في الوقت الذي بدأ فيه البعض مراجعة دروس الانتخابات الأشرس في تاريخ الشوري للاستفادة منها في انتخابات الشعب، لا تزال أجواء الانتخابات علي دوائر الإعادة التي تقام فيها الانتخابات في 5 محافظات مختلفة السمات هي قنا وأسوان والبحر الأحمر وجنوب سيناء وسوهاج، ومن المتوقع أن تكون هذه الجولة أقل ضراوة من الأولي التي حولت الثلاثاء الماضي إلي يوم أكثر اشتعالا من حرارة الجو، التي أثرت بالسلب علي نسبة المشاركة والتصويت في الساعات المرجحة وفق المعايير الانتخابية. أعلنت أمانات الحزب الوطني في هذه المحافظات الخمس حالة الطوارئ من جديد بعد إجازة قصيرة لم تتجاوز ال48 ساعة لإعادة الخطة التنظيمية لحشد الأصوات ومعالجة الأخطاء التي ارتكبها الحزب في الجولة الأولي، خاصة أن الوطني لديه 11 مرشحا في الإعادة مقابل 9 من المستقلين فقط، وسط هزيمة مخزية للإخوان للمرة الثانية علي التوالي في الشوري رغم التنظيم الجيد جدا وغرف العمليات المكثفة التي أقامها كوادرهم في الدوائر التي خاضوا فيها الانتخابات علانية وسرا! وما يميز هذه الانتخابات التي وصفت بالأكثر دموية وتجاوزا في تاريخ الشوري، أنها الوحيدة التي شهدت هذه الاشتباكات الدموية وتبادل إطلاق النار وحملات التشهير التي طالت مرشحة الوطني الوحيدة في كفر الشيخ هدي الطبلاوي، وشنها الإخوان ضدها بالإضافة إلي الطعن في قضية الشيك، والتي أجل النظر فيه إلي 9 يونيو المقبل، وهي واحدة من الحالات القانونية الصعبة التي تبحث اللجنة العليا للانتخابات برئاسة المستشار انتصار نسيم حسم الجدل حولها، بخلاف الدوائر التي صدر فيها أحكام بوقف الانتخابات لكن لم توقف بعد الاستشكال فيها، ومن أبرز هذه الحالات أيضا دائرة محمد عبداللاه قيادي الوطني، والتي تمت فيها الانتخابات في آخر وقت، حيث كان القرار تعطيلها لآخر لحظة، وفاز فيها عبداللاه ب110135 صوتا، بينما حصلت هدي الطبلاوي علي 206 آلاف صوت وحصل مرشح المحظروة الذي قاد الحملات ضدها علي 11 ألف صوت! ورغم ما تردد حول أن الأرقام التي ذكرت كانت مبالغا فيها، إلا أن اللجنة العليا للانتخابات أكدت أن نسبة التصويت وصلت إلي 30% ولكن من خلال الجولات السريعة علي عدة دوائر كانت الأجواء هادئة ومؤشرات التصويت متراجعة، وساعد علي زيادة أعداد الناخبين المصوتين التربيطات وعمليات حشد الأصوات في الأوقات الحاسمة والدوائر الريفية والصعيدية التي خرج فيها الناخبون لمساندة مرشحيهم بشكل قبلي بعيدا عن السياسة، وأجمع المراقبون علي أن المواجهات النارية والدموية كانت لها جوانب إيجابية كما كان لها أبعاد سلبية، تركزت في حشد الأنصار للتصويت وزيادة نسبة المشاركة عما كان متوقعا حتي وصلت إلي 30% رغم حرارة الطقس، التي توقع البعض أن «تضرب» الانتخابات، وتراوحت أرقام المرشحين الفائزين بين ال100 ألف وأكثر من 300 ألف صوت! ومن ميزات هذه الانتخابات أن الوطني هاجم بقوة وعلي المكشوف هذه المرة الخاسرين الأربعة في القاهرة ودمياط والجيزة، واتهمهم بالابتعاد عن الناس وعدم التواصل والاستعداد لها، ليكشف الحزب عن نقائص في عملية التحرك، وتزامن ذلك مع الاتهامات التي وجهتها المعارضة إلي الحزب الحاكم بأنه ضحي برجاله الأربعة في إطار صفقات وصفوها بأنها مكشوفة لتوصيل أربعة من قيادات المعارضة لمجلس الشوري، رغم أنه كانت تحاصر الأمر كله شبهات الانقلاب الحزبي علي المرشحين غير الملتزمين كما يقول هؤلاء المهزومون، والذي وصل الأمر بأحدهم «أحمد سميح» الذي سقط أمام موسي مصطفي موسي زعيم حزب الغد في الجيزة إلي توجيه اتهامات مباشرة للحزب الحاكم بأنه سبب خسارته، واضطر قاضي اللجنة إلي وضع الكلابشات في يد سميح بعد تطاوله واستمراره في التجاوزات دون استماع إلي التحذيرات المتكررة! وتتصاعد وتيرة المواجهة بين الوطني ومرشحيه السابقين والمنشقين ليضاف إلي ملفات المعاقبين أسماء جديدة، خاصة أن هناك عددا غير مسبوق من المفصولين خلال الاستعداد للانتخابات من غير الملتزمين، ومن المتوقع أن تكون هذه المواجهة غير تقليدية كما كانت الانتخابات كلها، خاصة أن أمانة القيم في الحزب ستتحرك هذه المرة بالجدية المطلوبة كما أكد لنا المستشار محمد الدكروري! وحاولنا معرفة التفاصيل والخطوة القادمة من المرشحين الأربعة الساقطين، لكنهم لا يزالون يعيشون أجواء الإحباط والحزن ويفضلون الابتعاد عن الأضواء لفترة، وأغلقوا موبايلاتهم، بينما لا يصدق مرشحو المعارضة الأربعة هذه المفاجآت، خاصة أن أحدهم «محسن عطية» أمين التنظيم المفصول من الحزب الناصري لعدم التزامه الحزبي، تمكن من إسقاط نائب الجمالية رغم أنه لم يتمكن من جمع أي عدد من الأصوات في الانتخابات المحلية التي خاضها منذ عامين! ومن ناحيتهم لم يجد الوفديون تبريرا لخسارتهم المخزية في مرشحيهم العشرة، إلا أنهم اعتبروها دليلا علي عدم وجود أي صفقة بينهم وبين الوطني كما ردد خصومهم، والتي وصلت القضية بهم إلي النائب العام، وتم التحقيق عدة مرات مع قيادات الجريدة الخاصة «المصري اليوم» التي تشفت في محمود أباظة بعد سقوطه بفارق 200 صوت أمام السيد البدوي في انتخابات رئاسة الحزب، والتي حملها المراقبون مسئولية انهيار الحزب في الانتخابات وتأثره في استعداداته بشكل وافر، خاصة أن قيادات الحزب لم يشاركوا في المؤتمرات الانتخابية لمرشحيهم سوي قبل 48 ساعة من يوم الانتخابات، وبالتأكيد سيتم تعويض الحزب المعارض في التعيينات، رغم أن الجرائد الخاصة تحاول توريط البدوي في مواقف مثيرة منها ما استقولوه فيه عندما استنطقوه ليقول إنه يفضل أن يكون أقلية في البرلمان بشرف بدلا من حصد المقاعد بصفقة! ووسط ذلك كله كان علي اللجنة العليا للانتخابات أن تكون أكثر تشددا في العقوبات مع المتجاوزين قبل العملية الانتخابية، حتي لا يصل بنا الأمر إلي ما وصلنا إليه، من حالات ضرب نار وتجاوزات وخناقات، وكان من الضروري أن تحسم الجدل الدائر حول الاتهامات المباشرة من العديد من القوي السياسية بالتزوير والتسويد والتقفيل، خاصة أن السكوت يمكن أن يثير القيل والقال، ولم يكن من الأفضل أن تنتظر إلي أن يتحرك قيادات القضاة في المحافظات للرد علي هذه الاتهامات التي رددتها الفضائيات والجرائد الخاصة والبرامج المؤيدة لهذا اللوبي ومنها برامج في التليفزيون المصري. ومن السمات البارزة في هذه الانتخابات، فوز المرشحين الأقباط بنسبة 100%، بعد أن حصل «عيد لبيب» علي 241 ألف صوت في المنيا، واكتسح العمدة ملاك دائرته وحصل مالك يعقوب مرشح العمال في أسيوط علي 151 ألف صوت، بينما كان سقوط نائب الجزمة الإخواني أشرف بدر الدين بحصوله علي 12951 صوتا فقط في دائرة أشمون، أيضا المرشح القبطي الذي تاجرت به المحظورة «نبيل سدراك» ونفي هو واتهمته بحرقة، وحصل فقط علي 6 آلاف صوت في أسيوط. في السياق ذاته أصدرت لجنة تقييم الأداء الإعلامي لانتخابات الشوري تقريرها الثاني والذي ركزت فيه علي الإشادة بحملة «شارك وانتخب»، رغم الانتقادات التي وجهت إليها وبالأخص الإعلان الذي يتحاور فيه المواطن مع نفسه بطريقة حادة وكأنه في تحقيق علي الطريقة الأمريكية، واعتبرها المتابعون تجاوزا في حق الناخب وتحميله كل المسئولية دون التعرض لأي مقصد آخر، لكن التقرير رصد تجاوزات في عدم التزام قنوات المحور والأون تي في والأوربت في فترة الصمت الانتخابي، وبث القناة الثالثة وقناة نايل لايف لمداخلات ترتبط بالانتخابات، ومقدمة برنامج بلدنا بالمصري التي سخرت من مرشحي الوطني ومقدم برنامج القاهرة اليوم الذي تنبأ بنتائج الانتخابات وتناولها بسخرية وعدم التشجيع علي المشاركة، وأحال وزير الإعلام التقرير إلي مجلس إدارة المنطقة الإعلامية الحرة للتعامل مع ما ورد به، وأحال تجاوزات القناة الثالثة والنايل لايف لرئيس الاتحاد لمحاسبتهما، لكن نشك أن هذا سيحدث.