عضو «تشريعية النواب»: قانون الإجراءات الجنائية يعزز الثقة في التوجه الحقوقي للدولة المصرية    محافظ المنوفية يتابع جهود إزالة التعديات على مجرى نهر النيل بنطاق المحافظة    البابا تواضروس الثاني يستقبل سفيرة المجر    عاجل- رئيس الوزراء يلتقي وزراء الصحة والتعليم بعدد من الدول خلال المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية    «إنفنيتي باور» تحصل على تمويل من «أبسا المالية» بقيمة 372 مليون دولار    مباحثات مصرية – تركية في أنقرة لدعم العلاقات الثنائية والتشاور حول القضايا الإقليمية    هبة التميمي: المفوضية تؤكد نجاح الانتخابات التشريعية العراقية بمشاركة 55%    الزمالك يسعى لإنهاء إجراءات إقامة اللاعبين الأجانب قبل السفر لجنوب أفريقيا    تعرف على منتخب أوزبكستان قبل مواجهة مصر في بطولة كأس العين الدولية    مواعيد مباريات ملحق إفريقيا المؤهل لكأس العالم 2026.. والقنوات الناقلة    وباء الشوارع.. كيف تحول «التوك توك» من حل للأزمة إلى مصدر للفوضى؟    هميلي: قلبي اختار مصر.. وتحقق حلمي بعرض «اغتراب» بمهرجان القاهرة السينمائي    بطريقة طريفة.. أسماء جلال تحسم جدل ارتباطها بعمرو دياب    وزير الصحة والكيماويات والأسمدة الهندي يعقد لقاءات رفيعة المستوى في القاهرة    ستاندرد بنك يعلن الافتتاح الرسمى لمكتبه التمثيلى فى مصر    وزير الاستثمار: مصر ضمن أفضل 50 اقتصاداً فى العالم من حيث الأداء والاستقرار    بحماية الجيش.. المستوطنون يحرقون أرزاق الفلسطينيين في نابلس    جنوب سيناء.. تخصيص 186 فدانا لزيادة مساحة الغابة الشجرية في مدينة دهب    بعد شكوى أولياء الأمور.. قرار هام من وزير التعليم ضد مدرسة «نيو كابيتال» الخاصة    19 ألف زائر يوميًا.. طفرة في أعداد الزائرين للمتحف المصري الكبير    بعد افتتاح المتحف المصري الكبير.. آثارنا تتلألأ على الشاشة بعبق التاريخ    محمد صبحي يطمئن جمهوره ومحبيه: «أنا بخير وأجري فحوصات للاطمئنان»    أسعار الفراخ والبيض اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 بأسواق الأقصر    موعد نهائي كأس السوبر المصري لكرة اليد بين الأهلي وسموحة بالإمارات    الغرفة التجارية بمطروح: الموافقة على إنشاء مكتب توثيق وزارة الخارجية داخل مقر الغرفة    حجز محاكمة متهمة بخلية الهرم لجسة 13 يناير للحكم    أثناء عمله.. مصرع عامل نظافة أسفل عجلات مقطورة بمركز الشهداء بالمنوفية    ذكرى رحيل الساحر الفنان محمود عبد العزيز فى كاريكاتير اليوم السابع    الرئيس السيسي يصدق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    نجم مانشستر يونايتد يقترب من الرحيل    رئيس الوزراء يتفقد أحدث الابتكارات الصحية بمعرض التحول الرقمي    «المغرب بالإسكندرية 5:03».. جدول مواقيت الصلاة في مدن الجمهورية غدًا الخميس 13 نوفمبر 2025    عاجل- محمود عباس: زيارتي لفرنسا ترسخ الاعتراف بدولة فلسطين وتفتح آفاقًا جديدة لسلام عادل    وزير التعليم: الإعداد لإنشاء قرابة 60 مدرسة جديدة مع مؤسسات تعليمية إيطالية    الرقابة المالية تتيح لشركات التأمين الاستثمار في الذهب لأول مرة في مصر    أمم أفريقيا سر بقاء أحمد عبد الرؤوف في قيادة الزمالك    انهيار عقار بمنطقة الجمرك في الإسكندرية دون إصابات    وزير دفاع إسرائيل يغلق محطة راديو عسكرية عمرها 75 عاما.. ومجلس الصحافة يهاجمه    «عندهم حسن نية دايما».. ما الأبراج الطيبة «نقية القلب»؟    منتخب مصر يخوض تدريباته في السادسة مساء باستاد العين استعدادا لودية أوزبكستان    عاجل- رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين مصر ولاتفيا لتعزيز التعاون فى مجالات الرعاية الصحية    اليابان تتعاون مع بريطانيا وكندا في مجالي الأمن والاقتصاد    «العمل»: التفتيش على 257 منشأة في القاهرة والجيزة خلال يوم    إطلاق قافلة زاد العزة ال71 بحمولة 8 آلاف طن مساعدات غذائية إلى غزة    الحبيب الجفرى: مسائل التوسل والتبرك والأضرحة ليست من الأولويات التى تشغل المسلمين    دار الإفتاء توضح حكم القتل الرحيم    ما الحكم الشرعى فى لمس عورة المريض من قِبَل زوجة أبيه.. دار الإفتاء تجيب    المشدد 15 و10 سنوات للمهتمين بقتل طفلة بالشرقية    السعودية تستخدم الدرون الذكية لرصد المخالفين لأنظمة الحج وإدارة الحشود    القليوبية تشن حملات تموينية وتضبط 131 مخالفة وسلع فاسدة    قصر العينى يحتفل بيوم السكر العالمى بخدمات طبية وتوعوية مجانية للمرضى    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    اليوم.. عزاء المطرب الشعبي إسماعيل الليثي    تطورات جديدة في مفاوضات ديانج والأهلي.. شوبير يكشف التفاصيل    وزير الخارجية يعلن انعقاد المنتدى الاقتصادي المصري – التركي خلال 2026    «وزير التنعليم»: بناء نحو 150 ألف فصل خلال السنوات ال10 الماضية    18 نوفمبر موعد الحسم.. إعلان نتائج المرحلة الأولى لانتخابات النواب 2025 وخبير دستوري يوضح قواعد الفوز وحالات الإعادة    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يري أن أي تجربة تخلو من الحيرة أو القلق لا تستحق القراءة
أسعد الجبوري: كل نصّ يبعث علي الطمأنينة هو نص نافق لا نفع منه
نشر في أخبار السيارات يوم 07 - 04 - 2018

منذ بداياته.. حاول أن يكون شاعراُ آخر. خرج من جسد الشعر، فصار بمرور الوقت عامل خرق يتدرب علي تطهير النص من الغبار والفضلات، ليثبت إنه قوة شعرية لا تستمد حيويتها من الظلال والمرجعيات، وذلك لأنه أدرك مبكراً بأن الآخرين -بما فيهم شعراء ما يسمي بالحداثة- ليسوا أكثر من خزائن للتقاليد الشعرية النمطية وللتراث ولمفردات المدارس الأدبية التي عادةً ما تنم عن تلك الحبال الصوتية المتهرئة من التكرار ووظائف النقل والاستنساخ المتبادل ما بين مختلف الأجيال علي الرغم من الفوارق الزمنية بينهم. لأن شعراء اليوم ممتلئون بشعرية القرون السحيقة، فالجاهلية ما تزال قائمة في حداثة اللحظة المعاصرة بشكل قاطع.
نتحدث هنا عن أسعد الجبوري عضو اتحاد الكتاب العرب، وعضو اتحاد الكتاب الدنمركيين، عضو في الإنسكلوبيديا العالمية للشعر – بريطانيا. رئيس تحرير جريدة (طقوس) باللغتين العربية والإنجليزية، مؤسس بنك الخيال، ومدير موقع الإمبراطور الإلكتروني.
نطرح أسئلةً علي شاعر المخيلة الأول وفقاً لوقائع النصوص التي تؤكدها صوره الشعرية، بما يجعله متفوقاً بامتياز، وذلك بما يوجد بترسانة خياله، ككاسر لظهر اللغة وكمفجر لجينات الكلمات.
في المقدمة ثمة سؤال عن الشعر. هل هو روح الشاعر أم ذاته؟
ليس علي الشاعر إلا أن يعترف بأن الروح سلف الذات الشعرية. هذا ما اعتقده أنا. والشاعر في أثناء الكتابة، يترك الاثنين في محرقة الكلمات من أجل أن يحقق أهداف النص بعيداً عن التأويلات المضادّة لحركة البلاغة داخل للغة.
من هنا يصبح السؤال عن الشعر كالسؤال عن الروح. عن الذات. أو عن الألغام التي تنضج في تربة اللغة.
أنت شاعرٌ مقطوعٌ بلا تراث. هكذا يطلق علي كتاباتك النقادُ. ما ردّك؟
لا أعتقد بأنني أخطئ، فيما لو قلت بأن الكاتب العابر للتراث والتقليد والتناص، هو بذاته محطة وقود متخمة بالمواد القابلة للانفجار أو الاشتعال في أقل تقدير. لكن الأمر المهم، يتعلق بمن يمرّ بتلك المحطة. فليس كل عابر هو حافزٌ للاشتعال، أو محرض عليه.
هناك الألوف من المارّة وألوف الأحداث، تمر بفتيل التأليف، دون أن تؤثر فيه، كونها تكتلات أو كتل باردة، لا تملك طاقة تقود إلي الاشتعال. في مقابل ذلك، ثمة أشياء صغيرة أو أحلام كامنة، قد تحرك مخزون تلك المحطة، فتؤدي إلي تكوين تلك النار السحرية التي تؤسس لبناء نص شعري.
كل الأعمال الأدبية الأخري من روايات وقصص ومسرحيات، لا تحتاج إلي التشعيل أو الاشتعال، لأنها من منظومة الأعمال السباتية.
عندما تكتب.. هل تضع خريطةً لتدوين أفكارك. صورك؟
أنا لا أستخدم خريطة طريق لأي عمل أكتبه. أعتبر المخيلة هي الخزينة الأم لكل المجوهرات التي تتفتح في الرأس وتنمو بين طبقات النفس التي تضحي ببعض من مساحة تربتها لصالح الكتابة.
لماذا تتعدد الرؤي في بناء رواياتك، في »الحمي المسلحة»‬ و»‬ديسكولاند» و»سائق الحرب الأعمي» علي سبيل المثال؟
ذلك ليس شأني وحده. فالفكرة في الرواية هي التي تقودني إلي مجاهل غير متوقعة. وهناك يبدأ التأسيس علي أفكار أخري، يمكن أن تكون معاكسة للفكرة الأولي، أو مجددة لها بطريقة ماكرة أخري. هذا في الرواية. وإما العبارة في الشعر، فهي التي تفجرها الصور القادمة من غوغل المخيلة نحو الورق أو الكيبورد. فتتكسر الأقفاص وتمحي الحدود ويضربُ الأسلاف بالدبابات دون رأفة.
ثمة من يعتقد بأن القارئ الذي يقتحم كتبك، عادة ما يقع في ورطة. هل تكتب لتدمر القارئ مثلاً؟
الكتابة بالدرجة الأولي هي توريطٌ القارئ بأحداث، يعمل المؤلفون علي استجلاب الآخرين إليها. وكل كاتب حسب قوة مغناطيسيته في عمليات التوريط. فتأليف الأعمال الأدبية، هي من وجهة نظري، ليست سوي جرائم فنية يجب المشاركة فيها. فقوة النص لا تكمن أو تكتمل إلا بغسل دماغ القارئ، وتأسيس الشكوك في وعيه الذهني.
هل تحرص علي وجود طقوس معينة تخص مواقيت كتاباتك؟
طقوس الكتابة تشبه إلي حد ما تلك الطقوس التي يمر بها النائم. ثمة تشابك هائل ما بين نقطة الوعي ونقطة الحلم. بين البربرية التي تغمر الرأس ببعض الأشباح، وبين الجبال التي تنهار في الرأس في أثناء ذلك الموت المؤقت.
لذلك، فأنا أتعلم يومياً من أشباحي. من ملائكتي. من السحرّة الذين يمرون بي في أثناء تلك الغيبوبة التي هي القسم الأعظم من الكتابة. فالنهار برأيي، هو كاسحة لألغام الخيال التي نستطيع بها التفجير والخلق. النهار يهزم الكاتب علي الدوام. فيما الليلُ، فهو مستودعُ الأساطير التي نعمل علي اختراعها يومياً.
كتب أحد النقاد عنك يقول: لا أصدق أن أسعد يكتبُ دون مساعدة من آخرين يقيمون في الغيب. ما رأيك؟
أنا سيد مطلق في الكتابة وبأي وقت. زمن التأليف عندي مفتوح. مثلما أنا فاتح خزائن اللغة السريّة واللاعب الشرس بالكلمات وظلال الكلمات.
السّحرة الذين يقفون علي أبواب اللغة. هم وحدهم من يساعدونني علي تحطيم الأقفال، والتسلل إلي الطبقات الغامضة من هذا الكون. فليس بالضرورة أن تقتفي آثار كتّاب، لتؤلف نصاً. المهم هو التخلص من تلك الآثار. كنس الغبار عن الذاكرة. مقاومة التناص. التخلص من المرجعيات التي تُقَفصُ المخيلّة، وتقوم بتدمير خلاياها تباعاً. أنا لست بالقارئ النهّم. تركتُ ذلك للفئران، ممن يجتمعون تحت أغلفة الكتب، ويقرضون الكاتب والكتابة علي حد سواء.
عندما يدخل القارئ في عمق تجربتك الشعرية، يحس بالحيرة والقلق وربما الضياع. ثمة ثقل بلاغي سينمائي يطغي علي نصوصك. كيف يمكنك التعبير عن تجربتك في الخلق الشعري؟
لا أعتقد أن تجربة شعرية تخلو من الحيرة أو القلق أو الضياع، وتستحق القراءة أو الحياة. فكل تجارب الشعر المهمة عبر التاريخ الأدبي، كانت تمتلك تلك المقومات. أي أن تُقلِق المقابل وتتركه حائراً بين الكلمات وربما إلي درجة تغيير نمط تفكيره، وذلك من خلال إعادة صياغته ليكون ملائماً لمخلوقات اللغة. ربما تلك مهمة الشعر السريّة. فالشاعر الأبيض يصنع من القارئ زجاجة فارغة.
الحديث عن تجربتي يبدأ من نقطة واحدة: المرور بمنازل الشعراء والهرب منها دون التفكير بالسكن أو الاستقرار داخل غرفها.
لم يتمكن الشعر من صياغة تجربتي في الداخل العراقي. كنت في مشروع البحث عن الحرية وسط ركام الظلام وهتك السيوف. فالحرية كمشروع أو خيار، كانت بالنسبة لجيلنا هي الهاجس الملح. كانت فكرة الخارج أقوي من فكرة الاستسلام للداخل، ولكنها لم ترتق إلي فكرة أو مستوي المهجر. فلم يكن العراقيون في تاريخهم من المهاجرين أو من المهجرين. لكن تلك الفكرة، فُرضت عليهم في سنوات القمع والاضطهاد. أقصد فكرة التهجير القسري، ليستسلموا بعد ذلك للمنفي. لقد خلقنا أدباً منفوياً بقيم واسعة وبمدارس فنية متعددة. وأستطيع القول بأن أدب المنفي الذي اشتغلنا عليه طوال سنوات الظلام والظلم والقمع والاستبداد والقتل والتشرد، سيبقي تراثاً ضخماً لا يمكن محوه أو الاستهانة به. بل هو أهم مما كُتب في الداخل العراقي في أثناء فترة الديكتاتورية، حيث النصوص الوضيعة الركيكة التي لا تحمل قيمة إبداعية سوي تصنيع الأبواق بالمدائح السوداء لشخصية الدموي صدام، تلك النصوص التي كرسّت فكرة عبادة الشخص لا تستحق سوي الرثاء.
وبدلاً من أن يقدم كتّاب الفترة الصدامية للمحاكمات، يتبوءون الآن المناصب في صحف البلاد ووسائل الإعلام والثقافة وبرلمان علي بابا.
من هنا يمكن القول إننا لم نكن فرانكفونيين أو سكسونيين بقدر ما نحن نتمتع ببلاغة المواهب المتحررة من الطغيان وصليل السيوف والغبار والدم والإرهاب، رافضين أن نكون دمي مدمجة بالهويات القاتلة التي تستلب مياه العقل وتحول الشاعر إلي حشرة علي الرصيف.
لقد ارتبطت تجربتي الأدبية المبكرة بفكرة الإعدام. أي بفكرة الإقصاء من العالم والكون. حدث لي ذلك بعد صدور حكم غيابي بإعدامي، بعدما تشبثت بالحرية كشرط مرتبط بشرط الوجود وبالكتابة.
إلي أي مدي كان المنفي مؤثراً في تكوين تجربتك؟
أنا منفاي في رأسي قبل أن يكون جغرافياً. وربما سيبقي للأبد. الجغرافيا تصابُ بالتصحر بالتجريف بالغرق أو بالتدمير. لذلك فهي تُخضع الشاعر إلي المزيد من التصليحات والتعديلات والتنقلات من تيه إلي مجهول آخر. فيما منفي الرأس، أو الرأس المنفي، فقد يعادلُ وزنهُ ثقلَ كوكب. لكن الشاعر في نهاية المطاف، يستطيعُ حملهُ علي الكتفين بفكرةٍ صغيرة.
المنفي الأدبي في حدوده الجغرافية يبقي سجلاً مفتوحاً، ولكن بشرط الاختلاف. لقد بت أخشي من كل شيء يميل إلي الطمأنينة والثابت.
هل هو الخوف من شيْء محدد ؟
لا. ليس الأمر يتعلق بالموت، بقدر ما هو متعلق بالسكون. النص الشعري في حقيقة الأمر الفني هو جسد بيولوجي، متي ما أصيب بالسكون أو الاستقرار، سرعان ما يتحول إلي جثة لدّابة متعفنة في الذهن أو علي طاولة. كل نصّ يبعث علي الطمأنينة في الآخر هو نص نافق لا نفع منه.
أهي دعوة لتحميل النصوص شحنات خاصة لإقلاق القارئ مثلاً؟
أجل. فالمهم ألا يستسلم النص ولا القارئ للغيبوبة. مقتل الكتابة فيما أعتقد يتمركز بابتعاد المؤلفين عن الخط الاستوائي لكتابة تثير وتحفز وتقود الآخرين إلي النقاط الحارقة التي لا تنتمي إلي أي عالم نظيف أو متجمد ذهنياً أو إلي أية منطقة تتمتع بالهدوء النسبي.
هل هذا ما فعلته في روايتك الرابعة »‬ديسكولاند» التي حملت بذرة التصادم مع الغرب عبر اللاجئين والغرباء والمهاجرين وذلك عبر قيام أجنبي »‬طوروس» بانقلاب عسكري في أحدي بلدان أوروبا للوصول إلي السلطة؟ أليست تلك الفكرة بحد ذاتها خطيرة؟
روايتي لم تتناول هذه الفكرة بالطريقة التي تحدث عنها البعض. لقد تناولت الموضوع من جانب آخر تماماً. قلت أن الضغط العنصري علي المهاجرين والغرباء، سيقود إلي انفجارات وعنف قد يبرر الصعود إلي السلطة وإن بواسطة الانقلاب العسكري. وما جاء في الرواية أن الحركات العنصرية وأحزاب اليمين الشوفيني المتطرف قامت باغتيال ملك بلاد »‬ديسكولاند» ليتهم الأجانب بالجريمة، وذلك بهدف تحريض الشعوب ضدهم. نحن لم نعامل الغرب بالطريقة ذاتها التي يعملون هم وفقها، سواء بالغزو أو تمتين بعض الأنظمة الشمولية أو بتدبير الانقلابات العسكرية وسواها في العالم الثالث، بقدر رغبتنا بأن ينظر الغربيون إلي قضايا المهاجرين واللاجئين السياسيين نظرة غير تلك النظرة الاحتقارية التي تصف الغرباء والمهاجرين بالشحاذين والصعاليك واللاجئين الاقتصاديين!!
ثمة ظلم وقسوة في هكذا نظرة.
لماذا الرواية؟ هل فسد رحم الشعر ولم يعد قادراً علي توصيل الرسائل؟
لا. ليس الأمر هكذا. فعندما ذهبت إلي عالم السردّ، فإنما حدثت تلك النقلة بهدف ممارسة نوع من التنشيط لخلايا الرواية العربية بعدما استفحلت أمراضٌ خطيرة في عمق هذا الجنس الأدبي.
هل ذهبت منقذاً كما تقصد؟!
لا يتعلق الأمر بمفهوم إنقاذي لفن يتعرض لبعض المخاطر، بل من أجل أحداث نقلة بالاتجاه الآخر. الاتجاه المضادّ للكلام. فالرواية لم تعد كلاماً يتساقط من أفواه السرديين أو الحكواتية، بل بات بناء لواقع أسطوري ضمن الواقع المستهلك بالفساد والعدم. فانهماك الرواية أو أي جنس أدبي آخر بالحكي أو الكتابة عن فساد الواقع وكوارثه بالطرق النمطية التي تبنتها المدارس الواقعية، لن يقود الرواية إلا إلي المحرقة. أو زجها بمنطقة موبوءة بهدف قتلها والتخلص من جفاف كتّابها.
ماذا يقول الأوروبيون عن رواياتك؟ نحن نراك تكتب عن شخوص غربية. عن وقائع لا تنتمي إلينا في الشرق. ربما لهذا لم يحفل النقاد برواياتك بالقدر الكافي. ما رأيك؟
سأقول شيئاً مهماً: الأوروبيون لا يحفلون بكاتب أجنبي إلا في حال أن تكون كتاباته مجندة لصالحهم. بعبارة أدق: أن تكون مشهوراً في الغرب، فما عليك إلا أن تكون روائياً بظلال أجنبية. لقد حازت روايتي الثانية »‬الحمي المسلحة» إعجاب المخرج الدنمركي »‬لارس فون ترايير» مخرج فيلم »‬الرقص في الظلام» ولكن الترجمة السيئة لتلك الرواية من العربية للغة الدنمركية فشلت بسبب عدم وجود مترجمين بارعين لنقل عمل أدبي من ذلك الطراز.
يلاحظ أنك تحاول في رواياتك تأليف عوالم غالباً ما تتجه إلي عوالم الأساطير والغرائب. لماذا التوجه نحو تلك العوالم؟ هل لأن الواقع فارغ من الأحداث العظيمة أم كونه بات مملاً ولا يصلح لتأليف روايات؟
ليس الأمر بهذا القدر من السوء. فالرواية العربية، ولأنها أسيرة المواضيع المستهلكة، ولا تستطيع الخروج من بئر التفكير الكلاسيكي، بحاجة إلي هزّة لتستبدل مكوناتها القديمة بكل ما يمت إلي العالم المعاصر. ليس ثمة أجمل من العوالم الافتراضية المتخيلة التي لا تمنح التكرار فرصة أخري لقرض الرواية كقطعة خبر يابسة.
الثالوث الثقافي »‬الشعر، الرواية، الصحافة» مرايا لأسعد الجبوري. ولكن في أية مرآة تري نفسك؟
أنا مخلوق شعري بالدرجة الأولي.. وبعد ذلك تأتي تجاربي في الحقول الأخري. فالشعر هو رئة الزمن الأدبي.
حينما أعلنت عن ميلاد قصيدة »‬النانو»، لاقت اعتراضات حادة، كيف تعاملت مع هذه الهجمة وردود الأفعال بشكل عام؟
لا .لا توجد اعتراضات لنمو قصيدة »‬نانو» في الجسد الثقافي، ولكن النانو جاء صدمةً حادّةً، تعرض لها كتّاب الهايكو المقلدين للشعر الجاهلي في اليابان.
قصيدة النانو تختصر المسافة بين القارئ والشعر، وتحد من السردّ بشكل عام، لأنها الجمرة التي شقت كثبان الرماد في الشعر العربي. علماً أنني منفتح علي مختلف الأشكال الخصاصة بالكتابة الشعرية، لأن الشعر تمارين لا تنتهي. والشعر عملية غير متعلقة بالشكل أصلاً، إنما بقوة الدفع. فالمنطقة التي يتم لنص النانو اقتحامها، لا تترك خلفها سوي ذاكرة متقدة، كونها تقضي علي السردّ واللغو والإنشاء والعويل اللغوي الذي لا طائل منه.
يحررُ النانو كائناتهُ من ظلاله في الشعر وفي الحب. والنانو هو أكبرُ من أحد.
هو ثاني أحد نفسهِ. وهو الراعي الأول للطيران.
ما بعد النانو. أين أصبحت قصيدة النثر في سيلك الأدبي؟
لست مسئولاً أدبياً في نادي قصيدة النثر، ولا حارساً علي مقتنياتها الشعرية. ولو كان النانو من المخترعات الأجنبية، ما رأيت شاعراً ولا ناقداً عربياً، إلا وكتب الديباجات والمقالات العظيمة في مديح هذا الطراز الشعري. لكن، ولأنه من صناعة عربية، بُنيت حولها الكثير من الجدران. وأنا سعيد لأن أكتب لوحدي هذا الطراز الذي ربما لا يجرؤ شاعر علي اقتحامه.
أشيع سابقاً بأن رواياتك أستبعدت من جائزة البوكر العربي، إلام توعز السبب؟
ربما لأنها تشكل اتجاهات في غير صالح أصحاب الجائزة والقائمين عليها، علماً أن دور النشر هي التي تقدمت بروايتي لتلك الجائزة، مثلما تم سرق الجائزة من روايتي الأخيرة »‬ثعابين الأرشيف» ومنح اتحاد الكتّاب الجائزة لشخص آخر.
ما رأيك بمنح البوكر في السنوات القليلة الماضية .هل منحت لمستحقيها؟
هذه الجائزة القبلية أصبحت عند العرب مثل مسلسل دعائي للتشويق. القائمة الأولي والقائمة الثانية والخ..
وهل تعدها إنجازاً مهما في مسيرة الروائي العربي؟
الجوائز تحطيم للقيم الأدبية العليا، لأنها باتت مرتبطة بالأجندة الفاسدة التي تحاول تصنيع الآداب علي ضوء سياساتها.
طقوس الجوائز غامضة. وما حدث مؤخراً بمنح نوبل للمغني ديلان، يؤكد أن نوبل قد جردّت خزائن الآداب من أهم فلزاته العظيمة في الشعر والرواية.
وكيف كانت وطأة الموضوع عليك وهل تعتقد بأن تلك الجوائز كنوبل مثلا هي غاية من غايات الأدباء؟
كوطأة انتظار غودوت. وهذا ينطبق علي كتّاب عالميين أيضاً.
بعد تجربتي المعري ودانتي بالحوار مع أهل الجنة والنار، خرقت الخط، وقدمت مشروعاً تحت عنوان »‬بريد السماء الافتراضي» حيث قمت باقتحام عوالم الشعراء الموتي، وإجراء حوارات مذهله معهم. كيف جري ذلك ولماذا ؟
حوارات بريد السماء الافتراضي نقطة تحوّل عظيمة في تاريخ الأدب العربي، لأنه تستعيد الشعراء الموتي من آخر الدنيا، فتضخ الدماء بجثثهم، لينبعثوا علي الأرض مرة جديدة، ولكن بعد كشف عام لحسابات كل شاعر راحل. لقد أنجزت عملاً أدبياً خلّاقاً واستثنائياً عندما قمت بمطاردة الشعراء الملهمين في السموات البعيدة، ومتابعة حيواتهم هناك، وكذلك بتقديم الكشوف عن أسرارهم وأعمالهم بعد الموت. سيصدر الجزء الأول من الكتاب عن وزارة الثقافة السورية، فيما نواصل العمل علي استكمال الجزء الثاني منه راهناً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.