مسلسل اضطهاد المرأة المصرية مستمر ويتواصل يوميا بنجاح منقطع النظير.. فمن قتل فتيات فيما يسمي بجرائم الشرف إلي استمرار ظاهرة ختان البنات إلي بيع الزوجات في سوق النخاسة الخليجية إلي رفض تعيين قاضيات بمجلس الدولة.. إلي.. ولقد بلغ الذروة في حادثة السيدة كاميليا زاخر شحاتة زوجة الكاهن تادروس سمعان راعي كنيسة مار مرقس مركز دير مواس بمحافظة المنيا.. ما حدث ويحدث لهذه السيدة ما هو إلا عنف شديد ضدها يستوجب أن تهب كل جمعيات حقوق الإنسان في مصر وخارجها ليدافعوا عنها وينقذوها. منطق الأحداث كما نشرت في الصحف أنها زوجة تشاحنت مع زوجها وقررت - مثل كل الزوجات المصريات قليلات الحيلة - أن تهجر بيتها ولو إلي حين، حتي تهدأ النفوس أو يقضي الله أمرا كان مفعولا. فأن تقوم قائمة بعض المواطنين وتصل إلي حد الاعتصام في كنيسة المركز، ثم السفر إلي العاصمة والتظاهر في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وهي بيت من بيوت الله شيد للعبادة فقط ولا شيء غير العبادة، فهذا ترويع للسيدة بهدف إرغامها علي التراجع عن موقفها والعودة للحياة مع الزوج المكروه.. وإمعانا في إرهاب تلك السيدة المسكينة تآمر المتظاهرون علي أن يحولوا الأمر عنوة واقتدارا إلي فتنة طائفية، فارتكبوا خطأ فادحا بتوجيه اتهام بلا دليل إلي زميل لها متزوج ويعيش حياة عائلية مع زوجة وأبناء.. لم يراعوا الله فيما سيصيب تلك الزوجة التي اتهم زوجها بخطف أنثي من شكوك ومخاوف وربما أقدمت علي فعل يائس كطلب الطلاق.. وصدق الشبان تلك الفرية فراحوا يزعقون بهتافات معادية لإخوتهم المسلمين وللحكومة! الخطأ الفادح الثاني هو ماجاء علي لسان الأنبا أغابيوس أسقف دير مواس وهو اعتقال كاميليا في مكان ما «حيث يقوم الكهنة بإجراء عملية غسيل مخ لإعادتها إلي الصواب»! ولا نعرف بالضبط ما هو المقصود بتلك العبارة، فهل كُره زوج لا يحدث إلا بعملية غسيل مخ؟ وهب أن ذلك الزوج كان رجل دين فهل حُرم علي زوجات رجال الدين أن يبدين اعتراضهن علي المعاملة الخشنة التي يلاقينها منهم والتي أوصلتهن إلي حد الانفجار من الغضب والرغبة في هجر بيت الزوجية؟! إن تصرفات السيدة كاميليا السابقة علي ترك بيت الزوج وبيت الأب المتعصب للزوج (كعادة أغلب الآباء المصريين) تدل علي منتهي الحكمة.. لقد سحبت مدخراتها كلها وجمعت كل ما لديها من مصوغات ووضعتها علي المائدة في بيت الأب حتي لا يدعي أحد أن هناك من حرضها طمعا في مالها.. أعلنت بذلك أنها ترفض الزوج وماله ومصاغه في آن واحد. أما إذا كان المقصود هو غسيل مخ السيدة كاميليا من اعتناق دين آخر هو الإسلام فلا أعتقد أن كاهنا مصريا يجرؤ علي توجيه هذه الإهانة إلي سبعين مليون مسلم في بلده، يؤمنون بعقيدتهم ويرونها فضلا وعزا وكرامة.. إن الدين- أي دين - ليس بحاجة إلي سيدة أو عشر أو ألف من دين آخر ولن يصبح أفضل أو أقل قيمة لو تركته سيدة أو آلاف النساء، ولقد كان المقوقس حاكم الإسكندرية والنائب العام للدولة البيزنطية في مصر، رجلا حكيما أدرك ذلك تماما، فلما بعث إليه النبي- صلي الله عليه وسلم- رسولا ليبين له الإسلام ويدعوه للدخول فيه أكرم وفادته واعتذر بلطف ثم بعث إلي نبي الإسلام بجاريتين ورسالة تصفهما بأنهما «لهما مكان في القبط عظيم» هما مارية بنت شمعون القبطية وأختها سيرين.. وتكريما لهما ولمن أهداهما له اختار الرسول- صلي الله عليه وسلم- مارية لنفسه، ووهب أختها سيرين لشاعره الكبير حسان بن ثابت الأنصاري- رضي الله عنه- وقد حملت مارية من الرسول وأنجبت له ابنا فرح به وسماه إبراهيم، تيمنا بأبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام.. ولكن الله اختاره بعد عام ونصف من ميلاده.. وحزن المسلمون حزنا شديدا علي إبراهيم ابن مارية القبطية لدرجة أن البعض فسر كسوف الشمس يوم مات «إبراهيم» ابن الرسول؛ بأنها كسفت لموت «إبراهيم»، ولكنه عليه السلام رد عليهم بقوله: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته». إن أقباط مصر أنسباء المسلمين فلا يصح أن يوجهوا إهانة لمن ناسبوه ، وأقتبس من كتاب «معاً علي الطريق» للمفكر الراحل «خالد محمد خالد» قوله: «رسالة «محمد» و«المسيح» ورسالة كل الأنبياء والمرسلين هي رسالة حياة.. حياة تعني وجوداً حقيقياً وعادلاً لبني الإنسان.. ووجودنا الحقيقي يبدأ من ممارسة العلاقات الصحيحة مع كل ما حولنا.. ولقد كان اكتشاف هذه العلاقات أكثر ما عاش له وعمل في سبيله «محمد» و«المسيح»...». وفي القرآن الكريم تفضيل لسيدة المسيحيين جميعا وأمهم الأولي السيدة مريم العذراء علي نساء العالمين دون اشتراط أن تغير دينها.. بل إن القرآن يعتبر الأتقياء من الأديان الثلاثة مسلمين ففي الحديث يقول الرسول - صلي الله عليه وسلم-: «الأنبياء إخوة وأمهاتهم شتي ودينهم واحد».. ويحفظ المسلمون الآية الكريمة التي تقول: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم». إن السيدة كاميليا، وكل النساء المصريات، لها كامل الحرية في أن تؤمن بالإسلام أو تكفر به، ومادامت عاقلة بالغة رشيدة فهي كاملة الأهلية وإجراء غسيل مخ لها جريمة يعاقب عليها من يفعلها في كل بلاد العالم المتقدمة. لقد تنصر العديد من المسلمين وبعضهم جاهر بارتداده عن الإسلام مرارا وتكرارا ولم تهتز لاعترافاتهم شعرة، ولم يتظاهر مسلمون اعتراضا علي تنصرهم ولا سعي شيخ الأزهر إلي تحريض مباحث أمن الدولة للبحث عنهم وجرهم من شعورهم إلي المشيخة حيث يتم اعتقالهم وغسيل أمخاخهم. تصريح الكاهن أغابيوس خطير ومهين للمسلمين ولكل النساء المصريات ولابد أن يعتذر عنه أو ينكره أو يعاقب عليه. إننا كمسلمين وقفنا إلي جانب إخوتنا الأقباط عندما اعتدي علي أرواحهم وأملاكهم بعض السفهاء ممن يرهبون الناس باسم الدين، وهم أبعد عنه من ألد أعدائه، وسنقف دائما إلي جانبهم دفاعا عن تمتعهم بكافة الحقوق الإنسانية وليس من بينها التعصب البغيض ضد الأديان الأخري أو ارتكاب أعمال عنف ضد النساء. لقد تراخينا في قضية وفاء قسطنطين خشية اتهامنا بالتدخل فيما لا يعنينا، رغم أنها- مثل قضية كاميليا شحاتة- لم تكن قضية دينية بل اجتماعية.. والغريب أن منظمات حقوق الإنسان الغربية لم تحرك ساكنا لإنقاذ تلك السيدة المسكينة المعتقلة في مكان مجهول، رغم أن الكنيسة في بلادهم تشرع الطلاق ولا تحرمه.. فهل إجبار النساء - خاصة زوجات الكهنة - علي الترهب مشروع في المسيحية؟ هل ستعتقل كاميليا داخل دير - كما حدث لوفاء - إذا ما أصرت علي عدم العودة لبيت لم تجد سعادتها ولا راحتها النفسية فيه؟ وهل سيستمر ترويع الشباب القبطي لكل زوجة كاهن تعلن راية العصيان علي زوجها؟ وهل سنحمل كمسلمين وزر كل زوجة تختلف مع زوجها وترغب في ترك بيتها؟ أما العقاب الجماعي الذي تفتقت عنه عقليات بعض المتعصبين الأقباط فهو حرمان زوجات الكهنة من العمل، أي قطع أرزاقهن وأرزاق أبنائهن، بل والأزواج أيضا علي اعتبار أن دخل الزوجة يفيد العائلة كلها ويرفع مستواها المادي.. إنه نوع آخر من أنواع الفصل العنصري، وإذا كان العمل في المصالح الحكومية والمدنية يعرض نساء الكهنة للفتنة ويغريهن بالفساد، فليس هناك إلا حل من اثنين إما أن نمنع كل النساء من العمل حتي لا يتعرضن للفتنة والتغرير بهن أو نلقن نساء الكهنة دروسا في الأخلاق حتي لا يكن فريسة سهلة لكل مراوغ وزير نساء.. وإذا طبق هذا المبدأ الجائر فستفكر كل فتاة قبطية ألف مرة قبل أن تقبل الزواج من كاهن، ولن تقدم علي تلك الخطوة إلا من لا تحمل شهادة وليس لديها أية مواهب أو طموحات.. إنها خطوة عقاب للكهنة قبل أن تكون سلسلة أخري تقيد معصم الفتاة القبطية وتعتقل روحها داخل نصوص جامدة وأفكار راكدة. أما لقب «أمهات الأقباط» الذي لقبت به نساء الكهنة مؤخرا فتلك بدعة لم نسمع عنها من قبل، والمقصود بها تخدير مشاعر الفتيات وتوريطهن في ما لا طاقة لهن به، وأم الأقباط هي السيدة مريم العذراء وحدها لأنها أم السيد عيسي المسيح، أما الكهنة فليسوا إلا بشراً وهم ليسوا معصومين وعرضة للشلح والطرد من الكهنوت في أي وقت، وحكاية الراهب الذي فضحته جريدة «النبأ» منذ عدة أعوام ليست بعيدة عن الأذهان. إن ما يهدد سلام الأسر القبطية بالفعل هو التشدد في معاملة الزوجات وإرغامهن علي استكمال حياتهن مع أزواج لا يتفقن معهم في الطباع ولا يطقن الحياة معهم في وئام تحت سقف بيت واحد.. إن المرأة القبطية أصبحت مثل أختها المسلمة تحمل راية الديانة وتسدد فاتورة التعصب الديني وحدها. لقد اعترف بعض عقلاء الأقباط بالخطأ الذي ارتكبه أسقف دير مواس وطالبوا بعقابه علنا عقابا كنسيا، وأرجو ألا يتمادي الأساقفة في استغلال انسياق الأغلبية من شباب المسيحيين وراءهم وألا يسيئوا فهم تعاطف الأغلبية المسلمة وتسامح الحكومة معهم، وهو مالا تفعله مع شبان المسلمين، فعدد الشبان المسلمين الذين ذاقوا ويلات الاعتقال قد يفوق عدد أقباط مصر جميعهم. ليس من مصلحتنا جميعا أن يستمر ويتصاعد مسلسل البلبلة وإثارة مشاعرالشباب ورفع درجة الاحتقان بين المصريين، لقد انكشفت حيلة ادعاء خطف الفتيات القبطيات (الأرثوذوكس فقط!) وإرغامهن علي دخول الإسلام، وعلي هواة إشعال الحرائق الطائفية أن يلعبوا غيرها! ولاتزال الدنيا تجد سكينة وأمناً في كلمات المسيح: «سلاماً أترك لكم»، وفي كلمات «محمد».. «كونوا عباد الله إخواناً».