أحرص في كل انتخابات علي الإدلاء بصوتي، وعادة ما أعطيه للمرأة المرشحة أو لمواطن قبطي. وأعترف أني أعطيت صوتي أحيانا عن غير اقتناع أو عن غير علم بأي من هذين المرشحين، لكنه اختياري الذي لم أتراجع عنه، ورغبتي في أن يتحلي مجلس الشعب المصري بوجود كل الفئات تحت قبته. من حق كل مصري ولد علي أرض مصر ويحمل جنسيتها ويعتبرها وطنه والأرض التي ينتمي إليها أن يكون صوته مسموعا تحت القبة. وأعترف أنني، مثلما قال تشرشل رئيس وزراء بريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية، مستعدة أن أتحالف مع الشيطان، ولا أعطي الفرصة لمزيفي الدين والمتربحين من الكذب عليه لأن يحكموا ويتحكموا في المسلمين. ورغم إيماني بضرورة بل حتمية تواجد المرأة في كل المجالس النيابية، فقد وضعت يدي علي قلبي خوفاً من فوز نساء الإخوان واقتحامهن البرلمان فنحن نعرف جميعا أن الإخوان لا يقيمون وزنا للمرأة ويعتبرونها مخلوقا أدني من الرجل، لا يحق لها أن تكون ذات أهلية علي حياتها، إذ لابد لها من ولي، ولا أن تؤم الصلاة أو أن ترأس الدولة وغير ذلك من الآراء المتهافتة، ونساء الإخوان لم يعترضن علي تلك الأفكار المعلنة، ولم يطالبن حتي بمناقشتها أو تقديم الدليل عليها. إنهن نساء مستسلمات صاغرات متقبلات لكل ما يصدر إليهن من أوامر، وأقصي ما يفعلنه هو أن يختلقن المبررات ليدافعن عن آراء تجلد إنسانيتهن وتجردهن من أبسط الحقوق الإنسانية، فعمن ستدافع هذه المرأة؟ ولماذا تريد اقتحام البرلمان وقد كانت ممنوعة من دخول المسجد حتي عهد قريب؟ إن الهزيمة التي لقيها نساء ورجال الإخوان المسلمين الذين ترشحوا في الانتخابات الأخيرة أعطت لهم ذريعة لادعاء تزييف الانتخابات، ولكن الحقيقة التي يجب أن يتقبلوها هي أن الشعب ضاق ذرعا بهم، وأصبح يحلم بأن يعود إلي سابق عهده، كمسلم معروف عنه التسامح، ومسيحي مشهور بوداعته وعشقه لبلاده وقد عاشا معا في إخاء ومودة متعاهدين علي الحلوة والمرة حتي نعقت بومة التعصب في السبعينيات وخيمت السحابة الوهابية السوداء علي حياتنا فقلبتها رأسا علي عقب. إن الدنيا تتغير بسرعة وبعض علماء المسلمين العرب بدأوا يتكيفون مع التطورات السريعة لحياة الناس ويقدمون آراء وأفكارا تتفق مع التطور دون أن تبتعد عن الدين. ففي أكتوبر الماضي أدلي الأمين العام لتيار الإسلام الليبرالي في العراق السيد أحمد القبانجي بحديث لقناة «العربية» قال فيه إن إعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين هو حكم قابل للاجتهاد وإعادة النظر، واعترف بأن الرؤية للمرأة تطورت كثيرا حتي أصبحت المساواة جزءا من هذا العصر، ثم دعا إلي مساواة الأنثي بالذكر في «الميراث». والقبانجي «52 عاما» الذي يقدم نفسه في المحافل الدينية باعتباره «رجل دين علماني ليبرالي» يري أن العلمانية في نظر الإسلاميين هي أخطر من الشيوعية، لأن العلمانية تؤمن بحرية الأديان ويمكنها أن تعترف بالله والرسالة والقرآن، وسبب انتشارها أن العلماني لا يجد تناقضا بين إسلامه وعلمانيته، وقال، «إن كارل ماركس أقرب إلي الله من ابن سينا، لأن الأخير كان وزيرا وقريبا من الحاكم، ولم يمنع الظلم خلافا لماركس الذي كان يسعي إلي إسعاد الفقراء عبر أفكاره». ويرفض القبانجي فكرة الدولة الدينية فالدولة الإسلامية بدأت دينية لأن المعارك في زمن النبي كانت لنشر الدين، ولكن الدين في الوقت الحالي يمكن أن ينشر بدون حروب، فالإسلام يمكن أن يفهم بمقاييس العصر. وإن الذين يعتبرون الإسلام دينا ودولة يقومون ب «تحريف خطير» وإنه بحث في كل الروايات التي يستدل بها الشيعة، ووجد أنها كلها لاتدل علي منصب الخلافة. ويشدد القبانجي علي أن الدولة يجب أن تكون مدنية، وأن أي تحويل لها إلي حكم ديني هو تحريف لمفهومها. فما رأي الإخوان المسلمين في هذا الكلام، وهل لديهم علماء علي نفس المستوي العقلي والعلمي ليفندوه؟ - فضائح الويكيليكس ما تنشره الصحف هذه الأيام نقلا عن موقع إليكتروني يسمي «الويكيليكس» يدعم ما قلناه منذ فترة عن الساسة والسياسة، وكيف أن الزج بالدين في مستنقع السياسة يسيء إلي الدين وإن كان يفيد السياسة. فمنذ أن أعلن معاوية بن أبي سفيان الدولة الإسلامية، ملكا عضودا، وأورثها لأولاده وأحفاده وكل الساسة المسلمين يستغلون الدين لصالحهم وللتحكم في عباد الله. وعلي مدي التاريخ الإسلامي لم يصل رجل دين واحد إلي الحكم قبل الخوميني، بل كان علماء المسلمين عرضة للقهر والنبذ والعقاب الشديد علي أيدي الخلفاء، لم يستطع علماء الدين أن يسيطروا علي الحكام المسلمين كما حدث في أوروبا، وإنما عانوا منهم وخضعوا لنزواتهم وأهوائهم. فكيف يؤيد البعض منهم فكرة الدولة الدينية اليوم، وتعلن جماعة تتمسح بالدين أنها لن تتنازل عن تحقيق هذا الهدف؟.. هل قرأوا التاريخ ووعوا دروسه؟ هل تابعوا تسريبات الويكيليكس ومازالوا علي استعداد لارتكاب كل ذلك الكم من الكذب والنفاق والتلاعب الذي يستخدمه السياسي كي يحقق أغراضه وينول مراده؟ - وشهد شاهد لم أصدق عيني وأنا أقرأ في بريدي الإليكتروني هذا الخبر الذي تفضل بعض القراء بإرساله إلي باللغتين العربية والإنجليزية بعد نشره علي موقع «ياهو». ومفاد الخبر أن مسئولا كبيرا بالمملكة السعودية انتقد حظر الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة، وقال إنه لا يوجد في الإسلام ما يمنع المرأة من قيادة السيارة وإن المرأة ليس عليها تغطية وجهها، وأن هناك اختلافا في تفسير الآية القرآنية، الأمر الذي جعل بعض العلماء يفتون بوجوب تغطية كامل الجسم، في المقابل آخرون افتوا بجواز كشف الوجه والكفين إلي المرفقين، وهناك من قال بجواز كشف الشعر كذلك». المسئول السعودي الكبير قائل هذه الأفكار هو أحمد الغامدي الرئيس الحالي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لم يهمس بها في جلسة خاصة بل أعلنها في مؤتمر عام تحت عنوان «مشاركة المرأة في التنمية الوطنية» عقد الأسبوع الماضي بجدة، وبالطبع قوبلت تصريحاته بترحيب كبير من المشاركات في المؤتمر. ولابد أن نحيي هذا المسئول الشجاع علي تصريحاته المفاجئة خاصة في ظل العديد من المحرمات والتشريعات التي يفرضها المجتمع السعودي المحافظ علي المرأة في المملكة السعودية، فمحظور عليها في مجال العمل الاختلاط مع زملائها الرجال بدون وجود محرم، وغير مسموح لها بقيادة السيارة، ولا بالسفر بدون موافقة ولي الأمر. وهل يمكن للغامدي أن يعود للتصريح بآرائه دون أن يحصل علي إشارة خضراء؟ فبسبب آرائه سبق وأقيل الغامدي من منصبه دون تفسير في أبريل الماضي، إلا أنه أعيد إليه بعد ذلك، فهل يعني هذا أن المملكة السعودية بصدد انقلاب كبير فيما يخص وضع المرأة، وأن التشدد الزائد عن الحد وغير المبرر بأية نصوص دينية واضحة سوف يخف تدريجيا وتعيش النساء حياة عصرية تتفق مع تطورات المجتمع البشري؟