إمعانا في التمويه، ولكن في النهاية يلتفت إليه الجميع ويقدمون له واجب العزاء وهو في دهشة بالغة..وفي قصة »الستر» تأتي المفارقة مزدوجة، فالفتاة تتزوج عرفيا ويطلقها زوجها سرا، وعندما يتقدم لها عريس، تعد العدة كي تجرح نفسها ليلة الزفاف لتوهمه بعذريتها، ولكن المفارقة تأتي من الزوج الذي يبادر بمصارحتها بأنه »عاجز» فكلاهما خدع الآخر رغبة في الستر مخافة المجتمع. ويتناول أشرف البولاقي مشكلة انتهاك المحارم ب»حياء» ، في قصة »الخنجر» فالخال يعتزم قتل مغتصب ابنة شقيقته التي جاءت لتعيش معهم بعد موت أمها وزواج أبيها من أخري. يحكي الخال عن وقوفه إلي جانب الفتاة، رغم أنه مريض لم يفده دواء الطبيب، ومعاناته من معاودة الصداع النصفي له، وتعثره في دراسته وتعرضه لمشكلات مع أصدقائه في الكلية..ويمضي الخال في قص كيف انتهك المغتصب ابنة أخته تحت تهديد فضح أمرها، وذبحها بخنجر بمقبض أحمر، ولذلك قرر أن ينتقم منه بذبحه بسكين، وعندما لم يجد سكيناً، وضع يده في جيبه ليجد فيه خنجراً له مقبض أحمر، فيقرر أن يقتله به. وهنا نجد المفارقة في أن الخال والمغتصب شخص واحد، والمشكلة نفسية عصبية، فهو يعاني من الفصام..وبهذا يكون »البولاقي» اقترب من هذه المشكلة وغيرها من مشكلات، بحذر كي لا يخدش حياء من ينكر وجودها في مجتمع »متدين» بطبعه.