« رسالة إلي صديق إسرائيلي» كتاب قنبلة وصرخة مدوية في وجه الدولة الصهيونية الغاشمة أصبح حديث الساعة في أوساط المثقفين في أوروبا للمفكر الفرنسي الكبير «ريجيس دوبريه» يواجه فيه حقائق ممارسات دولة إسرائيل وذلك في صورة رسالة من 160 صفحة موجهة إلي صديقه السفير الإسرائيلي السابق في فرنسا «إيلي برنافي»، جاء الكتاب في توقيت عبقري متزامنا مع مذبحة أسطول الحرية والتي راح ضحيتها أبرياء، لتبدو صفحاته كشهادة حية وموثقة علي همجية ووحشية الإسرائيليين. في الكتاب يشرح دوبريه بهدوء مارآه بعينيه من بشاعة عندما أوفد عام 2008 من قبل الرئيس جاك شيراك لمتابعة ملف التسامح الديني في إسرائيل وهناك قيل له «إن ما يقال حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني صحيح لكن لايمكنك الإعلان عن ذلك في فرنسا فلن نسمح لك». كانت الكلمات مستفزة لدرجة أن دوبريه أقسم أن يقول كل شيء في كتاب متسلحا بالأرقام والإحصائيات الحديثة لشرح الظاهرة الإسرائيلية البربرية ويدين أفعالها المشينة من قتل وتشريد، ومصادرة أملاك وسجن وتعذيب. وقف دوبريه وقفة مناضل شجاع في وجه عتاة اللوبي الصهيوني وقال إنها دولة مهتزة قائمة علي الخوف وتخويف الجيران رغم علمه التام بما يمكن أن يحدث له وما حدث بالفعل لبعض المثقفين الذين واجهوا دولة إسرائيل بجرائمها مثل إدجار موران وتشومسكي المفكر الأمريكي الشهير اليهودي الديانة الذي منع مؤخرا من زيارة إسرائيل لأنه ضد سياستها الاستيطانية ومع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، وشن عليه اللوبي الصهيوني حملة تشهير وتشويه وإدانة واتهمه بالانحياز للإرهاب وخيانة شعب الله المختار، وأيضا روجيه جارودي ومن قبله إدجار موران وسيلين الذي نال من الاضطهاد ما ناله.
يشرح دوبريه في كتابه الذي فتح عليه الآن أبواب الجحيم من كل مكان الظاهرة الإسرائيلية ويدين سياستها الاستيطانية والإجرامية وتهويدها القدس وتهجيرها للسكان الأصليين والزج بآلاف الفلسطينيين إلي السجون ونهب ممتلكاتهم وقتلهم. يعلم دوبريه جيدا أن الإسرائيليين لن يتركوه في حاله وسوف يفعلون أي شيء لتكذيبه وتسفيه وقائعه وأفكاره، لكن يبدو أن تاريخه النضالي القديم مع «تشي جيفارا» وسجنه في المعتقلات البوليفية، وعمله كمستشار للرئيس ميتيران جعله غير مهتم إلا بكشف الحقائق بحسم ودقة ونظرة تحليلية وتاريخية لكل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في إسرائيل. •• يقول دوبريه في كتابه: تقدم إسرائيل نفسها دائما كبطل الغرب في الشرق الأوسط وبصفتي غربيا يحق لي أن أقول لمن يسمي نفسه بطلي ما توحي إلي تصرفاته وممارساته فأنا إنسان والإنسانية التي هي من صفاتي تتغلب علي كثيرا لوصف ما يجري هناك. ويقول: «يبدو الأمر كما لو كان هناك دولتان اسمهما إسرائيل واحدة منغلقة ومتقوقعة علي نفسها، انعزالية ومغرورة، عنيفة وعنصرية، وإسرائيل الأخري التي تنكمش يوما بعد يوم أي إسرائيل الأقلية الديمقراطية والتي تعترف بحقوق الفلسطينيين. •• يورد دوبريه أرقاما مفزعة وموثقة عن الجرائم الإسرائيلية: تدمير 18 ألف منزل فلسطيني، 70 ألف فلسطيني اعتقلوا منذ عام 11 ,1967 ألف قتيل حتي الساعة، من 500 إلي 600 حاجز في الضفة، وأن نحو 43% من الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر. وانطلاقا من هذه الوقائع يقول دوبريه: «لم نسمع يوما عن دولة تبني كرامتها وعزتها بالانحطاط والتشريد المنهجي للجار ولا القمع ولا الترويع أو الإذلال. لم نسمع يوما أن إحياء دولة يعني قتل مئات الآلاف من المسلمين والمسيحيين» مشيرا إلي العمليات العسكرية والأمنية الأخيرة في غزة والتي تم فيها قتل 1500 فلسطيني و450 طفلا و 140 امرأة مقابل 13 إسرائيلياً حسب إحصائيات اليونيسيف. ومن أهم ماورد في الكتاب هو نفيه القاطع لوجود ما يسمي بشعب الله المختار وتفوق العرق اليهودي ويقول: «حق الإسرائيليين في حياة ووطن لايجب أن يستمد من الهولوكوست وإنما بالاقتراب من المجتمع الدولي وليس بضرب عرض الحائط بقرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن والمجتمعات المدنية في العالم رافعة فكرة الهولوكوست بديلا وتبريرا لقتل وارتكاب هولوكوست يومي في حق الفلسطينيين. ومثلما حدث مع الكاتب الكبير «إدجار موران» ومقاله الشهير بجريدة لوموند حول إسرائيل الصهيونية واليهودية والتي أقام اللوبي الصهيوني الدنيا ولم يقعدها عليه متهما إياه وهو يهودي الديانة بمعاداة السامية وتماما كما حدث مع روجيه جارودي الذي تجرأ وفكك الخرافة التي تأسست عليها دولة إسرائيل، لم يسلم دوبريه من الحملات المبرمجة لتحويل الأنظار عن الحقائق التي يوردها عن الدولة الاستيطانية الإسرائيلية وتشويه مواقفه وأفكاره باستنفار أقلام وأصوات يهودية علي رأسهم بالطبع صديقه السفير الإسرائيلي الذي وجه إليه الرسالة وقد اتهمه بأنه يجهل الكثير من الحقائق، وكذلك المخرج اليهودي كلود لانزمان والمؤرخ اليهودي ايار كلينريج واللذان يدعيان ظاهريا الدفاع عن حقوق الإنسان وإدانة العنف والاستعمار وفي نفس الوقت يبرران بعقولهم العنصرية كافة جرائم إسرائيل. وجاء تصريح دوبريه في أعقاب مذبحة سفينة الحرية ومتزامنا مع شراسة الحملة اليهودية قائلا «أعرف أنهم سوف ينقضون علي». وهو ما يحدث بالفعل فقد بدأ العديد من الشخصيات اليهودية البارزة في الهجوم عليه وتفنيد ما أورده الكتاب وتكذيبه وقد بدأت الحملة علي صفحات مجلة لوبوان الفرنسية وكذلك عدد من الجرائد والمواقع الإلكترونية وفي طليعة الذين سارعوا بالرد عليه المخرج السينمائي كلود لانزمان الذي قال إن كتاب دوبريه تافه ومثير للملل وأنه لايعرف شيئا فالصراع العربي الإسرائيلي لم يبدأ عام 1948 ولكن تحديدا عام 1917 والمذابح التي تمت في حق اليهود ودخولهم عدداً من الحروب مع أكثر من دولة عربية وكان ضحايا اليهود أكبر عددا «فقد سقط لدينا ضحايا نحو 60 ألف قتيل في مقابل 40 ألفا للعرب» وأضاف: باختصار الإسرائيليون لم يكونوا ملائكة ولكن لايمكن أن نقول إنهم مدانون وحدهم ويضيف أن عقدة دوبريه هو أنه يريد أن يبرهن في كل لحظة أنه ذكي وأنه يساير موضة الهجوم السائدة علي إسرائيل بسبب مشكلة السفينة والتي تغذيها وسائل الإعلام ليكتب لنا هذا السخف فإذا كان يذكر عدد المسجونين فعليه أن يري أننا نفرج عن المئات منهم في سبيل جندي واحد لديهم. إن دوبريه يبالغ كثيرا حول تأثير الحاخامات علي الشعب الإسرائيلي وهو غير صحيح فأغلبية الإسرائيليين علمانيون. ويضيف: «إن دوبريه ليس فقط لا يحب إسرائيل ولكنه لايعرف عنها أي شيء أيضا فنحن موجودون هنا بأمر من الله». •• أما الكاتب جون كريستوف روفان وهو عضو بالأكاديمية الفرنسية وصدر له مؤخرا كتاب بعنوان «كتيبة» فقال إن كتاب دوبريه رغم ما يبدو عليه من تفاصيل ووقائع إلا أنها مع الأسف كلها كاذبة ومغلوطة وما دوبريه إلا وجه جديد من الوجوه القبيحة المعادية للسامية ذو تفكير قاصر يلمح بوجود شبه بيننا وبين الأنظمة الديكتاتورية مثل إيران ويشبه المعتقلات الإسرائيلية بمعسكرات النازي إنه خلط كمن لايعرف الحدود بين الرأي والجريمة. أعلم حد اليقين أن مثل كتب دوبريه التي تهاجم إسرائيل تباع تحت عباءة دول وأنظمة عدد من الدول في كل مكان حتي علي رفوف السوبر ماركت.. إن دوبريه بذكائه المحدود وأحقاده يخلق أعداء له ويبث الكراهية في وجه كل من يقرأ كتابه ولا أظن أنه سينجح في مهمته الشريرة. وأخيرا ينفي الكاتب أفياد كلينبرج والأستاذ بجامعة تل أبيب أن دوبريه يتحدث عن حقائق تحدث في إسرائيل ولكن هي أوهام قد تسيطر علي أشخاص يعيشون مثلا في أوروبا بعيدين تماما عن مكان الصراع وأسبابه ورغم ذلك أنا أعترف بوجود مشاكل في حياتنا السياسية تطال أكبر رءوس في الدولة منها عزوف الطبقة المتوسطة عن المشاركة في الحياة السياسية كما أنه لاتوجد في إسرائيل معارضة حقيقية. •• وأخيرا ينفي برونو أرمون المدير المسئول عن الأراضي الزراعية في مستعمرة ماعون مزاعم دوبريه حول تدمير أشجار الفلاحين الفلسطينيين قائلا إنها مجرد أفعال وردود أفعال «أذكر جيدا كان يوم الاحتفال ببدء السنة اليهودية عام 2003 وكنا انتهينا من الصلوات في المعبد حتي سمعنا أصواتا عالية وعرفنا أن الفلسطينيين قاموا باقتلاع 50 شجرة فاكهة من المستعمرة، وبعد يومين أو ثلاثة قام عدد من شبابنا بالذهاب إليهم وتدمير عدد من أشجار الزيتون.. إن الوضع في إسرائيل لا يمكن بأي حال أن نعرفه من خلال تلك الأقلام المسمومة نحن نعيش ونتعارك وندافع عن أنفسنا كما أننا نحمل جميعاً أسلحة وقد استعنا بعمالة من تايلاند للعمل في زراعة الزهور وتصديرها لأننا سئمنا من الاستعانة بأشخاص يريدون انتزاع ما لدينا من أراض»!! ورغم أن دوبريه يعرف ما ينتظره والتهم التي قد توجه إليه: معاداة السامية، الانحياز إلي الإرهاب الفلسطيني وخيانة شعبه وأيضا رميه بصفات الجهل والغباء، إلا أنه وسط كل هذا قال كلمة الحق مدوية بكشف الوقائع وفضح الجرائم في توقيت تصادف أن بدا عبقريا رغم مأساويته.