القومي للإعاقة يطلق غرفة عمليات لمتابعة انتخابات النواب 2025    «قومي المرأة» يكرم فريق رصد دراما رمضان 2025    «قومي المرأة»: تنفيذ ورشة إعداد مدربين بمحافظة بني سويف    المدير الإقليمي لليونسكو بالقاهرة: تعمل على إصدار توصيات بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي    لو زوجتك مش على بطاقتك التموينية.. الحل فى 3 دقائق    «المرشدين السياحيين»: المتحف المصرى الكبير سيحدث دفعة قوية للسياحة    أطول إغلاق حكومى يلغى آلاف الرحلات    أردوغان: أكثر من 1.29 مليون لاجئ سوري عادوا إلى بلادهم منذ 2016    الاتحاد الأوروبي يرفض استخدام واشنطن القوة ضد قوارب في الكاريبي    عضو بالحزب الجمهوري: ترامب والديمقراطيون يتحملون مسؤولية الإغلاق والمحكمة العليا أصبحت سياسية    أحمد عبد الرؤوف يعلق على خسارة الزمالك للسوبر ويتحدث عن كثرة الإصابات    حالة الطقس غدًا الاثنين 10-11-2025 في مصر.. الظواهر الجوية ودرجات الحرارة    خيانة تنتهي بجريمة.. 3 قصص دامية تكشف الوجه المظلم للعلاقات المحرمة    حبس المتهمين في مشاجرة بالسلاح الناري في أسيوط    الدبلوماسى الأمريكى ونجيب محفوظ    ختام الحفل الملكى فى أوبرا العاصمة الجديدة    عضو بالحزب الجمهوري: ترامب والديمقراطيون يتحملون مسؤولية الإغلاق    استشاري: العصائر بأنواعها ممنوعة وسكر الفاكهة تأثيره مثل الكحول على الكبد    برنامج مطروح للنقاش يستعرض الانتخابات العراقية وسط أزمات الشرق الأوسط    بث مباشر.. البابا تواضروس يشارك في احتفالية مرور 17 قرنًا على انعقاد مجمع نيقية    «فريق المليار يستحق اللقب».. تعليق مثير من خالد الغندور بعد فوز الأهلي على الزمالك    أهالي «علم الروم»: لا نرفض مخطط التطوير شرط التعويض العادل    شبيه شخصية جعفر العمدة يقدم واجب العزاء فى وفاة والد محمد رمضان    قراءة صورة    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    الخارجية الباكستانية تتهم أفغانستان بالفشل في اتخاذ إجراءات ضد الإرهاب    محافظ الغربية خلال جولة مفاجئة بمستشفى قطور: لن نسمح بأي تقصير    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    قتل وهو ساجد.. التصريح بدفن جثة معلم أزهرى قتله شخص داخل مسجد بقنا    غدًا.. وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة فى لقاء خاص على القاهرة الإخبارية    استعدادات أمنية مكثفة لتأمين انتخابات مجلس النواب 2025    بيحبوا يثيروا الجدل.. 4 أبراج جريئة بطبعها    حزب السادات: مشهد المصريين بالخارج في الانتخابات ملحمة وطنية تؤكد وحدة الصف    رسميًا.. بدء إجراء المقابلات الشخصية للمتقدمين للعمل بمساجد النذور ل«أوقاف الإسكندرية»    توقيع مذكرة تفاهم لدمج مستشفى «شفاء الأورمان» بالأقصر ضمن منظومة المستشفيات الجامعية    أخبار السعودية اليوم.. إعدام مواطنين لانضمامهما إلى جماعة إرهابية    راحة 4 أيام للاعبي الاتحاد السعودي بعد خسارة ديربي جدة    الصدفة تكتب تاريخ جديد لمنتخب مصر لكرة القدم النسائية ويتأهل لأمم إفريقيا للمرة الثالثة في تاريخه    محافظ بني سويف ورئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة يفتتحان فرع المجلس بديوان عام المحافظة    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    زيادة فى الهجمات ضد مساجد بريطانيا.. تقرير: استهداف 25 مسجدا فى 4 أشهر    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    انتخابات مجلس النواب 2025.. اعرف لجنتك الانتخابية بالرقم القومي من هنا (رابط)    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    التشكيل المتوقع للزمالك أمام الأهلي في نهائي السوبر    نهائي السوبر.. الأهلي والزمالك على موعد مع اللقب 23    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل نحن أمام طقس شعبي يمارس فيه المتفرجون التطهر ؟
كرة القدم بين الظواهر الأنثروبولوجية والفرجة الشعبية
نشر في أخبار السيارات يوم 09 - 06 - 2018

لسنا من هواة عبادة الأسلاف، والتجذير لكل واقعة أو حدث لجعله مصريا، لكننا في الوقت نفسه لا يجب أن نحرم أنفسنا من مجدنا الحضاري وتاريخنا المصري العظيم الذي صار نهبا للعالم كله، إنهم يغترفون من البئر مرات بالحيلة أو أخري بالسرقة وثالثة بالنسبة إلي تاريخهم المصنوع، علها فرصة للتأمل، للتريض في حدائقنا الحضارية، في التعرف علي سبيكة القيم والفنون والحركة التي رسمت عالما لملامح المصرية التي يجاهدون في تشويهها، فقط سنمر بأرواحنا علي مقابر بني حسن حيث يناعة الرسم وحضوره الطاغي، فقط سنبث فيه الروح لنشاهد، بل لنجرب أن نمس بأعيننا ألعاب الجدود نستعيد معهم لعبة الحكشة المصرية التي صارت لعبة عالمية، فالحكشة لعبة مصرية قديمة، اخترعها الجدود، ومارسوا بها اللعب، وتوارثها المصريون منذ آلاف السنين، وظلت الكرة تجري بين أقدامهم وأمام عصيهم، ينقلونها قواعدها وأدواتها ومهاراتها من جيل لآخر، ويلعبونها في في القري والأحياء الشعبية، وكان أبناء هذه الأرض يمارسون هذه اللعبة حركة ومشاهدة وجدلا في طقس شعبي يتفاعل فيه الجميع، والكرة هنا مجرد أيقونة للاجتماع والتسرية والرياضة وتأكيد المهارة، هكذا ظلت راسخة علي أرضنا حتي شاهدها الإنجليز وأعجبوا بها أثناء احتلالهم مصر فأخذوها ونقلوها لبلادهم فصارت »الحُكشة»‬ »‬هوكشه»، وتطورت المفردة حتي صارت »‬الهوكي».
الحكشة لعبة المصريين المنهوبة
كانت لعبة الحكشة لعبة أبناء الشعب، يلعبها الأطفال في الحواري والأزقة، ويمكننا أن نلخص بعض قواعدها، حيث توضع الكرة في منتصف أرض الملعب بين فريقين، ثم يقول عريف إحدي الفرقتين »‬ترنيزة»، فيرد عريف الفريق الآخر، بقوله »‬بحري الجيزة»، ها هي الحكشة التي جذرها في مصر وفروعها في كل العالم، ولا يقتصر الأمر علي كرة الحكشة، لكن المتأمل لمقابر بني حسن بالمنيا سيجد عددا وافرا وثريا من الألعاب الرياضية لا مقام هنا لرصدها أو التدليل علي شعبية بعضها وانتشاره علي مدي المعمور المصري، لكننا نود أن نشير هنا إلي لعبة كرة القدم التي تؤكد بعض الإشارات التاريخية والرسوم الجدارية أنها تعود إلي المصريين القدماء، حيث اكتشف بعض الباحثين كرات مصنوعة من الكتان وبعضها من جلود الحيوانات في مقابر المصريين القدامي، كذلك اعتمد البعض علي الرسومات التاريخية واستكشافات علماء الآثار ليؤكدوا أن المصريين لعبوا كرة القدم إلي جانب الحكشة، وهي لعبة من ألعاب الكرة، وقد رصد المؤرخ الإغريقي هيرودوت بعد أن زار مصر عام 460 قبل الميلاد مجموعات من الأطفال الصغار يلعبون بكرة مصنوعة من جلد الماعز أو القش و يسعي كل واحد لتسجيل الأهداف عن طريق الوصول إلي خيط مربوط بين عمودين، أليست هذه كرة القدم التي مصدرها مصر وإن راح البعض يردد أن كرة القدم بدأت و نشأت في مصر علي يد الإنجليز في وقت الاحتلال البريطاني علي مصر، وماذا نفعل إذن في الرسوم القديمة والكرات المعثور عليها في المقابر، هل نكذب التاريخ من أجل عيون الإنجليز ؟
إننا لا نملك يقينا، لكن الإشارات والمعاينات تأخذنا إلي جذورنا التي استعادها الإنجليز ربما وأخذوا يلعبونها في معسكراتهم فساهموا في ردم الفجوة بين تاريخنا القديم المنسي وحب المصريين لكرة القدم، وإذا تأملنا تاريخ هذه الكرة سنجد أن البعض من أصحاب نظرية الأصل الواحد الذي يمكن من خلاله ينتشر العنصر الثقافي »‬الكرة هنا تمثل العنصر الثقافي» يرون أن مصر هي الأصل بينما يتصارع أخرون ليجعلوا أصلها في الصين أو اليابان أو اليونان أو انجلترا، أما أصحاب نظرية تعدد مصادر النشأة فقد يرون أن كل هذه الأماكن قد استقبلت الكرة في وقت واحد لحاجة اجتماعية ونفسية وروحية، وما يزال التنافس قائما لأن لعبة كرة القدم تقوم علي التنافس، وتحقيق هدف المتعة وإحراز الأهداف علي مسرح من النجيل والجمهور حاضر ومتفاعل ومدرك لقوانين اللعبة، وكل شئ يتم بوضوح دون ماسكات، بما يجعلنا أمام دراما شعبية، يتحلق فيها الجمهور حول الملعب ويمارسون نوعا من التطهر، فهل نعد كرة القدم في هذا السياق فرجة شعبية؟
الفرجة الشعبية
هل الكرة فرجة، وهل هي جماهيرية أم شعبية، هل يتحقق فيها إمكانات المهارة الفردية أم الجماعية، وهل يمكن قراءة تطورها وفق السياقات الفرجوية التي نراها في فنون الجماعة الشعبية، وما هو مفهوم الفرجة؟
إذا تأملنا المعني اللغوي لمعني الفرجة في المعاجم سنجده كالتالي »‬ تفرج / تفرج ب / تفرج علي يتفرج ، تفرجا ، فهو متفرج ، والمفعول متفرج به • تفرج الغم : انكشف وزال تفرجت الأزمة - تفرج الكرب . • تفرج به / تفرج عليه : شاهده للتسلية والترفيه ، تسلي بمشاهدته تفرج الجمهور علي المسرحية - تفرجت علي العرض السينمائي - تفرج الأطفال بالسيرك - تفرج ولم يشارك في عمل ما - شاهد المباراة مائة ألف متفرج.»0تلقي بنا هذه المعاني لتصب في مفهوم الفرجة، والمعني المباشر المعجمي يدلنا علي الانفراج؛ وهو كما يقول د. أبو الحسن سلام عكس الكبت والتأزم، والفرجة هي الخلوص من الشدة، وعند المولدين اسم لما يتفرج عليه من الغرائب وهي المشاهدة، والانفراج شأنه شأن الأزمة، وشأن الذروة عنصر من عناصر الحبكة في البناء الدرامي التقليدي، والانفراج هدفه الكشف والتنوير والحل بعد وصول الأزمة إلي ذروتها في أي حدث درامي تقليدي، إذ الانفراج شيء مريح للمتلقي، وهو نهاية لصراع ما يترتب عليه توتر وتشويق، هل لذلك علاقة بكرة القدم، وهل يمكن نتشوف الانفراج والأزمة وراحة المشاهد حين يفوز فريقه أو حتي حين يحسن اللعب حتي لو لم يفز .
تعالوا نتأمل معا الفرحة التي تكون متنفسا للجمهور بعد فوز فريقها وليكن مثالنا مباراة مصر مع الكونغو وأحداثها الدرامية حيث الفرحة العارمة بإحراز الهدف الأول في فريق هو أضعف فرق المجموعة، ثم تعادل الكونغو في الدقائق الأخيرة، لينقلب الملعب/ ساحة المشاهدة إلي عيون زائغة، ودموع تجري علي الوجوه، ثم انفراجة الأزمة بحصول مصر علي ضربة جزء يتوجه محمد صلاح لإحرازها والقلوب كلها تتضرع لله في الملعب وأمام الشاشات، لتتحول الأزمة إلي حالة من الهيستيريا الفرحة لتكون عنوانا لفيلم مليودرامي ، بطله محمد صلاح في لقطة الختام السعيدة التي جمعت الجمهور ليرقص ويخرج للشوارع معلنا عن الانتصار بأصوات الكلاكسات والطبول والدفوف وإطلاق رصاصات الصوت فرحا بالنصر، وتناست مصر أزماتها لتترك المجال ليتحدث الكرويون عن الخطط والآمال واللاعبين وأدوارهم وسيناريوهات النصر القادمة، ودخل المضمار رجال السياسة والإعلام، وأصحاب الأبواق الإعلامية الزاعقة، لكن يظل المشهد الحقيقي هو تحلق الجمهور حول الشاشة أو الملعب ليتفاعل مع كل حركة ولمسة في المباراة.
مسرح من العشب الأخضر
نحن إذن نتحلق حول مسرح من العشب الأخضر، يتحرك عليه 22 لاعبا، وفي قلب المشهد مدربون وآلاف المشاهدين وكرة يتم ركلها وفق خطط وطرائق لإحراز هدف في المرمي، صراع ، وتدريب بدني ونفسي وخططي ومعلقون ومحللون ونقاد وصلوا عبر ساعات من الجدل إلي ما يمكن أن يطلق عليه سرديات كرة القدم وجمالياتها من خلال اللوحات الشارحة وتحريك العلامات وضبط الزوايا والوقوف عند كل لعبة ومشاهدتها لقطة لقطة، وإيضاح مهارات وإمكانات كل لاعب وكل مدرب، كل هذه المدخلات جعلت لكرة القدم امتدادا عند كل شعوب العالم تقريبا.
إن كرة القدم صارت نوعا من الفرجة، وراكمت تراثا ثقافيا من أغان وإشارات ورقصات وأعلام وطرائق من الزي وألوان، وخلقت فضاء رحبا لصناعات واقتصاد لسنا هنا في مجال مناقشة قيمته وجدل علي صفحات التواصل الاجتماعي والشاشات والجرائد، بل أدخلتنا في مناوشات سياسية واستغل البعض حضور الجمهور فروج لفكرته السياسية أو مارس العنف أو أعلن عن انتمائه، ولا تخلو اللعبة بتشكلها من لغة الجسد في الملعب وبين الجمهور والمدربين بما تحمل من إشارات الرفض والانحياز والفرح والغضب وجميعا تحتاج لرصد يربطها بفكرة الفرجة والمخزون الثقافي والانفعالي للجمهور قبل وأثناء وبعد مشاهدة المباراة، فالمباريات لم تعد مجرد مجموعة من اللاعبين يمارسون صراعا علي كرة منفوخة بالهواء ليحققوا الفوز فحسب لكنها صارت فعلا متسعا لرصد جزء مهم من سلم القيم وتعالقه بأفكار النصر والهزيمة، تحقيق الأهداف ووسائل تحقيقها، الانتماء وتحولاته، التنفيس عن المكبوت، والملاسنات اللفظية والنكات والعبارات والصور الساخرة والمتابعات التي يجرها البعض لأرض أوسع من كرة يتقاذفها اللاعبون، وتصاحب هذه اللعبة أبعاد يمكن أن نطلق عليه الأبعاد الأنثروبولوجية التي تتمظهر في الكلام حول السحر والرقصات الطقوسية، والأزياء الشعبية الدالة علي المنطقة الشعوب الإفريقية – الأسيوية ... إلخ أو حتي الإشارات الأنثروبولجية التي تذهب بنا إلي تاريخ وتراث المنطقة وبعض عاداتها وتقاليدها وقبائلها خاصة في البطولات الكبري القارية أو بطولة كأس العالم.
إن المتأمل لهذه البطولات التي تجتمع فيها الفرق وشعوبها سيجد أن كل دولة تحمل تاريخها معها، وبعض عاداتها وتقاليدها وأطعمتها وألوان زيها، كما سنشاهد أشكالا وصيغا متنوعة تتمظهر في شكل طقوس ومظاهر احتفالية يتعانق فيها الرقص بالغناء والشعارات الشفاهية باللافتات الكتابية، ويرسم الجمهور السيناريوهات وتمتلئ الجعب بالحكايات ولا تخلو هذه العناصر من مصاحبة للغة الجسد التي قد تلقي بنا في الجغرافيا كعلامة ثقافية أو تمتزج معها بعض العلامات التي صارت عامة بين جميع صنوف البشر وقد تجاوزت الجغرافيا لتصبح لغة كونية .
إن المسرح الكروي متاح لمشاهدة الجميع أما مباشرة أو عبر وسيط ، ولو صدقنا أنه بمثابة فرجة جماهيرية، أخشي من تأكيد مصطلح فرجة شعبية عليه جمهور ليس نوعيا لحين معاينة وقراءة هذه الظاهرة بشكل أعمق، فهذه الفرجة معروفة سلفا لجمهورها ويسعي لحضورها أو مشاهدتها أو متابعتها استماعا، كما أن هذه الفرجة لا تتشكل في فوضي لكنها يعد لها ويحدد مكانها وزمانها ، وتخضع لقواعد ولوائح وقوانين يمارسها الجميع، وتحوطها أجواء آدائية بداية من دخول الملعب وتحية الجمهور وبداية الأحداث والتعرف علي قطبي الصراع ، ولأن الفرجة تتوجه لإحداث التسرية والمرح والمواقف الطريفة والحركات المدهشة والمهارات الجسمية الخاصة ولحظات الصمت والإندهاش والصراخ والمشاركة وجميعها تمتزج للخروج من حالة الكبت بالوصول إلي السعادة الأمر الذي قد يتحقق في كرة القدم بمشاهدتها و ذلك حال انتصار الفريق الذي يشجعه الجمهور.
تسعون دقيقة صافية هي عمر المباراة الواحدة، تسعون دقيقة لكنها تجمع الملايين، تموج بالإثارة والتشويق، بالصحبة واصطحاب الأحبة والحبيبات، تتوثق بالصورة والفيديو، وبلمسات الأيدي وبالأحضان والقبل، تسعون دقيقة يمارس فيها الحضور الحياة ضحكا وبكاء، رهبة وتشجيعا، رقصا وغناء، انتظارا ودعاء، فرحة وانتصارا، تفاعلا وصمتا، وربما يصل الأمر حد موت بعض المشجعين، نعم هي لعبة له قوانينها، لكن تتيح لمشاهدها مساحات من مفارقة القانون أما باختراقه أو القفز علي مواده أو بغفلة من يراقبون، أو بمهارات جديدة تقتضي إعادة النظر في القانون ذاته، فلم لا تكتسب كرة القدم انتشارها بل شعبيتها وهي تمنح الأجساد حريتها والألسنة طاقة للبوح وإخراج المكبوت، وكما تغني الجماعة مجتمعة نري كل فريق وهو يمارس جماعيته، ولأن الفرقة لا تعدم المغني فارق الموهبة حين ينشد الموال فإن الفريق لا يعدم اللاعب المهاري الذي يعبر الخصوم كموجة ليحرز هدفه وفريقه لتموج الجماهير نشوة وسعادة .
الجماعية ومنطق الصراع
هل الجماعية أحد أسرارها، هل منطق الصراع علي كرة لتذهب محققة الهدف، هل تحقيق النشوة والسعادة للجموع، ربما هذا وربما خليط الألوان الذي يرسم عالمين بينهما يجري قضاة والجميع في الساحة يتعلقون بالأرجل كي يستمعوا إليها، ويسمعوا صافرة الحكم، وهل لأنها لعبة لا تعرف عددا حين تلعب في الحارات والشوارع فيمكن أن تلعب بأي عدد، وبأي نوع من الكور، كرة بلاستيكية – كرة مصنوعة من الخيوط والكلة، كرة يقال لها »‬الكَفَرْ ، ويبدو أن الاسم قد جاء من المفردة الإنجليزية cover، ويمكن أن تلعب بين الصغار والكبار، وبين الأصحاب ومن لا يعرفون بعضهم، بين قصيري الطول، وأصحاب القامات الطويلة، علي الأرض الترابية، والأسفلتية، وعلي النجيل، لعبة تتيح نفسها للجميع من يملك المهارة وعديمها.
أطلق البعض عليها لعبة الفقراء، وكان كبار الموهوبين في مصر والعالم من أبناء الفقراء، لكن هل مازالت لعبة أبناء الفقراء ؟ بعد أن صارت لها اقتصادها، وصارت تسعي وراءها شركات الدعاية والإعلانات، وصار اللاعب نجما، وصارت قيمة العقود بملايين الدولارات، وصار السماسرة رجال أعمال، وصارت الكرة في غير طريقها لتنادي أبناء الأغنياء حتي لو لم يملكوا الموهبة، فالأكاديميات الرياضية فتحت أبوابها وصارت بابا جديدا للأحلام بالوصول إلي مكانة اجتماعية ينهزم أمامها الشعر والنثر والكتابة المفارقة، كما تتضاءل في وجودها المهن والوظائف التي كانت تحتل المكانة الأرقي في المجتمع كالطب والهندسة والقضاء، للدرجة التي يمكن أن تقرأ علامات الفخار بحلم الصعود علي درجات السلم الاجتماعي في أعين بعض المثقفين، لا ضير فسلم القيم ومعاييره قد اختلف فبعد أن كان الأهل يمنعون الأبناء من لعب الكرة بوصفها مضيعة للوقت والعائق أمام التفوق وأن من يشتغل بها هو من لا يملك أحلاما في العلم ، الآن يسعي معظم الناس لصعود درجات السلم الاجتماعي قفزا علي كرة القدم .
إن العالم كله بانتظار كأس العالم، بل بانتظار أعظم فرجة في تاريخ البشرية وأكثرها انتشارا حيث يتجسد الصراع، وتتكاثر الإيماءات »‬الفرح – الغضب – الحزن – الإندهاش – الاستنكار- الرفض... إلخ»، وتتعدد الاحتفالات في الشوارع والملاعب وأمام أماكن إقامة الفرق، وتجتمع الجاليات لتستعيد أوطانها في الغربة، تستدعيها حين ترتدي الزي التقليدي وتحمل آلاتها الموسيقية الشعبية من طبول وآلات نفخ مصنوعة من الخشب أو الغاب أو النحاس، وتحمل البيارق ، وتجأر بالأغاني، إنه كرنفال يعرض لملامح الهوية لغة وزيا وموسيقي، كما يصاحب كل ذلك رقصات شعبية تنتمي للأرض، ففي الشوارع وفي المدرجات يري العالم مباريات لا تقل سخونة ولا حيوية عن المباريات التي تجري في الملاعب، ولأن الفرجة تتسم بالشمول فإنه لن تخلو من الألوان والبيارق، والأدعية وصنوف المعتقدات التي يتوسل بها الجمهور لتحقيق الانتصار، ولأننا أمام فرجة ، فالمتفرج أصبح جزءا من الحالة التي يشاهدها المشاهدون أمام الشاشات، ولأن كل فرجة تتعلق بالحواس وإثارتها وتنوع المشاعر فيها، فإن كل مباراة تعد ساحة لا ستدعاءات كلامية وتاريخية، بل قد تستدعي سياقات سياسية واجتماعية وثقافية يمكن أن نقرأها قراءة أنثروبولوجية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.