اعتقد الناس أن ثورتهم نجحت بسقوط الرئيس المخلوع مبارك ونظامه الفاسد الذي استشري في كل ربوع مصر وجاء علي الأخضر واليابس وغير ثقافة المواطن فجعل من الشريف " عبيط " ومن الحرامي " شريف " ونامت الضمائر ، وسادت لغة الفهلوة واللعب علي الأحبال ، واستنزفت موارد مؤسسات الدولة وضاعت رسالتها وأصبحت مديونة وخاوية علي عروشها بعد أن نهبها الفاسدون ممن ماتت ضمائرهم فاستباحوا المال الحرام ،ولم يكتفوا بذلك بل يسعون إلي خرابها . واعتقد الجميع أن مصر دخلت عصرا جديدا بقيام الثورة لا مكان فيه لفاسد ، وأن الأمانة والشرف والعمل المخلص والإبداع هم شعار ثورة التغيير ، ولكن سرعان ما أصيب الناس بالاحباط لأن الفساد مازال حيا يسعي ، رغم كل الجهود لوأده . فما الذي حدث ؟هل الفساد أكبر من أي حكومة أو نظام ؟ هل خلايا الفاسدين متوغلة في كل الجسد المصري ولو استؤصلت سيموت الناس وتنهار الدولة ؟ ما التفسير العقلاني للصورة الضبابية التي أحبطت الناس وجعلت الشباب يطالب باستمرار الثورة ؟ أعتقد أن الفاسدين ليسوا بهذه الخطورة ولا القوة التي يصعب مواجهتها ، فمهما كان مكر فلول الفاسدين الذين مازالت بقية منهم في الصفوف الأولي ويحتمون بصفوف أخري من المرتزقة ، فإنها ترسم صورة زائفة عن نفسها بأنها السند والحائط المنيع الذي يحمي المكان وبتركها له سينهار وكأنهم الفراعنة الذين بنوا الأهرامات، ولكن الحقيقة هم فقاعات هواء ، نفخ فيها فم فاسد فكبرت وتضخمت فسادا ولكنها أهون من بيت العنكبوت ، فيمكن أن تزيلها بطرف أصبعك فتنهار ولا يصبح لها وجود ، لتعيد للمكان صورته الحقيقية بقوته وفخامته . ولذلك أطالب الحكومة بأن تشن حملة قوية وسريعة لا تهادن فيها ؛ لتجتث الفاسدين من كل مكان ولا تتركهم لحظة في أماكنهم ، فالفقاعات رغاوي يمكن أن تدخل في عينك فتدمع ، أو تسيل علي جبهتك ، وتنتشر في الهواء لتغطي جبهتك ، لكنها أبدا لن تسقطك ، ولن تضرك ، حاربوا فقاعات الفساد في كل وزارة ومؤسسة وهيئة لا تنتظروا لأن الشعب يريد التطهير السريع ليشعر بقيمة ثورته ويجني ثمارها. ولنأخذ من شخصية المهندس فتحي شهاب الدين رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشوري نموذجا لما فعله ويفعله في المؤسسات الصحفية القومية ، فالرجل هوجم بضراوة عندما أعلن عن التغييرات الصحفية واستخدمت كل ألوان التهديد والوعيد إذا حدث التغيير ، وعندما حدث وتغير رؤساء التحرير انتهت فقاعات الفساد علي لا شيء ، ثم بدأ الرجل يخوض معركة أخري ضد الفساد المتوغل والموجود في بعض المؤسسات ، ورغم صعوبة المعركة إلا أنها أسهل بكثير من المعركة الأولي ، لأن الفساد يريد الآن أن يرتدي عباءة الشرف بمساعدة أيد مرتعشة لا تعرف معني الثورة ولا ضرورة التطهير ، فقط تنظر تحت قدميها ولمصالحها الشخصية غير عابئة بمصالح الآلاف من العاملين ، نحن نشد من أزر شهاب الدين ونطالبه بمواصلة المشوار والاسراع في التغيير ،لأن الفاسدين مثل الشياطين يتخفون في وجوه كثيرة ولكنهم في النهاية مصاصو دماء !.