على الضفة الأخرى من النهر يقف د.عبدالمنعم المشاط أستاذ العلوم السياسية، حيث يرى أن ظروف مصر تختلف عن ظروف الدول الأخرى، وبالتالى فإن الزيادة السكانية لدينا تصبح عبئا وليست ثروة، أهم هذه الظروف من وجهة نظره.. محدودية الموارد الطبيعية والمائية.. والغذاء.. فضلا عن العبء الذى تتحمله البنية الأساسية والجهازان التعليمى والصحى، فضلا عن أن النسبة العظمى من السكان فى مصر حاليا هم تحت سن ال 15 بمعنى أنهم أطفال فى حاجة إلى رعاية كاملة من الدولة لسنوات وليسوا مصدر دخل لها. يحذر الدكتور عبدالمنعم المشاط مدير مركز البحوث والدراسات السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية من الخطورة الشديدة للزيادة السكانية فى مصر فى السنوات القليلة المقبلة، ويضيف أن معدل الزيادة السكانية فى مصر لا يتناسب مع حجم الخدمات فى التعليم أو الصحة، وأن هذه الزيادة الكبيرة تشكل ضغطا كبيرا على الموارد الطبيعية المتاحة، خصوصا أن مصر تعتمد على الخارج فى توفير 60% من الغذاء الذى تستهلكه هذه الزيادة سنويا. * سألنا الدكتور المشاط عن الزيادة السكانية فى مصر فقال: - إن الزيادة السكانية فى مصر فى ضوء بلوغ عدد السكان 80 مليون نسمة تشكل ضغطا كبيرا ليس فقط على زيادة الطلب والسلع والخدمات المتاحة، وإنما تشكل خطرا على البنية الأساسية المتاحة خاصة فى ضوء عوامل أخرى كثيرة مثل محدودية المساحة وانخفاض معدل وفيات الأطفال وزيادة معدل العمر المتوقع للأفراد نتيجة تحسن الخدمات الصحية، وهو ما أدى إلى زيادة معدل الأعمار من 64 عاما إلى 74 عاما فى الوقت الراهن. * لكن هناك بعض الدول التى يزيد معدل سكانها بمعدلات أكبر من مصر ومع ذلك تحقق نموا واستفادة من هذه الزيادة؟ - كل دولة ينبغى أن تخطط على حسب مواردها وظروفها، ولعل أنسب مثال لذلك الهند والصين وكوريا الجنوبية وغيرها، وهى دول نجحت فى الاستفادة من الزيادة السكانية بها بالاعتماد على تحسين خدمات مثل الصحة والتعليم، فهذه الدول استطاعت فى فترة قصيرة خلق نظام تعليمى صارم وعصرى، وكذلك نظام صحى فعال يعتمد على الكفاءة والتحديث، بالإضافة إلى اعتمادها على توافر الموارد الطبيعية والنجاح فى إدارة هذه الموارد وإعادة تخصيصها بما يخدم الزيادة السكانية بها، هذا بالإضافة إلى المشروعات العملاقة والقومية الناجحة التى تتميز بها هذه الدول. * ما أهم معوقات استخدام الزيادة السكانية بشكل إيجابى فى مصر؟ - النظامان الصحى والتعليمى كما قلنا، وكذلك عدم تحمل البنية الأساسية لهذه الزيادة فنحن نعلم أن البنية الأساسية فى مصر تم تأسيسها فى نهاية السبعينيات وهى الآن تحتاج إلى تجديد وليس إلى زيادة الضغط فى الاستهلاك، العامل الآخر هو أن طبيعة التوزيع العمرى للسكان فى مصر يُظهر أن الغالبية العظمى من السكان هم فى سن أقل من 15 عاما، وهو ما يشكل عبئا على الدولة المطالبة بتوفير الغذاء والكساء والتعليم والخدمات الصحية وغيرها من الخدمات لهذا العدد من الذين يمكن أن نعتبرهم فى سن الطفولة دون الاستفادة منهم، خاصة مع التجاهل العام للتعليم الفنى والاهتمام بالكليات النظرية التى لا تخرج الشباب الذين تتطلبهم سوق العمل. عامل آخر من عوامل عدم الاستفادة من الزيادة السكانية فى مصر هو سوء توزيع الموارد وهو ما أدى إلى انتشار الفقر وتآكل الطبقة المتوسطة، وهو ما أدى إلى الظواهر الغريبة التى نراها فى المجتمع المصرى، مثل أن نجد شخصا يدفع 50 ألف جنيه كمصاريف سنة واحدة فى الحضانة لأحد أولاده فى الوقت الذى تعجز فيه الغالبية العظمى من الشعب عن توفير مصاريف تعليم المدارس الحكومية لأبنائها، هذا فضلا عن أن المدارس الحكومية نفسها لا يوجد بها وسائل تعليم حديثة تتناسب مع التطور الرهيب الذى يشهده العالم من حولنا والذى سبقتنا إليه دول كانت تعانى نفس ظروفنا. * كيف نحول هذه الزيادة السكانية إلى طاقة إيجابية تعود بالنفع على مصر؟ - أولا: نحن فى حاجة إلى مبادرات خارجية إبداعية وغير تقليدية لخدمة مستقبل البلد، فإذا كانت الموارد الطبيعية فى هذا البلد محدودة أو لا تتناسب مع حجم الزيادة السكانية، فلماذا لا أوجه 5 ملايين نسمة مثلا لزراعة أراضى السودان خاصة أن السودان مشهورة عالميا بخصوبة الأرض هناك، أو تشجيع البعض على الاستثمار فى دول أفريقية مثل إثيوبيا، ولا أعتقد أن رأس مال هذا الاستثمار سيمثل مشكلة، حيث يمكن توفيره عن طريق الاقتراض من بعض الدول الخليجية أو أى مصدر آخر، المهم هو الخروج من عنق الزجاجة وإيجاد حلول بديلة، خصوصا أن الاستثمار فى هذه الدول سيقوى علاقتنا بها وهو ما سيعود بالنفع علينا فى أمور أخرى مثل مشكلة مياه النيل التى تمت إثارتها فى الفترة الأخيرة أو مشكلة حلايب التى أثارها الرئيس السودانى، فالعلاقات الطيبة مطلوبة مع هذه الدول. أما العامل الآخر فيتمثل فى خلق مشروعات قومية لاستيعاب هذه الزيادة مثل مشروع تعمير سيناء، الذى لو تم تنفيذه بالشكل العلمى السليم لكان كفيلا باستيعاب 15 مليون نسمة خاصة أن علماءنا قاموا بالعديد من الدراسات للخروج من الوادى الضيق سواء عن طريق تعمير سيناء أو عن طريق الصحراء الغربية، لكن هذه الدراسات رغم أهميتها لم تتم الاستفادة منها، بالإضافة إلى ما سبق لابد من وضع برامج للارتقاء بالفقراء وخلق طبقة متوسطة كما حدث فى الصين والهند وكوريا الجنوبية التى كنا أفضل حالا منها حتى عام 1968 ورغم أن الحروب المدمرة التى خاضتها مصر لا يمكن إغفال تأثيرها، لكن هناك فارقا بين الدولتين فى كيفية إدارة الموارد الطبيعية والبشرية. هناك أمر آخر لابد من أخذه فى الاعتبار لتحويل الزيادة السكانية إلى شىء إيجابى وفعال وهو تصحيح الخطأ الاستراتيجى بتحويل المعاهد العليا إلى كليات التى أدت إلى تخريج مزيد من الأجيال النظرية وليست التطبيقية، وكذلك إعادة الاهتمام بالتعليم الفنى لتخريج فنيين للاستفادة منهم فى الصناعات المختلفة، وكذلك الاستفادة منهم فى سن مبكرة بدلا من انتظارهم يتخرجون فى كليات نظرية. * إذا كنا نتحدث عن الموارد المحدودة والعجز فى مواجهة الزيادة السكانية هل يمكن البحث عن موارد جديدة وكيف يتم ذلك؟ هناك عنصر مهم جداً لا يمكن إغفاله هو الاستفادة من العنصر البشرى فى مصر والكفاءات المصرية للتوسع فى ظاهرة «الأوت سورسينج» والتى طبقتها الهند واستطاعت تحقيق نتائج هائلة فيها وهى عبارة عن تقديم الخدمات للشركات أو الجهات الخارجية فيكفى أن نعلم أن حسابات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى يتم إجراؤها فى الهند نظراً لتوافر العامل البشرى بأسعار منافسة. * صدر مؤخراً تقرير فى مجلة الإيكونومست حول الأوضاع الاقتصادية فى مصر وتناول هذا التقرير موضوع الزيادة السكانية بالإضافة إلى انتقادات أخرى.. ما تعليقك على هذا التقرير؟ - فى رأيى كان لابد من الرد على هذا التقرير ولو عن طريق الإعلام وليس بشكل رسمى لأن جزءا كبيرا من مشكلة هذا التقرير هو الجهل بما يحدث فى مصر، لأن نظام التعليم الذى «وصفه بالعفن» هو نفس النظام الذى أدى إلى تخريج المئات بل الآلاف من النابغين والذين حققوا إنجازات علمية فى جميع المجالات وتفوقوا على أقرانهم من خريجى أشهر الجامعات فى العالم، لكن جزءا من مشكلتنا هى مشكلة الترويج للإيجابيات التى نمتلكها. * فى رأيك لماذا لم يعد الشعب المصرى مهتماً ببرامج تنظيم الأسرة؟ - جزء من هذه المشكلة هو تراجع هذه البرامج فى الفترة الأخيرة والدليل على ذلك أن فترة انتشار البرامج والحملات الإعلامية التليفزيونية فى الثمانينيات انخفض معدل المواليد من 5,3 مليون طفل إلى 2,2 مليون طفل، لكن هذه البرامج اختفت فى الوقت الحاضر بالإضافة إلى ذلك يجب تحفيز الملتزمين ببرامج تنظيم الأسرة ببعض المميزات الإضافية وعدم استخدام الأسلوب العقابى ضد غير الملتزمين مثل منعهم من تسجيل أبنائهم فى بطاقات التموين لأن الشعب المصرى معروف عنه أنه شعب عنيد. والأهم من ذلك هو التزام أئمة المساجد والخطباء بالحملة وإعدادهم ثقافياً واجتماعيا بأهمية هذه الحملة وخلق نوع من الوعى عندهم بأهمية المشكلة حتى يستطيعوا نقله إلى باقى الأفراد.