بعد موت د. محمد فتوح، صدر له العام الماضى 2009 كتابه الأول بعد الرحيل وكان اسمه «استلاب الحرية باسم الدين والأخلاق» ومرفق معه هدية اسطوانة مدمجة عليها 8 أغنيات بصوته ومن ألحانه. وها هى سنة 2010 تشهد ميلاد كتابه الثانى «بعد الرحيل». بالطبع قبل الغياب، صدرت له مؤلفات نذكر منها «الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الدينى».. «أمركة العالم... أسلمة العالم.. من الضحية».. «الدولة المدنية هى الحل».. «تقدم المرأة هو مفتاح نهضة الشعوب» ... «تأثير الفن خاصة الغناء، والموسيقى، فى تقدم المجتمعات»... وغيرها. إذن يستطيع بل يحق للكاتب والفنان د. محمد فتوح أن ينتمى إلى تلك الفئة القليلة من البشر، التى لا يتوقف عطاؤها الإنسانى المبدع، المستنير، مع توقف دقات القلب وانعدام الوظائف الحيوية للجسد. فى كتابه الجديد «الآثار النفسية للضغوط البيئية وعلاقتها بميكانيزمات التكيف»، يوضح لنا العلاقة العضوية الحميمة بين الفرد من ناحية، والبيئة وضغوطها من ناحية أخرى. ويوضح الكتاب أن الضوضاء العالية المستمرة وغيرها من التلوثات البيئية، الضغوط، تؤثر فى قشرة المخ، وتقلل النشاط، وتسبب إثارة التوتر، والقلق، والصداع، وانخفاض التركيز.. وازدياد الارتباك، والأرق، وتقلل من فعالية الجهاز المناعى، وبالتالى تضعف من قدرة الإنسان على مواجهة الأمراض. وهناك حالات من الوفاة رصدت عالمياً لأشخاص تم تعرضهم لضوضاء عالية ولمدة طويلة نسبياً. كما أن استمرار الضغوط البيئية على اختلافها تؤدى إلى جو مشحون بالعنف والعدوانية، والدوار، والإرهاق العصبى.. والإجهاض عند الحوامل.. والتسبب فى مشاعر عدم الأمان.. والكراهية.. والإحباط.. والتأثير السلبى على أداء وظيفة الإبصار.. وزيادة الإحساس بالكآبة.. والاكتئاب.. ونقص الإقبال على الحياة، والتفاعل معها.. والرغبة فى الانعزال.. ارتعاشات عصبية.. العرق.. فقدان الشهية.. تقلصات عضلية .. سوء هضم .. نوبات من البكاء أو الإغماء.. التعب دون سبب.. بطء رد الفعل.. العجز الجنسى.. البرود الجنسى.. العجز عن الجلوس فى صمت.. إن التكيف يمكن أن يفهم كآلية أو رد فعل سلوكى من الإنسان يهدف إلى صيغة تناسبه للبقاء والاستمرار مع تجنب الأخطار أو الضغوط، أو المنغصات البيئية وفى الوقت نفسه يشبع احتياجاته ويخفض توتره الداخلى ويؤدى إلى توازن واستقرار الإنسان مع العالم الخارجى، أو البيئة المحيطة. هكذا يلخص د. محمد فتوح جوهر عملية التكيف.. ويقول: «إنها عملية ديناميكية مستمرة توضح تفاعل الكائن الحى مع بيئته» ويتكلم المؤلف عما أسماه «معوقات التكيف» التى تتحدد بشكل كبير من الغالبية، من ثقافة المجتمع، ومدى تخلفه، أو تقدمه الحضارى.. ودرجة تقبله لمبادرات الفرد.. وحدود الإنسان الحركية.. والصراع بين لقمة العيش المهددة بأخذ فعل إيجابى مبدع.. ومدى تزمت المجتمع بسبب الموروثات الدينية.. عدم إدراك الفرد لقدراته . فى الفصل قبل الأخير، يطوف بنا، د. محمد، حول النظريات، العلمية، المهمة، التى اجتهدت، لتفسير الضغوط البيئية . ويختار د. محمد فتوح، الفصل الأخير، ليكون رؤيته الشخصية، المبدعة، تجاه قضايا البيئة بشكل عام . وهى حقا رؤية مبدعة، توضح خطأ، النظرة الشائعة التى تصف قضايا البيئة، بأنها رفاهية، وجزئية، وهامشية، ومنفصلة نوعا ما عن قضايا السياسة والاقتصاد، والاجتماع، والتخطيط العمرانى . إن مجرد قراءة هذا الكتاب، يعد من ميكانيزمات التكيف، مع جميع أنواع الضغوط البيئية .. لأن الفهم، قوة .. وقراءة عمل جرىء مبدع، قوة .. وسواء، كان «التكيف»، أو «المواجهة»، سلوكنا، فنحن نحتاج هذه القوة . والأهم من كل شىء، أن الكاتب والفنان، د. محمد فتوح، يصر على الوجود، وعلى الكتابة فى موضوعات كانت تهمه، وتؤرقه، حتى بعد الرحيل . لهذا السبب، أقول إنه كتاب، يستمد جماله، وأهميته، ليس فقط، بالتزامه العلمى، والاستعانة بمراجع عربية، وأجنبية تمنحه المصداقية .. وتشير إلى جهده الكبير، فى طرح، موضوع المستقبل .. ولكن يستمد هذا الكتاب، مكانته المهمة، الرفعية، لأنه أولا، وأخيرا، كتاب يعبر عن إصرار د. محمد فتوح، على هزيمة الموت . وقد نما إلى علمى، أن هناك كتابا آخر، من مؤلفات د. محمد فتوح، سيكون متوافراً فى الأسواق، فى يناير 2011 وعنوانه : «التلوث البصرى وعلاقته بالتذوق الجمالى فى مرحلة الطفولة المتأخرة «من 9 سنوات إلى 12 سنة» ونحن فى انتظاره من بستان قصائدى على استحياء دخلت المزاد اشتريت قلبا معتقا من عصر شهرزاد وفستانا مكرمشا ب لون السواد فجأة تذكرت أن «الميت» يرفض التكيف مع زيارات اللون الأسود لا يستقبل فطائر المقابر لا يقبل البكاء لا يرضيه العزاء ويكره وقفات الحداد