الشيخ منصور الرفاعي عبيد -- د. أحمد عبده عوض -- د. خديجة النبراوي تعميم ثقافة الاستغناء عن السلع غير الضرورية لم يخل عصر من العصور من موجات غلاء الأسعار لتصبح هذه الظاهرة من المشكلات التي تواجه الشعوب والأفراد مما يكدر حياة الناس، ولكن لم يتركنا الإسلام فريسة لهذا الأمر بل أوضح لنا أسباب هذه الأزمات ووضع حلولا لتخطيها اتبعها المسلمون الأوائل ليكونوا قدوة لنا في مثل هذه المحن. وحول هذه القضية يقول فضيلة الشيخ منصور الرفاعي عبيد من علماء الأزهر: تتعرض كل الأمم لحالات من الشدة والرخاء، وكله بقدر الله قال تعالي: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) وارتفاع الاسعار مشكلة لم يتركها الشرع للعقل بل وضع لها ضوابط.. ولمنع تلاعب التجار بالاسعار والاحتكار كان الرسول صلي الله عليه وسلم يزور الاسواق ويراقبها لتفقد أحوالها فكان ينادي في السوق: المحتكر ملعون وان من يحتكر الطعام أربعين يوما لا تقبل صلاته ول اصيامه.. وايضا منع الغش التجاري لمنع استغلال حاجة الناس للسلع خاصة الاغذية. ويضيف ان الله سبحانه وتعالي ايضا نبه إلي عدم التطفيف في البيع والشراء فقد أنزل سورة تحذر منه ومن يقوم به. كما نبه النبي صلي الله عليه وسلم إلي ان التطفيف جريمة لا تغتفر.. هذا بالاضافة إلي التحذير من استغلال حاجة المزارعين الفقراء بقيام التجار بشراء مزروعاتهم ومنتجاتهم من القري والحيولة دون وصولهم لبيعها في المدن بالاسعار المقررة ليتمكنوا من شرائها بأبخس الاسعار ثم اعادة بيعها مرة أخري باسعار مرتفعة.. قال تعالي : (وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا). سلوكيات واقعية وعن دور المستهلكين يقول: علي المستهلكين من دور؟ أقول علي المستهلكين التعاون فيما بينهم.. فما المانع أن تقوم الأسر من الأقارب أو الجيران في بناية واحدة أو في الشارع من ذهاب شخص بسيارته لشراء السلع بالجملة من الأسواق الكبيرة ثم توزيعها فهنا سعرها سيكون أرخص ويقوم الافراد بزيارات متبادلة حتي يشارك الجميع أو يفوضوا اكثرهم خبرة. والحرص علي شراء العبوات الصغيرة حتي لا تفسد السلع من جراء تخزينها مدة طويلة وهذا يستدعي من الدولة التنبيه والزام المصنعين والتجار بطرح عبوات اقتصادية صغيرة للقضاء علي ثقافة التخزين واهدار ما تبقي منها. والرجوع لبعض العادات الغذائية السابقة كتربية الطيور في المنازل. الظالمون حقا ويوضح د. أحمد عبده عوض أن هناك من الناس من يعلمون أن الأمور غير مستقرة في البلاد والدولار كل يوم في زيادة فيستغلون هذه الأمور لاحتكار السلع وبيعها بأضعاف اثمانها ويعرضون انفسهم للعنة الله ورسوله صلي الله عليه وسلم لأن المحتكر يعذب الناس في حياتهم ولا يرحم الامة ومثله من يرفعون الاسعار من انفسهم بدون مبرر وهم يعلمون أن الناس لا حيلة أمامهم ليوفروا لابنائهم حياة ربع كريمة فماذا بوسعهم أن يفعلوا امام محتكرين طغاة؟! وصحيح أن الدولة وأولياء أمورهم مسئولون عن ضبط الاسعار ومحاربة احتكار السلع وهم أشد الناس احساسا بمعاناة المواطنين ولكن هيهات أن يحدث هذا في وقت يبالغ المحتكرون في القسوة والشدة وكأنهم يعيشون في حرب مع الناس وظلم لهم. أسباب ايمانية وتقول د. خديجة النبراوي استاذ الاقتصاد الاسلامي: من اسباب الغلاء ما هو خارج عن مقدورنا ومنه ما هو في مقدورنا ونحن الذين صنعناه. وتوضح أن من الحلول العملية التي أرشدنا اليها الاسلام هي التربية علي الرضا والقناعة بما قسم الله قال الرسول صلي الله عليه وسلم: »وأرض بما قسم الله لك تكن أغني الناس»، ونبذ الترف والاسراف فالعالم لم ينجرف إلي الاستهلاك التفاخري ويساعد علي ذلك ما تعرضه وسائل الاعلام من اعلانات استهلاكية تصيب الناس بالسعار في الاستهلاك وقد حذرنا الاسلام من الترف فهو سبب فساد الأمم وسقوطها، عن معاذ بن جبل أن الرسول صلي الله عليه وسلم لما بعث به إلي اليمن قال: »إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين»، وتضيف د. خديجة أن من اسباب غلاء الاسعار سلوكيات بعض رجال الأعمال والتاجر الوسيط ممن يخالفون أحكام الشريعة بسلوكيات اقتصادية سيئة كالتكتلات المغرضة والغش والتطفيف وانخفاض الجودة وغيرها ومقاومة هؤلاء فرض علي الدولة والأفراد عندما تتكاتف الاجهزة المعنية بتعريف المواطنين بثقافة التعامل مع الغلاء وتوعيتهم بثقافة الاستهلاك ففي زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشتكوا له غلاء اللحم وطلبوا أن يسعره فقال : أرخصوه انتم بتركه لهم، أي للجزارين، كما يطرح علي بن ابي طالب رضي الله عنه نظرية أخري لمكافحة الغلاء هي إرخاص السلعة باستبدالها بسلعة أخري فعن رزين بن الاعرج مولي لآل عباس قال : غلا علينا الزبيب بمكة فكتبنا إلي علي بن أبي طالب بالكوفة فرد قائلا : أرخصوه بالتمر أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان سعره أرخص من الزبيب في الحجاز. فعلي ولي الأمر أن يسد أولا الضروريات ثم الاحتياجات ثم الكماليات. ولذا مطلوب من السياسة الحكومية دعوة قوية للتقشف علي جميع المستويات بضغط الإنفاق العام لأقصي درجة والتحكم في الاعلانات التجارية والاستهلاكية التي تشكل عبئا نفسيا علي الناس بسبب ما يعرض من أشهي المأكولات وأرقي أماكن الاقامة وماركات الملابس ولمراعاة الطبقة المتوسطة والفقيرة تشير إلي ضرورة انشاء مركز معلومات للمستهلك يرشده من خلال تقارير يومية أو اسبوعية أو شهرية عن اسعار السلع الأقل وبدائل السلع المرتفعة السعر لاعطاء خيار للمستهلك ومعلومات قد تكون غائبة عنه ويتعاون في ذلك أجهزة الاعلام وحماية المستهلك وجمعيات خدمة المجتمع.