الكاتبة الصحفية صفية مصطفي أمين رئيس مجلس أمناء المؤسسة وفريق »الأخبار« داخل مستعمرة الجذام بمنطقة الخانكة 240 ألف جنيه من أسبوع الشفاء لمستعمرة الجذام بالخانكة المرضي : المستعمرة الملاذ الوحيد لنا والتبرع بالجهاز يخفف معاناتنا اليومية وكيل وزارة الصحة بالقليوبية : نثمن الدور الخيري لمؤسسة مصطفي وعلي أمين والتبرع بالجهاز إضافة كبيرة للمستعمرة مرضي يعيشون بمعزل عن الحياة، لا يرون أحدا ولا أحد يراهم، يعيشون سنوات عديدة يقضونها داخل المستعمرة، منهم من يلقي حتفه ويدفن بالمقابر التابعة للمستعمرة، دون أن يدري به أحد، أنهم مرضي الجذام، الذين يعانون الخوف والعزلة والوصمة الناتجة عن هذا المرض الذي يثير الرعب، حتي أن أهل المريض يفرون منه خوفا من العدوي، لا مكان يؤويهم سوي مستعمرة الجذام بعيدا عن عيون البشر التي تنظر إليهم بلا رحمة، هذه المستعمرة التي بناها الملك فؤاد الأول منذ أكثر من 100عام، علي مساحة 262 فدانًا في منطقة الخانكة، بأبو زعبل يحيط بها من كل مكان الأشجار الكثيفة المزروعة، حجرات المرضي مجرد عنابر بنيت منذ أكثر من مائة عام بالطوب الأبيض علي يد الاستعمار الإنجليزي، هذه المستعمرة تعاني مشاكل كثيرة من نقص الإمكانيات والأجهزة وغيرها. قرر أسبوع الشفاء، دعم هذه المستعمرة الطبية، وتقديم يد العون لمن يعملون بها، ودعم المستعمرة بجهاز سونار قيمته 240 ألف جنيه ليساهم في علاج أكثر من 571 مريضا يتلقون علاجهم ويعانون من تآكل وجوههم وانكماشه ولكنهم متمسكون بالحياة وأملهم بالشفاء. واستمرارا للدور الإنساني الذي تقوم به مؤسسة مصطفي وعلي أمين الخيرية في مساعدة وخدمة فئات المجتمع الأكثر احتياجا انتقلت الكاتبة الصحفية صفية مصطفي أمين رئيس مجلس أمناء المؤسسة وفريق »الأخبار« إلي مستعمرة الجذام التي تقع علي أطراف منطقة أبو زعبل لتسليم تبرع المؤسسة بجهاز سونار حديث قيمته 240 ألف جنيه ليساهم في علاج المرضي، وبالرغم من التحذيرات بإمكانية نقل العدوي إلا أننا حملنا الجهاز وذهبنا إليهم لنخفف آلامهم ونقل ما يدور بداخلهم وما يحتاجونه من المجتمع. تكلمنا معهم فنطقت وجوههم البائسة بالابتسامة رغم ظروفهم المرضية علي عكس ما توقعناه وهذا لقناعتنا بالاهتمام والرعاية لتلك الفئة التي لها كل الحق علينا. التف حولنا المرضي وتحدثوا معنا بصوت خافت وعيون حزينة.. حيث تحدث عم بشاي عن مأساته قائلا أعيش بالمستعمرة منذ 25 عاما بعد أن أصاب المرض أطراف يدي ودمرها فأنا متزوج ولم يرزقني الله بأولاد وليس لي أي دخل وزوجتي تعاني من مرض نفسي وتحتاج إلي علاج شهري يتعدي 600 جنيه شهريا خلاف مصاريف الانتقال إلي مستشفي العباسية. أما عم حمدي عبد الموجود الذي تمتد مأساته علي مدي 46 عاما قضاها بالمستعمرة يقول أصابني المرض وعمري 17 عاما وظللت محتجزا داخلها لتلقي العلاج أما عن أسرتي وأقاربي فمنهم من تركني وهجرني ومنهم من يأتي للسؤال عني. ويقطع عم عبد الرسول عبد الخالق أطراف الحديث ويقول أنا هنا من 15 عاما وعندما أصابني المرض فضلت الإقامة هنا للعلاج فكل شيء خاص بنا متوفر بالمستعمرة ولي 3 أولاد جميعهم متزوجون ومنشغلون في أعمالهم ويأتون لزيارتي والاطمئنان عليّ بين الحين والآخر. عنابر السيدات اقتربنا من أحد عنابر السيدات وانتابنا شعور بالخوف لكن سرعان مازال عندما تحدثنا معهن وتعرفنا علي مشاكلهن وحياتهن المليئة بالأحزان والمآسي. المستعمرة هي المأوي والملاذ الوحيد لي هكذا قالت صابحة خليل 67 سنة والدموع تتساقط من عينيها بعد أن تخلي عنها أهلها عندما أصابها المرض وهي طفلة فلم تجد غير هذا المكان ملجأ لها وقالت تزوجت مريضا من داخل المستعمرة وكانت تعيش بالسكن الخاص بالمرضي وبعد صراع مع المرض وإجراء عدة عمليات توفي زوجي وتم دفنه بمقابر المستعمرة ولم أنجب ونتعايش في تناغم مع بعضنا البعض وكأننا أسرة واحدة فليس لنا أحد يسأل علينا. أما رقية حافظ 71 سنة فموجودة بالمستعمرة منذ 45 عاما ولم تتزوج ويعتبرونها الأم الروحيه لبنات المستعمرة لأنها كما يقلن إنها تستمع إلي همومهن ومشاكلهن النفسية لبعد الأقارب والأهل عنهن بسبب مرضهن وقالت رقيه إن البنات هنا يحتجن إلي أم ترعاهن بعد عزلتهن وقلما يأتي أقاربهن لزيارتهن والمرض دخل علي عيني واحتاج إلي إجراء عملية قرنية وليس لي أحد يسأل عني سوي ابن أختي والذي يأتي علي فترات للسؤال عني. مرض الجذام وأثناء جولتنا قال د.محمد الغماز مدير المستعمرة إن مرضي الجذام يتم عزلهم في تلك المستعمرة التي تم إنشاؤها عام 1933 والتي تبعد عن المناطق السكنية وكانت علي مساحة 300 فدان وكانت تزرع بالمحاصيل والخضراوات والمرضي كانوا يتعايشون منها إلا أن التعديات عليها اقتطعت منها مساحات شاسعة حتي تقلصت إلي 125 فدانا منها 115 مزروعة بالموالح والتين الشوكي وال 10 أفدنة الأخري مقام عليها ذلك المبني ويشمل عنابر للرجال والسيدات ومباني إدارية ومعامل وصيدليات وعيادات خارجية وورشا خاصة بتأهيل المرضي ومزرعة تتم زراعتها بأصناف معينة من الذرة التي تستخدم في صناعة المكانس اليدوية التي تتم صناعتها داخل ورش التأهيل بالمستعمرة وتهتم الدولة بالحفاظ علي ما تبقي منها وبها عدد من المرضي يقيمون بداخلها حياة دائمة عندما تحاورهم تشعر بمعاناتهم وتعرف أحلامهم. كما لاحظنا ألوان الجدران متناسقة مع ألوان الأشجار التي تملأ المكان فأكد لنا الغماز أنه تم اختيار تلك الألوان بعناية لتتناسب مع لون الخضرة بالحديقة وذلك لإدخال البهجة علي المرضي ويضيف أن علاج مريض الجذام نفسي قبل أن يكون دوائيا. وقال الغماز إن المرض تم اكتشافه عام 1873 عن طريق العالم النرويجي هانسن ويضرب الجلد والأعصاب الطرفية وإذا لم يتم العلاج تحدث مضاعفات وتشوهات وإعاقة طرفية وتتوقف شدة الإصابة علي مناعة الجسم ضد الميكروب. ويستطرد قائلا إن حالات الإصابة في مصر انخفضت عن الماضي بسبب اكتشاف أدوية ثلاثية جديدة وأصبح المرض تحت السيطرة ومن الممكن الشفاء منه ومع اهتمام الدولة بهذه الفئة من المجتمع والإشراف الطبي المميز والالتزام بالعلاج أصبحت هناك حالات تمارس حياتها اليومية بشكل طبيعي. وأثناء حديثه اقترح د.الغماز تبني حملة قومية «مصر خالية من الجذام في 2023» من خلال اكتشاف المرض خلال 12 ساعة عن طريق إجراء التحاليل لجميع الطلبة بالمدارس والجامعات وخاصة بعد أن وفرت منظمة الصحة العالمية الأدوية الثلاثية التي تقضي علي العدوي. ويري الغماز أنه يجب إعادة تأهيل المريض المصاب والذي حدثت له تشوهات منعته من العمل ويواجه ظروفا حياتية صعبة من خلال إحياء الورش الموجودة بالمستعمرة ومشروعات جديدة تتمثل في تربية الدواجن وخلايا النحل وتربية الديدان عن طريق تجميع أوراق الشجر مع إضافة عناصر أخري وتحويلها إلي سماد عضوي وهذه المشروعات يعمل بها المرضي القادرون علي العمل بأجر مادي يساعدهم علي الحياه وناتج الربح يتم توزيعه علي باقي المرضي. وأشارت الكاتبة صفية مصطفي أمين أن أسبوع الشفاء سوف يقوم بتوجيه الدعم في الفترات القادمة لمستعمرة الجذام للمساهمة في إجراء عمليات بتر الأطراف وتوفير الأجهزة التعويضية للمرضي لإدخال السرور عليهم لأنهم جزء من المجتمع. وبمجرد وصولنا إلي قسم الأشعة لتركيب جهاز السونار عمت الفرحة المكان فالجميع من أطباء وتمريض وفنيي أشعة وعمال قالوا لنا نحن في انتظار حضوركم بالجهاز منذ علمنا بتبرع جمعية مصطفي وعلي أمين الخيرية به للمستعمرة وفي هذا الجو البهيج تم تسليمه في حضور د. حمدي الطباخ وكيل وزارة الصحة بالقليوبية وعماد محمد مدير المؤسسة وقال د. السيد السعيد مدير العيادات إن الجهاز الحديث سيخفف المشقة التي كان يتعرض لها المرضي أثناء ذهابهم وإيابهم للمراكز الخاصة لعمل الأشعة والتي لا يتمكنون من إجرائها لتخوف المراكز من انتقال العدوي. وأوضح أن مرض الجذام يكتشف من خلال المضاعفات الظاهرة للمريض إما في صورة بقع جلدية أو إصابة العصب وناشد السعيد بضرورة توافر جهاز حديث آخر مهمته قياس سرعة توصيل الأعصاب ( ncv ) وميكروسكوب إليكتروني دقيق للكشف عن ميكروب باسيل المسبب للمرض. العدوي في حين أكدت لنا د. مروة عادل إخصائية جلدية أن خطورة العدوي تكمن في المراحل الأولي من المرض وأن كل البشر تعرضوا لهذا الميكروب من صغرهم ومناعة الجسم هي التي تحدد الإصابة وتختلف من شخص لآخر وليس كل مريض معديا فهناك سبعة أنواع من المرض منها نوع واحد فقط معد وتقول إن المريض المعدي فعلا هو الذي يتجول بين الناس ولا تظهر عليه أعراض المرض. وتوجهنا إلي الصيدلية التي تتوافر بها أصناف كثيرة من الأدوية متراصة علي الأرفف. وتقول د. أماني مديرة الصيدلية إن جميع الأدوية التي يحتاجها المريض والخاصة بالجذام والأمراض المزمنة الأخري متوفرة عن طريق الدولة والمتبرعين ويتم التوريد إلينا مباشرة من شركات الأدوية كما طالبت أن تكون المستعمرة تابعة للأمانة العامة لوزارة الصحة. وقالت نعاني من مشكلة المواصلات إلي المستعمرة كونها منطقة نائية ونقوم بتأجير سيارة من موقف العاشر إلي المستعمرة ب 70 جنيها يوميا ويجب أن يتم ربط المنطقة بمواصلات عامة. وتدخل أحد الحاضرين وقال إن معظم السكن الإداري بالمستعمرة مغلق بعد وفاة الموظفين السابقين أو إحالتهم للمعاش لذا نناشد المحافظ وإدارة المستشفي إعادة النظر في هذه الشقق المغلقة وإعادة تسكينها للعاملين الذين يأتون من أماكن بعيدة. ولم يكن لنا أن نغادر المكان قبل الحديث مع د. حمدي الطباخ وكيل وزارة الصحة بالقليوبية.. وقال نحن نثمن دور مؤسسة مصطفي وعلي أمين الخيرية علي دورها في خدمة المجتمع المدني والتبرع بجهاز السونار المزود بخاصية حديثة تقوم بتصوير شرايين الدم والأوردة الطرفية لاكتشافات أي إصابات مبكرة وهذا إضافة جديدة للمستعمرة ونتمني مزيدا من التواصل والدعم لصالح المرضي وأوضح أن المرض تقلص كثيرا جدا عن الماضي بفضل التوعية وكيفية التعامل مع المرض والعلاج الثلاثي الحديث. كما قام اللواء محمود عشماوي محافظ القليوبية بزيارة المرضي في المستعمرة واستمع إلي شكواهم أكثر من أربع مرات وتم تجديد وإحلال خط مياه الشرب الذي تم تركيبه عام 1928 بتكلفة 6,5 مليون جنيه لتوفير مياه الشرب للمرضي كما تم تجديد دورات المياه وطلاء الجدران والعيادات الداخلية بألوان مناسبة مع الخضرة ليشعر المريض بالراحة وتم رصف شوارع المستعمرة ببلاط الانترلوك. ويؤكد الطباخ أنه يتم الكشف علي اللحوم والدواجن التي تأتي من الجمعيات والهيئات عن طريق أطباء بيطريين قبل طهيها للنزلاء.