بدأ اهتمامي بالترجمة منذ دراستي في قسم اللغة الألمانية، بكلية الألسن جامعة عين شمس، وشعرت بمدي أهمية هذا العلم من بين العلوم الإنسانية، لأنه بمثابة الطريق الممهد والجسر العابر بين مختلف الثقافات والعلوم، كما أن الترجمة الأدبية تعد واحدة من أهم دروب الترجمة، حيث أنها تنقل كل ما له صلة بالطبيعة البشرية في كل الثقافات، بالإضافة إلي طرح الميراث الإنساني ككل للتفكُّر. بدأت مشواري في العمل بالترجمة بعد الحصول علي درجة الماجستير مباشرة، أي في عام 2010، عن طريق ترجمة بعض المقالات الصحفية والمقتطفات من بعض الأعمال الأدبية. ودائمًا ما كانت تشغلني قضايا الترجمة ونظرياتها وإشكالياتها، مما دفعني قبل ذلك لكتابة رسالة الماجستير عن إحدي الظواهر الترجمية الشائكة، وهي الفاقد والفائض في النص المترجم. وهو الأمر الذي شجعني علي استكمال المعرفة النظرية بالتطبيق العملي. كما أن اللغة العربية قد احتلت مكانة مميزة في قائمة اهتماماتي، وسعيت دومًا لتحسين قدراتي اللغوية عن طريق القراءة المستمرة خاصة للأدب بنوعيه الألماني والعربي، مما أسهم في تحسين الصياغات اللغوية في الترجمة، ورفع الحس الأدبي وتهذيبه. طوال الفترة الممتدة من 2010 إلي 2018 اشتركت في الكثير من ورش العمل في مصر وألمانيا، كان آخرها في مارس 2018، حيث اشتركت في منتدي المترجمين الدولي الذي يقام كل عام في مدينتي برلين ولايبزج الألمانيتين، وتضمّنت مشاركتي في حلقة نقاشية عن الخبرات الترجمية واهتمام العالم العربي بالأدب الألماني المعاصر، من ضمن فعاليات معرض لايبزج الدولي للكتاب. استمر اهتمامي واشتغالي بالترجمة طوال ثماني سنوات، تركز فيها عملي علي الترجمة الأدبية من الألمانية إلي العربية، إلي جانب عملي كأستاذ جامعي في كلية الألسن، نُشر لي خلالها ترجمة قصة قصيرة للكاتب الألماني كريستوف بيترز، ومقال آخر في كتاب أدب التمرد للكاتبة الصحفية السويسرية سوزانا شانده، وحدث عام 2015 أن اخترت رواية »المستشفي الأمريكي» للكاتب الألماني المعاصر ميشائيل كليبرج للترجمة، كواحدة من النصوص المطروحة للنقاش في ورشة عمل نظمها معهد جوته القاهرة، ومن ثم نشأت قناة اتصال بيني وبين الكاتب، ودعمت الهيئة المصرية العامة للكتاب ترجمة الرواية إلي العربية. تدور أحداثها حول جندي في الجيش الأمريكي أصيب بنوبات فزع من جراء التعرض لفظائع حرب الخليج في العراق، والتقي في المستشفي الأمريكي في باريس ببطلة الرواية هيلين، التي تعاني من العقم وتتلقي العلاج. نشأت بينهما علاقة صداقة، يسير خلالها خطيا المعاناة الإنسانية بشكل متوازٍ. تقدمت الدكتورة سهير المصادفة بترجمة الرواية إلي مسابقة جريدة أخبار الأدب، ووفقني الله تعالي وحازت الترجمة علي قبول لجنة التحكيم الموقرة، ونالت جائزة العمل الأول. عندما علمت بخبر الفوز شعرت بسعادة غامرة، وبالامتنان لكل من دعمني وآمن بي كمترجمة طوال هذه السنوات، والجائزة بالنسبة لي بمثابة تتويج لمجهود شاق استمر لسنوات. أعمل في الفترة الحالية علي ترجمة الرواية الألمانية »مدينة بلا حدود» للكاتبة الألمانية المعاصرة أولّا لينسي، وتدور أحداثها في ثلاث مدن، برلين وإسطنبول ومومباي، وتتعرض للسمات الحضارية في كل مدينة وتنطلق من محو الحدود بين المدن. يدعم هذا المشروع المركز الثقافي الألماني، معهد جوته. وقد التقيت في إطار هذا الدعم بالكاتبة الألمانية في ميونخ وأجريت معها حوارًا عن أهم إشكاليات ترجمة النص، وتبادلنا الآراء حول تفسيرها لبعض المواضع في النص وخلفياتها. أخطط في المستقبل القريب لترجمة عدد من الأعمال الأدبية الأخري، التي تهتم في المقام الأول بتداخل الثقافات الناشئ عن انفتاح المجتمع الألماني منذ نهاية عام 2015، بسبب استقبال اللاجئين ومحاولة دمجهم داخل المجتمع، مع ما يلاقونه من تحديات وصعوبات وخلفيات محملة بعبء المعاناة الناتجة عن الحرب. أود أن تساهم ترجماتي ولو بمقدار ضئيل في تقارب الشعوب وهدم الأحكام المسبقة المغلوطة.