انشغل الرأى العام بأمر مسلسل «الجماعة» لصاحبه الكاتب المبدع وحيد حامد، هو ليس فى حاجة إلى تعريف أكثر من أنه خيال بارع يملك ناصية فرسه، وحين يركب الفكرة تصبح طوع سن قلمه يملك أدواته باقتدار لا تفلت منه أبدا إلا لتتسلل إلى عقل المشاهد لهذا النوع من الدراما الذى اكتسب شعبية كبيرة. جماعة وحيد حامد شغلت الرأى العام لسببين وليس لسبب واحد كما ذهب إلى ذلك معظم النقاد، فموضوع المسلسل وهو سيرة الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين سابقا والمحظورة حاليا موضوع مهم من الناحية السياسية نظرا للجدل الدائر حول مستقبل الجماعة فى صورتها الحالية فى المجتمع السياسى المصرى، ولكنه فى النهاية موضوع من موضوعات الصفوة أو النخبة التى تنفرد إلى حد ما بالاهتمام بموضوعات النظام السياسى وشئون الحكم. قد يختلف معى البعض فى هذا الطرح، لكننى أعتقد أن عامة الناس يوجهون اهتمامهم فى المرحلة الحالية كما كان الحال منذ بداية نظام يوليو فى مصر إلى إدارة شئون حياتهم اليومية أكثر من الاهتمام بشئون الحكم التى يتعامل معها الرأى العام عادة كمتابع للأحداث وليس كمشارك فيها. اهتمام الرأى العام بمسلسل «الجماعة» يرجع بالدرجة الأولى إلى قيمته الفنية أولا، وثانيا إلى الموضوع الذى يتناوله، وقد لاحظنا أن أعمالا فنية أخرى منذ سنوات جذبت الرأى العام لقيمتها الفنية وليس للموضوع المثير سياسيا الذى تتناوله مثل معظم أعمال الراحل أسامة أنور عكاشة على سبيل المثال لا الحصر. جماعة وحيد حامد من هذا النوع من الأعمال التى توافرت لها الجودة العالية فى الكتابة المبدعة، والإنتاج الموفق فى اختيار العناصر المناسبة لزمان المسلسل ومكان وقوع أحداثه، والإخراج المتميز الذى تجنب الوقوع فى التطويل الممل أو حشو مشاهد ليس لها لزوم، ثم يأتى بعد ذلك أداء الممثلين الذين أدوا الأدوار ببراعة على مقاس الشخصيات بالضبط لا أكثر ولا أقل. إذن المسلسل كعمل فنى حاز قبول الجمهور بداية للإتقان فى صناعته من كل الجوانب وخاصة الكتابة الراقية فى اللغة والأسلوب ووضع الكلام المناسب على لسان الشخصيات المختلفة فى العمل الفنى، ذلك تفسير إعجاب الناس بالعمل الفنى من وجهة نظرى وإن كان المشاهد لايعرف بالضرورة سبب انجذابه واهتمامه بالعمل الفنى على وجه التحديد، ولكن يشعر بالسرور لمشاهدته ويحرص على متابعته، فيما بعد يأتى دور الحركة النقدية لتفسر للناس لماذا أعجبهم عمل ما وشد انتباههم. نأتى إلى الجزء الآخر من الموضوع الذى تعرض بسببه المؤلف لانتقادات سواء من أعضاء جماعة الإخوان المحظورة قانونيا، والمتواجدة فى واقعنا السياسى بناء على سياسة معينة ينتهجها نظام الحكم القائم، أو خصوم تلك الجماعة الذين يسعون إلى شطبها من الواقع السياسى المصرى. من بين ما قيل منسوبا إلى د.أحمد رائف مؤرخ جماعة الإخوان المسلمين أن مسلسل «الجماعة» يعد أكبر دعاية تاريخية للجماعة فى تاريخها خاصة فى ظل الظروف السياسية التى تمر بها الآن، ولو أنتج الإخوان أنفسهم عملا فنيا عن مرشد الجماعة فلن ينجحوا مثلما نجح هذا العمل. حول هذا الرأى أستطيع القول إن هناك فرقا بين الدعاية وبين التعريف، فالدعاية تنطوى على تعريف مثير للتعاطف ويجذب المشاهد إلى الاقتناع بالفكرة التى تعرض عليه، وما أعتقده أن التعريف قد حدث بصورة مكثفة لا شك فى ذلك، وهذا التعريف يصب فى مصلحة المشاهد وليس فى مصلحة الجماعة الفعلية القائمة فى الواقع السياسى، ولا فى مصلحة الجماعة التى ابتدعها الكاتب وحيد حامد. التعريف الذى حدث كان ضروريا من وجهة نظرى، حيث إن بلادنا مقبلة على مرحلة يتعين فيها تجديد أسلوب العمل السياسى وتنظيم العلاقات بين القوى السياسية المتنوعة على الساحة ومن بينها الوضع الغريب الذى تسمح فيه الدولة كنظام سياسى لجماعة الإخوان المحظورة بممارسة نشاطها فى المجتمع مع الإصرار على تذكيرها باستمرار وبطرق مختلفة أنها محظورة. إن معظم الجيل الحالى لا يعرف شيئا عن تاريخ جماعة الإخوان، ويرى قمة جبل الثلج فقط فى المساجلات الإعلامية بين من يريدون للجماعة دورا ومن لا يريدون، ويسمعون عن المرشد العام الشيخ حسن البنا بين الحين والآخر بوصف الإمام الشهيد ولا يعرفون أى إمام هو و لمن، وأى شهيد هو، وشهيد ماذا؟ هذا الجيل الذى لايعرف سوى القشور، تابع المسلسل وما أثير حوله من أقاويل متعارضة ومتناقضة، ربما تفتح شهيته للبحث عن الحقيقة التاريخية ومدى مطابقتها أو اختلافها عن الحقيقة الدرامية التى طرحها وحيد حامد فى العمل الفنى. العمل الفنى يبقى فى نهاية الأمر عملا فنيا وليس تأريخا للأحداث فهو عرض للأفكار والأحداث مهضومة فى عقل الكاتب المبدع، وعلى حد علمى لم يقل وحيد حامد أنه مؤرخ وإنما قال أنه يعكس رؤيته للأحداث وكيف فهمها، وكان حريصا على وضع قائمة بالمراجع والمصادر لتوثيق وجهة نظره وأنها ليست محض خيال. أما ما أغضب الجماعة الواقعية حقا، فهو من وجهة نظرى شىء محدد، وهو نفى القداسة عن الشيخ حسن البنا وإبراز مسئوليته عن الأحداث التى وقعت من قبل وأدت إلى حظر نشاط الجماعة، مرشد جماعة وحيد حامد إنسان عادى يأكل ويشرب ويمشى فى الأسواق ومسئول عن خطايا التنظيم السرى الذى جلب الحظر على الجماعة ولا يزال شبحه يطاردها إلى الآن، أما صورة مرشد الجماعة لديها والتى تروج لها، فهى صورة الإمام المعصوم البرىء من دم كل ضحايا الاغتيالات التى نفذها التنظيم السرى للإخوان.. هناك فرق