عندما ترفع البنوك لافتات أمام أبوابها تقول «عفوا المدير لايوافق علي منح القروض» أو تضع شركات المال الكبري تعليمات صارمة برفض الائتمان وتعاني الشركات الصغيرة والمتوسطة من رفض طلبها بزيادة رأس المال أو منحها رهنا بضمانات وفوائد معقولة كل ذلك يعد بالتأكيد مؤشراً سيئاً للغاية للنمو الاقتصادي. هذا ما يحدث في إنجلترا ربما أكثر من غيرها من دول العالم ،فقد اتخذت البنوك هناك إجراءات صارمة فيما يخص منح القروض للشركات المتوسطة والصغيرة والأفراد وهي الفئات الأكثر تضرراً من استمرار الأزمة الاقتصادية العالمية وهي من تكافح من أجل النمو والبقاء علي قيد الحياة. وتدافع البنوك مثل بنك باركليز وغيره عن إجراءاته تلك كونها لاتزال تضمد جراحها التي سببتها موجة الإقراض المحمومة التي كانت أحد الأسباب الرئيسية في الانهيار العظيم. فيما يعبر كثير من الناس عن استيائهم الشديد سواء في إنجلترا وباقي دول أوروبا وحتي في الولاياتالمتحدة من عدم وجود رد فعل سياسي حقيقي تجاه مشكلة القروض والائتمان بالرغم من قيام فينيس كيبل وزيرة العمل البريطانية علي سبيل المثال منذ عدة أيام بالتعبير عن غضبها تجاه قرارات البنوك واتهمتها بعدم التحرك من أجل المصلحة الوطنية. وكذلك فعل ميرفين كينج محافظ البنك المركزي الذي عبر في أحد اللقاءات التليفزيونية عن رؤية مفجعة لأحوال الشركات الإنجليزية بسبب نقص الائتمان . وقد اعترف الاتحاد البريطاني للشركات الصغيرة أن ما بين 300 إلي 400 فرد من أعضائها تنهار مشروعاتهم كل أسبوع. ستيفن ألامبريتيس رئيس جهاز الأمن الفيدرالي بانجلترا يقول إن قطع الائتمان يشكل تهديدا حقيقيا ضد الانتعاش الاقتصادي. ويعترف بأن الوضع يبدو أكثر سهولة في بلدان السبعة الكبار مثل فرنساوألمانيا وأن المؤشرات الاقتصادية تشهد تحسنا ولكن في إنجلترا حيث تقدم 4 بنوك ضخمة مهددة بالانهيار تقريبا 90% من قروض الشركات الصغيرة فإن الأمر مثير للمخاوف والقلق. يشير تقرير بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والذي يتم نشره دوريا كل ثلاثة أشهر إلي أن شروط الإقراض للشركات الصغيرة صارت أكثر صعوبة كما أنهم الأكثر تضرراً بالطبع من الإجراءات الجديدة مما أدي إلي تراجعها بين شهري أبريل ويوليو لأول مرة منذ الربع الثالث لعام 2006 . في ألمانيا وعلي العكس ارتفع الإقراض المصرفي للشركات والأسر بشكل كبير في أبريل بعد انخفاضه تسعة أشهر متتالية. أما في فرنسا فيبدو الوضع مختلفا فالبرغم من بطء التحسن الاقتصادي فإن هناك زيادة في القروض المصرفية للشركات. ونعود إلي إنجلترا ووضعها المأساوي حيث انخفض منح القروض في شهر واحد بصورة كبيرة وكذلك بالنسبة للأفراد ولكن بمعدل أبطأ قليلا. ويأتي السؤال الأهم ما جذور المشكلة؟ وللإجابة عن هذا السؤال علينا الاقتراب من الجدل المحتدم الآن حول مستقبل الاستثمارات في العالم كله تقول «إنجيلا نايت» المدير التنفيذي لجمعية المصرفيين البريطانية وهي جماعة ضغط ولوبي هام جداً هناك من السهل القول إن البنوك لم تعد تقرض ولكن هذه ليست القصة كلها توجد شركات كثيرة متعثرة في سداد ديونها كما أن الطلب علي القروض ليس كبيرا الآن بسبب نقص السيولة المالية عند الكثيرين كما أن الانكماش الذي تنتهجه البنوك هنا هو الذي ساعدها علي الصمود والاستمرار. ويوافقها «ميرفين كينج» الرأي أن الظروف الصعبة التي تعانيها البنوك قد ساعدت علي أن تكون تقديراتها لنمو السنة المقبلة علي ضآلته، محددا ومعروفا دون مغامرات مما يساعد علي الخروج من الأزمة المالية بأسرع وقت ممكن. ويعترف مايكل سوندز الخبير الاقتصادي في سيتي جروب أن محدودية الإقراض قد تكون أحد الأسباب التي جعلت حجم الاستثمارات في بريطانيا تنخفض بشكل ملحوظ خاصة في الربع الأخير من العام الماضي حتي وصل إلي نسبة 5,23% مقارنة بالعام السابق طبقا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي مما جعل إنجلترا في ذيل قائمة مجموعة السبعة الكبار نموا في هذه الفترة بالذات. وتعاني كل من إيرلندا وأيسلندا مشاكل اقتصادية متشابهة إلي حد كبير مع إنجلترا مما حدا حكوماتهما إلي اتخاذ بعض الإجراءات مؤخرا . ويدافع بعض خبراء الاقتصاد عن هذه الإجراءات قائلين إن مشاكل الإقراض في بريطانيا تبدو هيكلية ويدلل سايمون مورجان الخبير والمحلل المصرفي في سوق الأوراق المالية قائلا «إن أكثر من نصف القروض التجارية الصغيرة الآن في أيدي الدول» إشارة إلي حصص الدول الكبري في رويال بنك أوف سكوتلاند ومجموعة لويدز المصرفية بي أن بي باريبا وسوسييتيه جنرال وهما من أكبر البنوك وهذه البنوك تقدم إلي 8 % فقط من الودائع والقروض في حين أن جزءاً كبيراً من السوق في أيدي عدد من المقرضين مثل ميلو وغيره وهؤلاء لم يمنعوا القروض أو الائتمانات. ويضيف السيد مورجان أنه في ألمانيا مثلا تمنح البنوك العقارية الخاضعة للدولة قروضا إلي mittlestand وهو قلب الصناعة المحلية . ويري السيد مورجان أن جزءا من مشكلة إنجلترا حاليا هو اختفاء بعض البنوك الأجنبية الخاصة من الساحة الاقتصادية هناك التي كان مقارها في إيرلندا وأيسلندا والتي كانت نشيطة للغاية في مجال الإقراض قبل الأزمة المالية مما أدي إلي قطع مصدر رئيسي للتمويل علي المدي البعيد يرجح السيد مورجان أن يستمر حتي 2012 . وكما يتنبأ السيد مورجان تشير الأبحاث الاقتصادية إلي أن البنوك لم تعد علي استعداد لتقديم قروض في الفترة الحالية وتبرر البنوك عدم حماسها بندرة الطلب من قبل العملاء وتشير التقارير إلي حدوث انخفاض فعلي لطلبات الحصول علي القروض عن العام الماضي بنسبة 20 إلي %25 وذلك بسبب الأزمة كما استخدم عدد كبير من الشركات بشكل أقل السحب علي المكشوف وأيضا تعثر في سداد الديون. وقد أكد كبار المصرفيين في إنجلترا أن هناك عدداً كبيراً من الشركات لا تستحق فعليا القروض رغم تأكيدهم أنهم يوافقون علي من 85 إلي 90% من طلبات رجال الأعمال ولكن بعد الوثوق من أنهم سوف يتمكنون من سدادها مع فوائدها، ويشير تقرير آخر يحتوي علي معلومات استخباراتية علي أرض الواقع من بنك انجلترا أن عدم جدية الطلبات وعدم تقديم ضمانات كافية وراء عدم الحصول علي القروض. وسر رفض البنك المركزي هو أن سعر الفائدة قد انخفض في جميع أنحاء العالم وأن علي البنوك ضخ المزيد من رأس المال بوفرة مرة أخري حتي تستقيم الأمور . ولكن مازال الوضع في إنجلترا حسب آراء الخبراء هو الأسوأ من أي مكان آخر حيث تواجه البنوك البريطانية مشاكل كبيرة علي عكس بنوك أوروبا حيث كانت الحكومات في فرنساوألمانيا قد اتخذت إجراءات منها اللجوء إلي وسطاء تستخدمهم لضمان إقراض الشركات الصغيرة بسعر مناسب وهو الحل الذي ساعدها في مواجهة شبح البطالة والذي كاد ينتشر بإفلاس الشركات المتوسطة والصغيرة.