تقييم أميركي يكشف مفاجأة بشأن مصير يورانيوم إيران المخصب    إيران تحتج على مشاركة مندوب الاحتلال بجلسة مجلس الأمن وتشكر الإخوة في قطر على وقف الحرب    النواب الأمريكي: الأعضاء سيتلقون إحاطة سرية بشأن الوضع في إيران الجمعة المقبلة    واشنطن تفتح سفارتها في القدس اليوم مع انتهاء الحرب بين إسرائيل وإيران    كأس العالم للأندية.. تشيلسي يتقدم على الترجي بشق الأنفس في الشوط الأول    حملات مسائية وفجرية على المخابز البلدية والمنافذ التموينية بالإسكندرية    حسام بدراوي يكشف أسرار انهيار نظام مبارك: الانتخابات كانت تُزور.. والمستفيدون يتربحون    أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن بداية تعاملات الأربعاء 25 يونيو 2025    الدولار ب50 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 25-5-2025    بلينكن: الضربات الأمريكية لم تدمر البرنامج النووي الإيراني ولم تعطل منشأة فوردو    ارتفاع طن السلفات 1538 جنيها، أسعار الأسمدة اليوم في الأسواق    منتخب الشباب يخسر أمام ألمانيا ويتأهلان لربع نهائي كأس العالم لليد    نيمار: جددت مع سانتوس لأنه جذوري وتاريخي وليس فريقي فقط    ليون يستأنف ضد قرار الهبوط للدرجة الثانية    زيادة طفيفة في مخزون سد النهضة.. «شراقي» يكشف آخر موعد للفتح الإجباري    أبو زيد أحمد الخامس على الشهادة الإعدادية بالقليوبية: فرحتى لا توصف    طقس اليوم الأربعاء.. تحذير من ارتفاع الحرارة والرطوبة    مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة: إيران حاولت صنع قنبلة نووية ومن السابق لأوانه تأكيد تدمير مواقعها النووية    السيطرة على حريق سيارة نقل محمّلة بالتبن بالفيوم دون إصابات    "كانوا راجعين من درس القرآن".. أب يتخلص من طفليه بسلاح أبيض في المنوفية    تعرف على شخصية دينا ماهر بفيلم "السادة الأفاضل"    بعد عام من الغياب.. ماذا قالت رضوى الشربيني في أول ظهور على dmc؟ (فيديو)    باسم سمرة يواصل تصوير دوره في مسلسل "زمالك بولاق"    أمين الفتوى يحذر من إهمال الزوجة عاطفياً: النبي كان نموذجًا في التعبير عن الحب تجاه زوجاته    الأزهر يتضامن مع قطر ويطالب باحترام استقلال الدول وسيادتها    خالد الجندي: النبي عبّر عن حب الوطن في لحظات الهجرة.. وكان يحب مكة    طريقة عمل الزلابية الهشة في البيت أوفر وألذ    جدول ترتيب مجموعة الترجي في كأس العالم للأندية قبل مباريات اليوم    مطران نيويورك يوجّه رسالة رعائية مؤثرة بعد مجزرة كنيسة مار إلياس – الدويلعة    عصام سالم: الأهلي صرف فلوس كتير وودع المونديال مبكرًا    مُعلم يصنع التاريخ.. جراى نجم أوكلاند الأفضل فى مواجهة بوكا جونيورز    إعلام فلسطيني: قصف مدفعي عنيف يستهدف جباليا البلد شمال قطاع غزة    عاجل.. بيراميدز يفاوض لاعب الأهلي وهذا رده    أجمل رسائل تهنئة رأس السنة الهجرية 1447.. ارسلها الآن للأهل والأصدقاء ولزملاء العمل    مهيب عبد الهادي ل محمد شريف: «انت خلصت كل حاجة مع الزمالك».. ورد مفاجئ من اللاعب    مهمّة للنساء والمراهقين.. 6 أطعمة يومية غنية بالحديد    أبرزها اللب الأبيض.. 4 مصادر ل «البروتين» أوفر وأكثر جودة من الفراخ    بؤر تفجير في قلب العالم العربي ..قصف إيران للقواعد الأميركية يفضح هشاشة السيادة لدول الخليج    كان بيعوم.. مصرع طالب ثانوي غرقا بنهر النيل في حلوان    حسام بدراوي: أرفع القبعة لوزير المالية على شجاعته.. المنظومة تعاني من بيروقراطية مرعبة    اقتراب الأسهم الأمريكية من أعلى مستوياتها وتراجع أسعار النفط    طارق سليمان: الأهلي عانى من نرجسية بعض اللاعبين بالمونديال    لا تدع الشكوك تضعف موقفك.. برج العقرب اليوم 25 يونيو    حفل غنائي ناجح للنجم تامر عاشور فى مهرجان موازين بالمغرب    التسرع سيأتي بنتائج عكسية.. برج الجدي اليوم 25 يونيو    معطيات جديدة تحتاج التحليل.. حظ برج القوس اليوم 25 يونيو    زوج ضحية حادث الدهس بحديقة التجمع عبر تليفزيون اليوم السابع: بنتي مش بتتكلم من الخضة وعايز حق عيالي    الشاعر: 1410 منشأة سياحية غير مرخصة.. ولجنة مشتركة لمواجهة الكيانات غير الشرعية    من قلب الصين إلى صمت الأديرة.. أرملة وأم لراهبات وكاهن تعلن نذورها الرهبانية الدائمة    ندوة تثقيفية لقوات الدفاع الشعبي في الكاتدرائية بحضور البابا تواضروس (صور)    غدا.. إجازة رسمية بمناسبة رأس السنة الهجرية للقطاع العام والخاص والبنوك بعد قرار رئيس الوزراء    محافظ الفيوم يشهد الاحتفال بالعام الهجري الجديد بمسجد ناصر الكبير.. صور    سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025    ميل عقار من 9 طوابق في المنتزة بالإسكندرية.. وتحرك عاجل من الحي    غفوة النهار الطويلة قد تؤدي إلى الوفاة.. إليك التوقيت والمدة المثاليين للقيلولة    وزير الصحة: ننتج 91% من أدويتنا محليًا.. ونتصدر صناعة الأدوية فى أفريقيا    رسالة أم لابنها فى الحرب    «يعقوب» و«أبوالسعد» و«المراغي» يقتنصون مقاعد الأوراق المالية بانتخابات البورصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وحيد حامد .. المرشد العام للتنوير الدرامي
نشر في القاهرة يوم 31 - 08 - 2010

لم يكن يتصور هذا الفيلسوف وعالم الرياضيات الفرنسي رينيه ديكارت والذي عاش في القرن 17 أنه سيحمل سيناريو مسلسل تليفزيوني مطبوع بحروف إليكترونية علي ماكينة عجيبة تسمي "الكمبيوتر"، ويذهب به إلي شركة أعجب تنتج خيالات ضوئية لها لون وصوت تصدر من صندوق مدهش يسمي "التليفزيون".
لم يكن يتصور فيلسوف العقل الكبير الذي أعلي من قيمة العقل علي الحواس أن في بلاد العرب موسمًا للمسلسلات التليفزيونية يسمي الموسم الرمضاني يعرض فيه فنانو العرب منتجات عجيبة؛ فيها متقن الصنع والمعيوب وما أصبح فاسدًا وغير صالح للعرض الآدمي، لم يكن يتصور من وضع الشك المنهجي وسيلة وحيدة للمعرفة وسابقا علي وجود الذات العارفة "أنا أشك إذن أنا موجود" أن منهجه الذي صاغه في عصور النهضة الأوروبية سيكون منهجًا لمسلسل له قدرة علي التفكير اسمه "الجماعة"، صاغه فنان مثقف مصري ولد أواخر النصف الأول من القرن العشرين يحمل عقلا وقلبًا وقلمًا من خيال وقلق عرفه العرب باسم "وحيد حامد"، وعرفته الدراما كأحد فرسانها الذين ملكوا الشجاعة والحكمة معًا.
فرسان النهضة والتنوير
مهد ديكارت الفيلسوف الفرنسي وزامنه فرانسيس بيكون المفكر الإنجليزي لعصر التنوير، وكان من نصيب بلاد العرب سلسلة من المفكرين حاولوا بانتاجهم أن يكونوا فرسانا للنهضة والتنوير في مطلع القرن العشرين أمثال محمد عبده وطه حسين ولطفي السيد والشيخ علي عبدالرازق ثم زكي نجيب محمود وجمال حمدان ولويس عوض في ستينات القرن العشرين، ولكن بقت الفنون من موسيقي وغناء ومسرح وسينما وتليفزيون بعيدة عن حمل لواء النهضة والتنوير إلا في محاولات قليلة وعلي فترات مرتبطة بظروف سياسية معينة سواء قبل ثورة يوليو أو بعدها، ولكن وفي هذا الزمان بعد عشر سنوات من بداية القرن الواحد والعشرين حيث يختلط الحابل بالنابل .. السياسة بالدجل .. الحرية بالفوضي .. الدين بالمصلحة .. السلطة بشركات الاستثمار؛ يصبح الأمر عسيرًا صعبًا أن يخرج من رحم التخلف والجهل والانتهازية والفساد هذا المسلسل النبيل المقاتل، المسلسل الذي يتجاوز كونه مسلسلا تليفزيونيا ليصبح كتابا يحمل بين دفتيه عمق الفكر وقدرة المنهج علي التدقيق والفحص والكشف والتحرير.
أنا لست ناقدًا محترفا لأكتب عن صنعة الكتابة وصنعة الإخراج وإن كنت أحيي الكاتب الكبير وحيد حامد والمخرج الاكتشاف محمد ياسين، وكنت أتمني أن أكون ناقدًا لأكتب كتابًا لا مقالا عن كاتب ومخرج مسلسل "الجماعة"، ولكني أري المسلسل بعين المهموم بقضايا الفكر والفن والسياسة.
لقد وصلت رسالة الكاتب حين أراد في كل مشهد أن يقول إن جماعة "الإخوان المسلمون" هم جماعة من المسلمين وليسوا جماعة الإسلام، إنهم سياسيون طامحون لامتلاك مقادير الأمور في البلاد، وليسوا جماعة يدعون إلي الصالحات من الأعمال، وينهون حسب مقتضي الحال عن الفاسد من السلوك والأحوال وإن وصلت هذه الرسالة إلي كل مواطن مسلم يتحدث بالعربية ويعتقد في الدين الإسلامي، فهذا يكفي لهذا المسلسل المفكر والمفجِِِِِر لكل طاقات الإلهام والتفكير.
بخيوط حريرية نسج وحيد حامد شبكة متينة تسمح بمرور الضوء وتصطاد الظلام، في رقة وعمق نسج مشاهد المسلسل في عدالة وحيادية، كان جراحًا ماهرًا يعمل آلاته الدقيقة في جراحة صعبة في الأوعية الدموية للعقل، ينتزع الفاسد من الأفكار السائدة التي تراكم عليها تراب الدهور، ويرتق جدار الشرايين الصالحة النازفة تحت ضغط التردي الثقافي والحضاري.
مناقشة أقوال وأفعال المرشد
قال ببساطة يحسده عليها كل مثقف وفنان إن شبكة "الإخوان المسلمون" التي ركبها بمهارة وعبقرية المؤسس والمرشد العام الأول للجماعة حسن البنا هي التي فجرت كل تيارات الإسلام السياسي الصالحة والطالحة التي تحمل القلم والتي تحمل السكين والكلاشينكوف، لقد صاغ الرجل الفذ حسن البنا كل شئ نراه الآن والذي نتوقع أن نراه في المستقبل، صاغ التشكيلات الفكرية والقتالية، صنع الخلايا والأنسجة والأعضاء حتي وصل للأجهزة، اهتم بالدعاية في زمن مبكر واهتم بالمناورات في زمن كانت الأحزاب والإنجليز والسرايا تناور، ولكنه كان الأكفأ والأقدر، حتي أنه وصل إلي أن أعضاء شعب جماعة "الإخوان المسلمون" وصل إلي نصف مليون عضو عام 1947 كما أشارت بعض الدراسات، إضافة إلي قوتها السياسية والاجتماعية.
ناقش المسلسل شخص المرشد الأول وأفعاله بموضوعية وبمنهج شديد الدقة، لم يتحيز معه ولم يتحيز ضده رغم حساسية تناول شخصية خلافية مثل الشيخ حسن البنا، فأحببنا المرشد في بعض مشاهد المسلسل وتأملنا واختلفنا مع أفعاله في البعض الآخر، وتناقشنا ونحن نشاهد المسلسل، تحركت عقولنا وأخرج البعض منا كتبه المنسية وسط سيادة الفوضي واليأس، لقد حدث الحراك يا أستاذ وحيد، اختلفنا وانفعلنا وأسرعنا إلي التفتيش في مكتباتنا وعقولنا عن وثيقة هنا أو هناك، والذي صنع هذا كله هو عملك العظيم كتابة وإخراجا.
مرشد التنوير الدرامي
أدعو من خلال هذه السطور القليلة أن تصبح أنت مرشدًا للتنوير، وعلي ضوء اسم مسلسلك تتكون جماعة "إخوان التنوير"، ونأخذ العهد عليك كما فعل أعضاء الجماعة مع مرشدهم، فالتنوير ليس له أنصار أو مؤيدون أو دراويش، أفكار التنوير تحتاج لإعمال العقل وليست سهلة كالعاطفة الدينية والأقوال سابقة التجهيز التي تدني من قيمة العقل وترفع من قيمة الانفعال والعواطف، إن رواية دينية مهما بلغت من ضعف السند وضعف المتن هي أبعد أثرًا من قيمة الحرية السياسية وحرية الرأي أكثر قدرة علي التأثير من محاولة إقناع الناس بالمطالبة بحقوقهم السياسية والمدنية، وأن عبارة مسجوعة لها قافية قد تكون مثلا شعبيا أو مقولة سائدة مهما بلغت من سخف وغباء عند عرضها علي العقل هي أكثر قوة من عبارة علمية أو مقولة صحيحة تتحري العقل والمنطق.
إن هذا المسلسل المفاجأة هو بمثابة الحجر الذي ألقي بقوة في المياه الراكدة فأحدث اضطرابا في الماء قد يُخرج الطحالب والأعشاب، لكنه قد يخرج اللؤلؤ والمرجان، تمامًا كما استطاع المفكر فرانسيس بيكون أن يقدم للعقل الإنساني أوهامه التي تؤثر عليه بالسلب والإيجاب، نعم ذكرني عمل وحيد حامد بأوهام بيكون الأربعة
-أوهام القبيلة : وهي الأوهام التي تعتري الفكر نتيجة لكون الإنسان كائنا عاجزًا وقلقا ومحتوم النهاية.
-أوهام الكهف : وهي الأوهام التي تعتري الفكر نتيجة للبيئة المحيطة به فيفترض عليه نمطًا من التفكير والسلوك.
-أوهام المسرح : وهي الأوهام التي تؤثر في الفكر نتيجة تقديس أشخاص ما أو مذاهب ما.
- أوهام السوق : وهي الأوهام التي تنتج عن رواج ثقافة ما تحت الإلحاح الدعائي والانتشار والشهرة.
فشكرًا لمرشد التنوير الكاتب وحيد حامد وشكرًا للمخرج النابغة محمد ياسين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.