التقرير الصادر عن الجهاز المركزى للمحاسبات بشأن حصول الجامعات المصرية على «صفر» على مستوى الشرق الأوسط، أثار عاصفة من الغضب فى الأوساط العلمية والثقافية.. ذلك أن المصريين كادوا يصابون ب «فوبيا» الاشتراك فى مسابقات وأنشطة دولية خوفا من تكرار سيناريو تنظيم كأس العالم والحصول على «صفر». كما أنه سبق وخرجت الجامعات المصرية من قائمة أفضل 500 جامعة على مستوى العالم.. لكن فى هذا التقرير الأخير المنسوب إلى الجهاز المركزى للمحاسبات كانت هناك صدمة إضافية مروعة وهى أن الأبحاث مقصورة على منطقة الشرق الأوسط، كذلك فوز 47 بحثا من إسرائيل مقابل «صفر» للجامعات المصرية.. الأمر الذى ألقى بظلال كئيبة وحزينة على من قرأ وتابع. المفاجأة التى تفجرها روزاليوسف فى هذا التحقيق استنادا إلى رؤساء جامعات ومسئولين عن البحث العلمى ورئيس لجنة التعليم بمجلس الشورى هى أن التقرير المنسوب إلى الجهاز المركزى للمحاسبات مجهول الأصل، أو لقيط، بحسب تعبير الأساتذة وأولى الشأن.. ذلك أن الجهاز ليس ضمن الجهات المنوط بها مراقبة وتقييم الأبحاث العلمية، فضلا عن أن الجهة المفترض أن الأبحاث المقدمة لها مجهولة أيضا، وأنه لا رؤساء الجامعات ولا رئيس لجنة التعليم بمجلس الشورى، ولا وزير البحث العلمى يدرون شيئا عن هذه المسابقة أو التقرير.. مفاجأة أخرى أكثر سخونة هى أن رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات لا يعرف كيف خرج التقرير ومن وراء تسريبه؟! كما أمر بإعداد تقرير عن كيفية خروج هذا التقرير منسوبا إلى الجهاز. الكل يعترف بوجود أزمة فى البحث العلمى.. لكن هذا الاعتراف لا يلغى الجهود الكبيرة التى تبذل من أجل النهوض به ولا تتجاهل الباحثين المميزين، كما أن نشر هذا التقرير بهذه العشوائية يهدف إلى نشر حالة من الإحباط وتعميق الإحساس باليأس من إمكانية أى تطور، فأزمة البحث تبدأ من الميزانية والتى تبلغ 2,0% من إجمالى الدخل القومى، وهى ضئيلة جدا. د. حسام كامل - رئيس جامعة القاهرة - يدافع عن البحث العلمى بقوله: إن ميزانية البحث العلمى بالجامعة زادت من أربعة ملايين جنيه مؤخرا إلى مائة وأحد عشر مليونا فى الأربع سنوات الأخيرة بجانب أن جامعة القاهرة هى أول جامعة مصرية ممثلة فى البحوث المتقدمة، والتى يشارك فيها - أى البحوث - علماء من خارج وداخل مصر.. كما تمت مضاعفة المكافآت التى تمنح لأى بحث ينشر فى المواقع والدوريات والمجلات البحثية المعروفة والمرموقة علميا، وهناك إدارة لترجمة البحوث من العربية إلى الإنجليزية فى جميع العلوم، خاصة العلوم الإنسانية. وجامعة القاهرة تدعم وترعى العلماء والباحثين تأكيدا لدورها فى دعم البحث العلمى داخل مصر وخارجها بالتنسيق مع جميع الجهات البحثية ووزارة البحث العلمى وأكاديمية البحث العلمى من أجل خدمة البحث وتطويره داخل الجامعة. د. ماجد الديب - رئيس جامعة عين شمس - يضيف: إن المسئول عن متابعة وتقدير البحث العلمى هو الجهات المسئولة عن البحث العلمى مثل أكاديمية البحث العلمى أو وزارة البحث العلمى، ولا أحد يعرف ما هو الدور الذى جعل الجهاز المركزى للمحاسبات يتناول هذا التقرير، ويعلنه ويعلق عليه ولا أحد يعرف الجهة الأصلية التى أصدرت هذا التقرير ومن المستفيد منه.. خاصة أن الأبحاث المصرية متميزة ومتزايدة فى شتى أنواع المعرفة ويتم رعايتها ماديا بصورة لائقة جدا.. فمثلا فى جامعة عين شمس، ميزانية الصرف على البحث العلمى تزيد عن 40 مليون جنيه تساهم فيها عدة جهات منها تنمية الموارد وصندوق العلوم والتكنولوجيا التى تدعم الجامعة بعشرة ملايين جنيه.. كما أن هناك اتفاقا مع الاتحاد الأوروبى بمبلغ ثلاثة ملايين جنيه لدعم الأبحاث، والجامعة لديها اتفاقيات دولية، ومذكرات تفاهم بمبلغ أربعة ملايين جنيه أخرى، وبالتالى فإن ما تردد عن «صفر» الأبحاث العلمية لا صحة له ولا منطق فيه. د. محمد يوسف - رئيس جامعة بنى سويف - قال إن ضعف المستوى العلمى فى المجال البحثى بالجامعات المصرية يعود إلى عدد الباحثين ومستواهم، ويختلف الأمر من جامعة لأخرى.. فهناك اختلاف بين جامعة القاهرة وعين شمس مثلا، وباقى الجامعات الإقليمية من حيث عدد أعضاء هيئة التدريس والميزانية التى ترصدها كل جامعة للبحث العلمى.. كذلك فى نوعية الأبحاث نفسها التى تتم من جامعة لأخرى، ولا يمكن قبول ما تردد عن حصول الجامعات المصرية على صفر، لأن هناك مائة بحث علمى على الأقل تقدم سنويا من الجامعات المصرية بالاشتراك مع جامعات أمريكية وأوروبية. كما أن هناك باحثين مصريين متميزين فى الجامعات المختلفة وفى مراكز البحوث. وأذكر أن جامعة بنى سويف لديها عالم فى الرياضة تدعوه جامعات أوروبا لحل مسائل رياضية وبحثية مستعصية يحلها، ويعود إلى الجامعة مرة أخرى . يضيف د. ماهر الدمياطى - رئيس جامعة الزقازيق: إن تطوير البحث العلمى فى الجامعات المصرية أمر ضرورى جدا، خاصة فى الأبحاث التطبيقية والعلمية.. كذلك الفصل بين الأبحاث العلمية الجادة والأبحاث التى تقدم من أجل الترقية والحصول على الدكتوراة لرئاسة القسم أو التقدم لوظائف أخرى جديدة وعلى الباحث أن يقدم بحثا مرتبطا باحتياجات المجتمع وتطويره فى المجالات البحثية والعلمية، ويجب أن يتوقف الضغط على البحث الجيد، وألا يلزمه بزمن معين وعدم ربطه بالترقية والمكافأة، وضرورة إعادة النظر فى تكوين اللجان العلمية المنوط بها تقييم الأبحاث. وانتقد د. فاروق إسماعيل - رئيس لجنة التعليم - بمجلس الشورى صدور مثل هذا التقرير من الجهاز المركزى للمحاسبات باعتباره ليس مسئولا عن تقييم البحث العلمى، وأن اللجنة طلبت من د. هانى هلال وزير البحث العلمى تفاصيل ما ذكر فى هذا التقرير إلا أن الوزير رد بأنه ليس لديه أية معلومات عن هذا التقرير وأن اللجنة كلفت مركز المعلومات بمجلس الشورى بالبحث عن صحة المعلومات التى جاءت فى التقرير. كما اعترف د. فاروق إسماعيل بضعف مستوى البحث العلمى فى مصر بسبب ضعف ميزانيته التى تقدر فى مصر ب 2,0% من الدخل القومى بينما ترصد إسرائيل من 5,2 إلى 4% من الدخل القومى، ولديها أبحاث أكبر من الأبحاث المصرية. وفى مصر لدينا 91 ألف باحث يحمل ماجيستير ودكتوراة وهى قوة ضاربة يمكن الاستفادة منها فى إحداث نهضة علمية قوية فى تفعيل البحث فى المجال العلمى والتطبيقى من خلال وجود صندوق تمويل البحوث والتكنولوجيا الذى تم تأسيسه منذ ثلاث سنوات وقاعدة علمية يرأسها رئيس الوزراء، ويضم كبار العلماء أمثال زويل ويعقوب والباز ومصطفى السيد وغيرهم ويرصد 500 مليون جنيه للإنفاق على المشروعات لتطوير البحث العلمى. د. ماجد الشربينى - رئيس أكاديمية البحث العلمى - اعتبر صدور مثل هذه التقارير هى محاولة للإحباط والقضاء على العنصر البشرى، مؤكدا أننا لم نتلق أى دعوة للمشاركة فى أى تصنيفات عالمية، ولم نتقدم بأى بحث، ولكن الاتفاقية التى وقعناها مع أكبر مؤسسة علمية أمريكية لتمويل ونشر الأبحاث المحلية فى دوريات دولية، الأمر الذى أقلق كثيرا من الدول.. وبالفعل بدأنا فى إنشاء 40 مجلة تنتج من 50 إلى 100 ورقة بحثية سنويا ونعمل حاليا على إنشاء 200 مجلة دولية حتى ننتهى من تحويل كل الأبحاث المنشورة محليا إلى أبحاث دولية. د. الشربينى أضاف: إن المعايير المتفق عليها دوليا لفوز الأبحاث هى نشرها فى مجلات عالمية، ونسبة استشهاد الباحثين بمثل هذا البحث حتى نتبين مدى جودة مثل هذا العمل.. ونحن فى مصر لدينا عدد غير قليل من الأبحاث المنشورة دوليا، ونسب استشهاد عالية حتى بالأبحاث المحلية، فننشر سنويا 7400 ورقة بحثية دوليا. وننشر من 15 إلى 20 ألف ورقة بحثية محليا.. هذه النسب لو تم تطبيق المعايير الدولية المتفق عليها سننافس بقوة على الصدارة، لكن أنا لا أعلم أى معايير يتم بناء عليها التقييم، وأين هى الأبحاث المصرية التى تقدمت ونحن لدينا شكوك كبيرة فى هذا التقرير لأن بناء على المعايير المعروفة نحن أفضل. د. أحمد الكمار - أستاذ الجيولوجيا بعلوم القاهرة - قال: إن القصور فى مستوى البحث العلمى يعود إلى مجانية التعليم وعدم تحديد أى تعليم يستحق المجانية، ويجب أن تخرج الجامعات من الدعم وينفق ميزانيتها على التعليم الأساسى، وأن يمنح نوعان من الأفراد الحق فى التعليم الجامعى الأول الفرد الذكى المتفوق الذى تتحمل الدولة الإنفاق عليه، والثانى من يكون لديه القدرة المادية، ويرغب فى التعليم، خاصة أن البحث العلمى مكلف، فمتوسط بعثة الدكتوراة للفرد حوالى نصف مليون دولار على الأقل. د. «فتحى الشحات» - أستاذ بكلية العلوم بجامعة عين شمس - أرجع بعض أوجه القصور فى البحث العلمى إلى إعارة الباحثين إلى الدول العربية، ذلك أن الباحث عندما ينوى عمل بحث يفكر فى الإعارة لأنه لا يجد من يصرف على البحث العلمى، وهو ما يؤدى إلى عدم استفادة مصر. وأضاف الشحات: إنه ليس من الضرورى وضع كادر للجميع، ولكن للمتميزين فقط، فلو افترضنا أن هناك 100 باحث فى جامعة عين شمس مثلا الجادون والمتميزون منهم 40 فقط يجب الاهتمام به ماديا وعلميا. الدكتور «محمد عبد الرحمن الهوارى» - أستاذ هندسة السكة الحديد جامعة القاهرة - أكد أن الأبحاث العلمية فى مصر لا تقل أهمية عن أى بحث فى العالم بدليل نشرها فى كبرى المجلات العلمية.. وأنه لا يمكن نشر بحث علمى فى مجلة عالمية دون تقييمه من كبار الباحثين والعلماء، وإذا لم يرتق إلى النشر لا يمكن الموافقة عليه، واعتبر أن من أسباب قصور البحث العلمى، عدد الأساتذة مقارنة بالطلاب، خاصة أن جامعاتنا تشتهر بتكدس طلابها وافتقار الإمكانيات. د. عاطف داود - الأستاذ المتفرغ والمشرف على الأبحاث بكلية الزراعة جامعة عين شمس - قال إن الميكروسكوب الذى كان يستخدمه فى الكلية سنة 1959 أى منذ 51 عاما مازال يستخدمه الطلاب الآن، وهو ما يؤدى إلى خروج طلاب وباحثين بعيدين وغير مؤهلين، فلم يكن لديهم العلم الكافى للوقوف على أرض صلبة تمكنهم من المنافسة فكل ما يحدث أن المعيد يسعى إلى الترقية إلى مدرس مساعد، فيقدم بحثا شكليا، الاسم رسالة وبحث علمى، ولكن المضمون لا شىء أو «فارغ» بمعنى أصح.