«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عباس بيضون :الشعر بيتي.. والكتابة خارجه تنزُهاً
نشر في أخبار الأدب يوم 26 - 05 - 2018

كائن شعري حلّق في سماء الشعر، كلما أراد أن يرسم وجه القصيدة أخذه السؤال من الرسم بعيدًا ما هو الشعر. خلق لكتاباته ملامح تشبهه كثيرًا، نكاد لا نُفرِّق بينه و بين قصيدته، ليس بالعظيم عليه إذا ما أسميناه »الشاعر التوأم لقصيدته»‬، نفخ فيها من روحه حتي جعلِّها آية للقارئين، جمع موضوعاته من دقائق أيامه وحياته. تكاد تكون قصائده سيرة ذاتية. شاعر طالما مدّ أنفه في كل شيء، في الرواية، والصحافة، والنقد، بل والترجمة أيضًا. ولد في لبنان عام 1945 لعائلة مولعة بالأدب والثقافة، تربي بين الكتب والمكتبات صغيرًا، كبر وعيًا فتعاطي أوقاته الموجعة وأحس بآلامها، أصدر أولي مجموعاته الشعرية عام 1983 بعنوان »‬الوقت بجرعات كبيرة»، تلتها مجموعات جعلت من قصيدته انعطافة واضحة عن قصيدة النثر العربية.
عباس بيضون شاعر وروائي وصحافي لبناني من أبرز شعراء الثمانينات العرب وأهمهم، تُرجم بعض أعماله إلي: الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والألمانية والإيطالية.
حاز كتابه »‬الموت يأخذ مقاساتنا» علي جائزة المتوسط عن فئة الشعر، وحاز كتابه »‬خريف البراءة» علي جائزة الشيخ زايد للكتاب عن فئة الرواية.
كان لنا معه هذا الحوار:
• محلك الجغرافي لبنان، أين يكمن محلك الأدبي - الإبداعي - في الشعر أم في الرواية؟
جغرافياً، أعيش في بيروت، المدينة التي لا أحبها وحدي، وأظن أن كتاب العرب والمثقفين يحبونها أيضاً، أما شغفي الأدبي أنا الذي أكتب في أكثر من مجال روايةً وشعرًا ومقالة نقديةً، شغفي الأساسي هو الشعر، أنا شاعرٌ أساسًا، وشاعر أولًا وحين أذهب إلي الرواية أو حين أكتب مقالةً فأنا عندئذٍ أتنزه خارج بيتي الأساسي.
• عصافيرٌ برأسي لا تتوقف عن الزقزقة من كتابك (الموت يأخذ مقاساتنا) هل كان الموت يأخذ مقاسات تلك العصافير الآملة والمتأملة أيضًا؟ وهل وضعت مقاسًا للموت؟
أولًا أشكرك لأنك تستعيد عبارة من كتاب لي نسيتها أنا ولم تعد في ذاكرتي. أما عنوان »‬الموت يأخذ مقاساتنا» فالعنوان ليس لي؛ إنه من قصيدة »‬ومن» أو عناوين توماس ترانسترومر الشاعر السويدي الحائز علي جائزة نوبل لسنة 2011، هذا الشاعر سبق لي أن التقيته حينما زار بيروت، وأجريت حديثًا صحفيًا معه، كما سبق لي أن تعرفت عليه شاعرًا بفضل صديقة سويدية، هذا الشاعر أصيب بجلطة ولم يكن يحسن حتي الكلام، هذا الشاعر أدهشني لأنه كان خارج كل تصوراتي عن الشعر كان شاعرًا خاصًا جدًا. بحسب نص ترانسترومر الموت يأخذ مقاساتنا يعني أن الموت هو الذي يحدد كل شيء آخر الأمر، وهو الحكم الأخير، هذا البيت لترانسترومر أدهشني وأنا لي معه خاصة في هذه اللحظة التي أعلنت أن صديقًا لي معه صداقة يومية توفي، هذا الصديق هو الشاعر عصام العبدالله. قلت: (وداعًا أيتها الصداقات؛ الحياة تبدأ بعدنا).
• أيبدأ بعدك الشعر أيضًا أم أنه توقف عند عباس بيضون وجيله الأدبي؟
لا أظن أن الشعر يتوقف عند أحد؛ لأن الإنسان الذي اخترع الشعر اخترع أيضًا الحياة والموت والوجود، وأكاد أخشي أن يكون كل ذاك وهميًا وأن تكون الحياة نفسها كذبة.
• الشيخوخة، التقدم في العمر، موضوعًا جديدًا في ديوانك الاخير (ميتافيزيقيا الثعلب) أهو استسلام لها أم أن الشعر يتجدد من مرحلة لأخري ونهر الشعر لا ينضب؟
أنا في بداية السبعينيات وصلت إلي هذا السن ولا أكاد أصدق أني وصلت، لا أكاد أصدق أن الموت شيء حقيقي وأن الإنسان الذي بنا حياته علي خلودٍ وهمي يُفاجأ أخيرًا به ويكون كل شيء عند ذلك بلا معني.
أظن أن الشعر فن شبابي وفن مراهق؛ لأن الإنسان يكون مراهقًا في المراهقة، والشاعر قد يبقي مراهقًا، المراهقة هي جنون الخيال وهي جنون الذاكرة. أما عن الشيخوخة، أي كان الأمر حيث أتكلم عن الشيخوخة لأن شعري أقرب إلي أن يكون سيرة ذاتية خاصة، فمن قصيدة سور مثلًا إلي مجموعتي الأخيرة هناك مذكرات ويوميات حتي حين لا يبدو ذلك واضحًا أنا أجمع شعري من دقائق حياتي، ورغم أن هذا الشعر لا يبدو كذلك لأنه يُخفيه ولأن اللغة تبقي دائمًا ستارًا أو برقعًا، أنا أستمد شعري من ما أصادفه بحياتي.
• عندما يكون الشاعر مترجماً أيكون أمينًا علي ما أؤتمن؟ أيطاوعه مزاجه الشعري أم أن فضوله الشعري يجعله يتدخل في الأعمال المطروحة للترجمة ويحرف ويبدل ما يشاء وفق ما يراه مناسبًا لمزاجه وللنص الأدبي؟
الشعر يجب أن يبقي شعرًا في اللغة الثانية، ترجمة الشعر هي نوع من إعادة تأليفه بايقاعات وبلاغة جديدتين.
• رأي صرحت به: الشعر والرواية عمل داخلي، أي عمل دور الإرادة فيه قليل وخاصة في الشعر معدوم. كيف هذا والاثنان يصدران من اللاوعي؟ هل هو تحيز للشعر؟
الشعر يحتاج إلي ما يتعدي الإرادة والوعي كانوا يقولون إن الشعر وحي والشعر في الحقيقة يتخطي الشاعر ويتجاوزه كأن شخصًا آخر كتبه أو كأن اللغة تكتب نفسها، قال هيدكر أو هيدغر: (إن اللغة هي التي تتكلم عبر الشاعر) وأنا مع هذا الكلام، فالشاعر أقل بكثير من قصيدته؛ وذلك أن اللغة بكل تراثها وبكل محمولها تتحدث عبره. الشعر بالنسبة لي هو درجة من احتمال الحقيقة أو أقل، إنه ما تحت الحقيقة، والكلام الشعري هو في كل الأحوال ما تحت الكلام. الشعر هو درجة من الإيماء بلا كلام يختفي وراءه، أي أنه إشارة إلي افتراضٍ غير مرئي.
• كتبت مقالاً في »‬السفير» عن الأدب الإيجابي والسلبي، كيف للأدب أن يكون سلبيًا إذا ما أسميناه أدبًا؟ وما هو الأدب الإيجابي؟
في نظري وخاصة الأدب الحديث قائم علي السلبية، أي أنه لا يؤكد بل ينفي ويشكك ويتساءل، الأدب بهذا المعني سؤال وهذا السؤال أقرب إلي السلب أو الإلغاء، هذا هو الأدب الحديث فبدءاً من عند كافكا تعثر علي الأدب كنفي للعالم. وأظن ان الرواية تُسجل تهافت العالم، التهافت من كل النواحي، الأخلاقي، الفكري، والاجتماعي. فالحديث - أدب ما بعد البرجوازية - هو أدب متشائم وأدب ارتيابي، هو بالتالي أدب سلبي.
أما الأدب الإيجابي: هو غالبًا أدب ضعيف وفقير وهو أدب الديكتاتورية العقائدية، هو أدب الوعظ والإرشاد الأخلاقيين، هو أدب تعبوي وحزبي وليس من المصادفة أن تكون الدعوة للشيوعية والنازية هي الأدب الإيجابي الذي يقوم بتربية المجتمع علي السنن والعقائد التي تحملها الدولة.
• ما رأيك إذا ما كان النص الشعري يحمل الفكرة الفلسفية، ولماذا؟
الشعر نوع من الفكر لا يمكننا أن نفصل الشعر عن الفكر وأنْ يكن بأدواته الخاصة، الفكر في الشعر غير الفكر في الفلسفة، الفكر هو ما يمكننا أن نسميه ما تحت الفكر، هو تململ الفكر الذي لا ينتهي إلي حَسن ولكنه يبقي معلقًا، في الشعر فسلفة هي للشعر وحده، أي أن فلسفة الشعر هي للشعر وحده وهذه الفلسفة هي بصيغ الشعر وأدواته، هناك شعر في الختام فكر، لكن هذا الفكر يخص الشعر، إنها طريقته أو طرائقه في التفكير أي أن الفكرة لا تُقال بتسلسلها المنطقي وإنما في لمحها وفي تجليها الإيمائي أو في الإيماء، ولا شك أن ليس هناك من شعرٍ كبير ليس بالدرجة نفسها فكرًا كبيرًا.
• كيف يعرف الشاعر عباس بيضون الشعر والقصيدة الجيدة، بعدما انتقد التعريفات الكلاسيكية للشعر؟
لا أجد مواصفات جاهزة للقصيدة الجيدة، لكن القصيدة الجيدة هي كما يتراءي لي هي التي تستطيع أن تجمع بين غناءٍ رفيع وفكرٍ لماح هي القصيدة التي تبتكر فكرها وغناءها.
• ماذا بعد قصيدة النثر؟ هل تظن الشعر يتجدد؟
قصيدة النثر بحد ذاتها تفتح الشعر علي مجالاتٍ شاسعة، فهي تتجدد من خلال نفسها، قصيدة النثر عمل تجريبي ويظل تجريبيًا وهو مغامرة مستمرة ويظل مغامرة إذ لا حدود للنثر ولا قوالب نهائية له ولا قواعد كاملة، قصيدة النثر هي باستمرار في حال من التجدد والتجريب.
• ما أوجه الاختلاف والتشابه بين كتابة الرواية والشعر لدي عباس بيضون؟ متي يشعر أن ما يكتب شعرًا وليست رواية أو العكس؟
الفرق بين الشعر والرواية لدي عباس بيضون هو الفرق بين الشعر والرواية عند أي كاتب آخر، فالرواية تتطلب مزيجًا من كتابة آلية وحيويّة، الرواية في جانب منها تقنية فما يمكن قوله في الرواية هو فوق كونه واسعًا جدً؛ يملك في جانب منه ميزة إحصائية، ما تقول في الرواية هو كل شيء، تقول الأشياء وما وراءها وما ينتج عنها. الشعر ليس كذلك؛ فأنت لا تقول فيه كل شيء إنما تقول رؤوس الأشياء وإيماءاتها وما تقوله تقوله بدرجة من التركيز والحسم بحيث يبدو وكأنه احتمال حقيقة، أنت تقول الكلام الأخير ولا تذكر ما وراءه ولا ما أمامه، أنت لا تقول الأسباب ولا النتائج، الشعر هو الخلاصة، والخلاصة الناضجة القابلة لتكون حكمًا.
• قلت ذات مرة: العراق حاضر في ذاكرتي، واللهجة العراقية مألوفة لدي. ما السبب من حضور العراق في ذاكرتك؟
هناك أكثر من سبب ومن بين هذه الأسباب هو أنني سليل جدة عراقية ولي عدد من الأصدقاء العراقيين وككل العرب تربيت جزئيًا علي الأدب العراقي، فالعراق حاضر في حياتي وعلاقاتي.
• إذا ما كانت الصحافة فنًا مثلما أوضحت في حوار تلفزيوني، هل يعني أن الفنون الأدبية لا تحتاج لوحي - كالشعر والرواية -؟ كيف للفن الموحي بفكرته أن يختار موضوعًا للكتابة عنه كما في الصحافة؟
حين تكون الصحافة فنًا فهي فنٌ له تقنياته وقواعده النابعة منه ليست الصحافة فنًا كالشعر مثلًا؛ فالشعر بالتأكيد فن يختلف في مبانيه وتقنياته عن الصحافة، حين أقول الصحافة فن أقول ما يعرفه الجميع من أن الصحافة تُصور طرائقها وآلياتها التي تسع لها، لا يعني أنها فن كالشعر لنصلها بالوحي، الوحي هو إلي حد كبير خاصًا بالشعر، فالنثر بالتأكيد شطحات من الوحي لكنها تأتي ممزوجة بقدر من الكتابة الآلية، في الرواية قد نعثر علي شعر رفيع لكن هذا ليس كل الرواية، إنه لمحات منها وفي بقية الرواية هناك هذه الكتابة الآلية التي مع ذلك هي فن قائم في الرواية ولا نجده في الشعر؛ فالشعر يحوي القليل جدًا من هذه الكتابة الآلية.
• الصحفي الناجح من لم يكن شاعرًا؛ أو روائيًا لئلا يُغرق النص بالخيال، وما تحتاجه الكتابة الأدبية من أدوات، ما رأيك؟ هل أثرت الصحافة علي نتاجك الأدبي وهل تدخلت فيه؟ هل مد الشعر أنفه في عملك الصحفي، مثلما تقول أنا الذي يمد أنفه في كل شيء؟
الصحافة بالنسبة لي كانت تجربة خلّاقة، الصحافة علمتني أن أكتب في بالي من يقرأ، والصحافة علمتني أن أكتب ما يمكن أن نعتبره جوًا كاملًا تتلاحق فيه المعلومات والتفاصيل والأفكار والأشياء والأمكنة، أظن أن الصحافة جعلتني أكتب الرواية، وبالتأكيد الصحافة مدرسة في النثر وكتابة النثر، لذا لا استغرب أن يتحول الصُحافي إلي روائي أو أن يتحول الروائي إلي صحفي، ثمة كثيرون من الروائيين المعروفين مارسوا الصحافة أو انتقلوا إليها، يمكننا أن نسمي ميلفل وماركيس وكويت شدلوا، ولم أجد علي الإطلاق تعارضًا بين الشعر وبين الصحافة، إنما أكتب النثر كما أتصور النثر وأكتب الشعر كما أتصور الشعر ولا أخلط بين الأمرين فحين أكتب رواية لا أعود شاعرًا إلا فيما يخص روح الرواية لا إنشاءها ولا لغتها. لم تكن الصحافة بالنسبة لي عبءً علي الشعر، بالعكس ساعدت الصحافة علي أن يكون الشعر غير منمقٍ وغير مكتوبٍ بلغةٍ تهويليةٍ، ساعدت الصحافة علي الربط بين المحكية والمكتوبة فاللغة المكتوبة هنا لا تنفصل عن المحكية إلا بقوالبها لا بمفرداتها وتعابيرها.
قلت: الكتابة ليست اختياراً إرادياً وإنْ لم تكن شعرًا، و الأحداث السورية أعانتني علي ما بدأته من رواية خريف البراءة، أما يعني هذا أنك اخترت مواضيع أو أحداثا مكملة؟
بالتأكيد، كان الموضوع الذي يخص الإرهاب التكفيري كان مقصودًا في الرواية ولم يأت بالصدفة واستفدت من الأحداث السورية كوثيقة؛ فالرواية لا تخلو أحيانًا من هذا الجانب الوثائقي، وثمة روايات تعتمد كثيرًا علي الوثيقة وعلي المعلومات، بل هناك روايات تقوم في الأساس علي بحث واسع أو كبير في التاريخ أو في العلوم، الروايات في حقيقة الأمر عمل ثقافي.
• شخصية غسان - خريف البراءة - جزء مني أو الأقرب لي؛ لأنه لا يحكي! ما الذي تريد أن تقوله بعد أن أصدرت العديد من الروايات والمجاميع الشعرية؟ هل لازال هناك شيء لم تحكه حتي الان؟
شخصية غسان، شخصية إنسان يكتب أفكاره ويكتب كلامه ويتردد قبل أن يحكم علي الأشياء وقبل أن يفتي فيها، هذا ما أظنه يقرب غسان مني، من شخصيتي الفعليّة، وأقول أنه لا يحكي؛ أعني أنه ليس ثرثارًا وأعني أنه يزن كلامه طويلًا قبل أن يقول، أعني أنه يريد للكلام معايير ومصادر لا تجعل منه سيالًا وسهلًا.
بعد كل ما كتبته لا أعرف مقدار ما أفصحت عنه ومقدار ما يزال خصبًا في نفسي، لا شك أني قلتُ كثيرًا لكنني لم أقل كل شيء وعسيرًا علي الإنسان أن يقول كل شيء؛ فثمة دائمًا ما يغيب عنا وما نغفل عن قوله وما يستعصي علينا قوله، لا تنسي أن جانبًا من الكتابة هو تقنية وجانب آخر هو كما تقول وحي أو إبداع ولا نعرف ما الذي يمكننا قوله في هذه الحدود.
• سؤال من شقين: خريف البراءة، فخ قدمه بيضون، لم تكن رواية إنما شعر، هذا رأي طُرحَ كثيرًا علي أثر نيلك جائزة الشيخ زايد، إذا ما صح هذا الرأي، أما يعني ضياع الشعر وانغماسه بأجناس أدبية أخري؟ بعد هذه الجائزة عن روايتك خريف البراءة، لازلت الشاعر الذي كتب الرواية؟
اولاً، لا أظن أن خريف البراءة شعر أكثر منها رواية فأنا في كتابتي للرواية أتجنب تمامًا أن يبدو الشعر في مظاهرها أو أسلوبها أو لغتها، لكن هناك شعرًا في الرواية كما أن هناك شعرًا في السينما، أي أن هناك شعرًا يخرج من بُنية الرواية ومن حدودها، هناك شعر موجود في روح الكلام في وجهته، هذا الشعر موجود في الروايات بقدر وجوده في الأفلام والمسرحيات، وإذا وجد هذا النوع من الشعر في خريف البراءة فأنا لا أعترض لكن خريف البراءة رواية فقط في المعني الأسلوبي والتقني للكلام.
ثانياً: إن الرواية هي فن المرحلة وأن الشعر يتأخر عن الرواية ويتأخر عن فنون أخري هذا بالطبع أزمة، الشعر في أزمة لا ننكر ذلك، الشعر حاليًا يكاد يكون بدون قراء والشعراء يتحولون إلي نكرات في العالم الأدبي هذا صحيح لكن الشعر مع ذلك يبقي شعرًا ولا يضيع في بقية الأغراض الأدبية. نعم، أنا فعلاً لا أزال الشاعر الذي يكتب رواية.
• يري بعض الأدباء أن السوشيال ميديا، الفيس بوك وما شابه، إساءة وجهة للأدب وأنتجت أدباء بلا أدب ومعرفة، ماذا تراها أنت؟
أظن أن السوشيال ميديا تخدم الأدب في الوقت الذي تبتذله، فهناك في السوشيال ميديا جانب اجتماعي وهي مبنية علي ما في الاجتماعات من آداب ولياقة يختلفان عن النقد، لا تستطيع السوشيال ميديا أن تحل محل الأدب والكتابة، ففيها تختلف الأمور إلي درجة يضيع فيها الحكم والرأي والتقدير، يمكن أن تنتج السوشيال ميديا أدباءها وشعراءها لكنها لا تستطيع أن تحكم عليهم أو لهم، وبالتأكيد في السوشيال ميديا نقرأ أشياء بديعة لكن أصحابها ينشرونها أيضًا في كتب وتجعل منهم ملحوظين في كتبهم كما هم ملحوظون في الفيس بوك، السوشيال ميديا توسع مجال العرض الأدبي لكنها لا تخلق أدباء؛ فالأديب في الفيس بوك هو الأديب في الكتاب أيضًا.
• أيستطيع عباس بيضون »‬الشيخ» أن يصف - شعرًا - عباس بيضون »‬الشاب» ولو عاد به الزمن للوراء كيف يصفه الآن؟
ليس في استطاعتي أن أصف شعري، أترك هذا للقراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.