الكثيرون يدعون أنهم أصحاب قوة وفكر وحضارة، لكن سرعان ما يكشفون عن حقيقتهم بأنفسهم - للأسف - فهم عندما يوضعون في أبسط امتحان يتعرضون للفشل.. والغريب في الأمر أنهم يدركون أن مواجهتهم لهذا الامتحان هي فعلا ضعيفة وغير صحيحة، بل تلقائية، لا لشيء إلا لكونهم يعيشون في وهم سيطر علي عقولهم اسمه: عزة النفس، وتناسي هؤلاء أنه لا عزة لنا كلنا نحن البشر إلا بالحق الذي أنزله المولي تعالي والخلاصة أن الزبد يذهب جفاء.. فليتنا نتوقف عن أن نسخر بعقولنا التي هي أعظم نعمة خلقها الله فينا ونحاول إزالة الدرن والشوائب من قلوبنا وأفكارنا، حتي نستطيع أن نشعر حقيقة بنعمة التآخي ونعمة السلام ونعمة الحب ونعمة الصداقة ونعم أخري لا تعد ولا تحصي.. وليتنا نستفيق ونتوقف عن تصديق مشاعر مزيفة بداخلنا قد تتزين لنا في كثير من الحالات والمواقف علي أنها مشاعر صادقة، ولكن هي للأسف أوهام وترهات فكرية لا غير تؤدي بنا في النهاية إلي الندم. إن منع مصر من المشاركة في المعرض الدولي للكتاب الذي سيقام خلال الفترة المقبلة في الجزائر لهو دليل واضح علي أننا أمة لم تعِ دورها بعد، وهو بمثابة ضربة قاسية للقيم الديمقراطية والثقافية والعالمية.. وذلك ما عبر عنه فعلا الدكتور عثمان سعدي رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية في بيان أصدره عقب القرار الذي تقدم به محافظ المعرض بمنع مصر من المشاركة في معرض الكتاب لسنة 2010 فقد انتقد رئيس الجمعية موقف الوزارة وصمتها علي المسئول الأول عن المعرض باعتبارها - أي الوزارة - هي المسئول المباشر عنه، فذلك يعتبر سلوكا فرديا نشأ عنه قرار منفرد باسم البلاد. ونحن نؤيد قرار الدكتور عثمان سعدي والكثير من الجهات التي استغربت قرار المنع، والسؤال هو: بأي حق تمنع دولة عربية مثل مصر من المشاركة في المعرض الدولي للكتاب الذي سينظم قريبا في الجزائر؟ وأي منطق فكري يقول بمنع المعرفة التي هي للجميع والقراءة التي هي للجميع أيضا؟ سأحاول من خلال مدخلي هذا أن أؤكد علي تأييدنا الكامل لقرار رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية بتوقيف مثل تلك القرارات التي لا تهدف لشيء سوي أنها تزيد الطين بلة. مادامت الشروط القانونية والأخلاقية متوافرة فلماذا يقع المنع؟ وبأي حق يصدر قرار فردي بمنع الناشرين المصريين من المشاركة في معرض الكتاب الدولي بالجزائر، وكلنا يعرف مصر ومكانتها وأهميتها وكلنا يعرف أهمية المثقف والمفكر والعالم المصري ليس في العالم العربي فحسب، لكن في العالم كله.. إن مثل هذا القرار لا يخدم الوحدة العربية ولا الوطن العربي، وإنما هو سلوك نابع من غيظ أفراد لا غير.. أيعقل أن نمنع كتابا مكتوبا باللغة العربية من العرض في بلد عربي؟ فيكفي مصر أنها بلد تعتز بلغة الضاد التي كثيرا ما تغنت بها الجزائر.. واعتزاز مصر باللغة العربية كفيل بأن يمحو كل غيظ ويمسح كل حقد ويبعد كل طيش.. ثم يكفي مصر أنها بلد الكنانة.. بلد النيل.. بلد الحضارة.. بلد الثقافة والفكر.. وبلد مفتوح علي كل البلدان.. فكيف لا نعتز بها ونفخر؟! لو لم أعرف مصر عن قرب ولفترة كافية جعلتني أميز بين الغض والسمين فيها، لما كتبت هذا الكلام وتعرضت إلي هذا الموضوع.. إذ لابد من توقيف الخلافات والاختلافات السلبية التي لا تبني بقدر ما تهدم وتحطم كل ما هو من القيم.. فما يربط بين البلدين مصر والجزائر أكبر من مجرد ظروف وحساسيات لا تنفع البلدين في كل الأحوال.. وما يربط الشعبين أكبر من مجرد اختلاف في الطباع أو اللهجة فتلك سنة الله في خلقه.. وإن ما يربط بين البلدين والشعبين هو حرف الضاد وهو الماضي العريق المليء بالبطولات لكلا البلدين.. وهذا ليس مجرد كلام معسول، وإنما حقيقة سنحاسب عليها. نعم، علينا أن نعي دورنا جيدا كمثقفين ومفكرين ومواطنين مخلصين وأحرار.. فليس هناك أي دولة تستطيع أن تتنكر لتاريخها أو لتاريخ دولة أخري، ولأن التاريخ هو الماضي ولا أحد يستطيع أن يعيش بدون ماض أو أن يمحوه.. وللحديث بقية. كاتبة وباحثة جزائرية Amina2003alg@yahooofr