2 بيولوجيين وتوفى آخر.. أبرز المعلومات عن أبناء كريستيانو رونالدو وجورجينا    خماسي يتقاسم صدارة الهدافين.. تاريخ مواجهات الزمالك والمقاولون العرب قبل مباراة الدوري    الأمم المتحدة: أكثر من 100 طفل قضوا جوعا في غزة ودعوات عاجلة للتحرك    رئيس إسكان النواب: مستأجر الإيجار القديم مُلزم بدفع 250 جنيها بدءا من سبتمبر بقوة القانون    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على حي تل الهوا بمدينة غزة    ترامب يمدد الهدنة التجارية مع الصين لمدة 90 يوما    اليوم، إعلان نتيجة تنسيق المرحلة الثانية 2025 بالموقع الإلكتروني، اعرف الموعد    شاهد، كيف احتفى جنود إسرائيليون بقصف وقتل مدنيين فلسطينيين عزل في غزة (فيديو)    انخفاض أسعار الفراخ الأبيض في أسواق أسوان اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    فلكيًا.. موعد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر و3 أيام إجازة رسمية للموظفين (تفاصيل)    نائبة وزيرة التضامن الاجتماعي تشهد إطلاق مبادرة "أمل جديد" للتمكين الاقتصادي    اليوم، إعلان النتيجة الرسمية لانتخابات مجلس الشيوخ والجدول الزمني لجولة الإعادة    نتيجة تنسيق المرحلة الثانية أدبي.. الموقع الرسمي بعد الاعتماد    الخارجية الروسية: نأمل في أن يساعد لقاء بوتين مع ترامب في تطبيع العلاقات    أنس الشريف وقريقع.. مما يخاف المحتل ؟    غارات واسعة النطاق في القطاع.. والأهداف الخفية بشأن خطة احتلال غزة (فيديو)    وسائل إعلام سورية: تحليق مروحي إسرائيلي في أجواء محافظة القنيطرة    سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 12-8-2025 مع بداية التعاملات الصباحية    سعر الريال السعودي أمام الجنيه اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025 قبل استهلال التعاملات    "كلمته".. إعلامي يكشف حقيقة رحيل الشناوي إلى بيراميدز    وليد صلاح الدين: أرحب بعودة وسام أبوعلي للأهلي.. ومصلحة النادي فوق الجميع    مبلغ ضخم، كم سيدفع الهلال السعودي لمهاجمه ميتروفيتش لفسخ عقده؟    «زيزو رقم 3».. وليد صلاح الدين يختار أفضل ثلاثة لاعبين في الجولة الأولى للدوري    بطل بدرجة مهندس، من هو هيثم سمير بطل السباقات الدولي ضحية نجل خفير أرضه؟ (صور)    مصرع شخص تحت عجلات القطار في أسوان    لتنشيط الاستثمار، انطلاق المهرجان الصيفي الأول لجمصة 2025 (فيديو وصور)    4 أبراج «في الحب زي المغناطيس».. يجذبون المعجبين بسهولة وأحلامهم تتحول لواقع    من شرفة بالدقي إلى الزواج بعد 30 عاما.. محمد سعيد محفوظ: لأول مرة أجد نفسي بطلا في قصة عاطفية    "كيس نسكافيه" يضع الشامي في ورطة بعد ترويجه لأغنيته الجديدة "بتهون"    24 صورة لنجوم الفن بالعرض الخاص ل"درويش" على السجادة الحمراء    بالصور.. أحدث جلسة تصوير ل آمال ماهر في الساحل الشمالي    مواقيت الصلاة في أسوان اليوم الثلاثاء 12أغسطس 2025    تحارب الألم والتيبس.. مشروبات صيفية مفيدة لمرضى التهاب المفاصل    خلاف جيرة يتحول إلى مأساة.. شاب ينهي حياة آخر طعنًا بكفر شكر    موعد مباراة سيراميكا كيلوباترا وزد بالدوري والقنوات الناقلة    حزب شعب مصر: توجيهات الرئيس بدعم الكوادر الشبابية الإعلامية يؤكد حرصه على مستقبل الإعلام    التحفظ على أموال وممتلكات البلوجر محمد عبدالعاطي    وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية يعقد اجتماعاً موسعاً لمتابعة الأداء وتحسين الخدمات الصحية    أبرزها الماء والقهوة.. مسببات حساسية لا تتوقعها    "بلومبرغ": البيت الأبيض يدرس 3 مرشحين رئيسيين لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي    19 عامًا على رحيل أحمد مستجير «أبوالهندسة الوراثية»    أصالة تتوهج بالعلمين الجديدة خلال ساعتين ونصف من الغناء المتواصل    د. آلاء برانية تكتب: الوعى الزائف.. مخاطر الشائعات على الثقة بين الدولة والمجتمع المصري    محكمة الأسرة ببني سويف تقضي بخلع زوجة: «شتمني أمام زملائي في عملي»    رئيس «الخدمات البيطرية»: هذه خطط السيطرة علي تكاثر كلاب الشوارع    نجم الأهلي السابق: صفقات الزمالك الجديدة «فرز تاني».. وزيزو لا يستحق راتبه مع الأحمر    استغلي موسمه.. طريقة تصنيع عصير عنب طبيعي منعش وصحي في دقائق    «مشروب المقاهي الأكثر طلبًا».. حضري «الزبادي خلاط» في المنزل وتمتعي بمذاق منعش    انتشال سيارة سقطت بالترعة الإبراهيمية بطهطا.. وجهود للبحث عن مستقليها.. فيديو    كيفية شراء سيارة ملاكي من مزاد علني يوم 14 أغسطس    حدث بالفن | حقيقة لقاء محمد رمضان ولارا ترامب وجورجينا توافق على الزواج من رونالدو    أخبار 24 ساعة.. 271 ألفا و980 طالبا تقدموا برغباتهم على موقع التنسيق الإلكترونى    إطلاق منظومة التقاضى عن بعد فى القضايا الجنائية بمحكمة شرق الإسكندرية.. اليوم    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    أنا مريضة ينفع آخد فلوس من وراء أهلي؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    هل يشعر الموتى بالأحياء؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ الأقصر يبحث مع وفد الصحة رفع كفاءة الوحدات الصحية واستكمال المشروعات الطبية بالمحافظة    أمين الفتوى: الحلال ينير العقل ويبارك الحياة والحرام يفسد المعنى قبل المادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوزراء العاجزون.. في حكومة المستشارين!

لا أجلس مع وزير إلا وأجد لديه ملاحظات علي الأداء .. وانتقادات للأسلوب .. وأفكارا عريضة لاتجد طريقها إلي النور .. وأحلاما كبيرة لاتتجسد علي الأرض .. ومقارنات مدهشة مع دول أخري .. ما يدفعني إلي التساؤل: إذا كان أصحاب السلطة المفترض فيهم القدرة علي التنفيذ والانطلاق لديهم هذا الشعور بالعجز في مواجهة التحديات .. فكيف بالآخرين ؟.. بالأحري أين تكمن المشكلة .. إذا كانت هذه الأفكار المتقدمة كلها موجودة لدي عدد مهم من أركان الحكومة .. ولكنها لاتتحقق ؟
ولست أستخدم كلمة (العجز) هنا للمرة الأولي .. فقد أشرت إلي توصيفي هذا في لقاء أخير تفضل بعقده رئيس الوزراء مع عدد من رؤساء تحرير الصحف القومية .. وفق تقليد متبع .. يترسخ بمضي الوقت .. حيث دار نقاش متنوع وشامل حول الحال العام .. والتحديات التي تواجه البلد واقتصاده .. والمعضلة التي يجدها رئيس الوزراء مهمة .. وهي: إن المزاج العام قد لا يكون طيبا .. في حين أن هناك تقدما يحدث .. والحال تغير كثيرا.
وأتفق مع هذا الرأي: نعم الحال تغير كثيرا بالفعل . لايمكن مقارنة أوضاع مصر الآن .. بما كانت عليه منذ خمس سنوات .. ولايمكن القول بأن الصورة الحالية لمستوي التنمية في البلد تقارن بما كانت عليه الأمور قبل ثلاثين عاما .. ولكن المسألة مليئة بالمفارقات والتناقضات التي لاتجعل العقل قادرا علي أن يتجاوزها .
الطريق والأنبوبة
مثلا: بلد استطاع في وقت وجيز أن يشق طريقا مهولا وتاريخيا وغير مسبوق .. مهد المسافة بين سوهاج والبحر الأحمر .. واختصرها من سبع ساعات إلي ثلاث ساعات فقط .. وكان عملا صعبا في قلب الجبال وصخورها الصلدة .. حتي أن عددا من الوزراء يصفون هذا الطريق الرائع بأنه (وصلة) .. في حين أنه يساوي المسافة بين القاهرة والعلمين .. نحو (295 كيلومترا).
بلد حقق هذا الإنجاز قبل أيام .. هو نفسه الذي تجده يواجه أزمة غريبة ومثيرة في توزيع أنابيب البوتاجاز في فصل الشتاء .
هذا البلد نفسه، يمكنه ببساطة أن ينشئ واحدة من أهم القناطر في نجع حمادي، ويضع فوق النيل عشرات من الكباري والجسور في أزمنة قياسية، ويشق الترع لمسافات طويلة بما يفوق ما تحقق طيلة عقود، ويستصلح مئات الآلاف من الأفدنة، ويؤسس 22 منطقة صناعية جديدة في أقل من عشرين سنة .. ورغم كل هذا لايستطيع أن يضمن مستوي خريج الجامعة .. ويتأكد من كفاءته وصلاحيته لسوق العمل!
دعك من البلد بإجماله .. الحكومة الحالية بلغت قبل عامين معدلات نمو غير مسبوقة (7%) .. وهي السبب الآن في أن مصر من الدول القليلة في العالم التي يمكنها أن تسجل معدل نمو إيجابيا (5%)، واستطاعت بإدارة أصول الدولة وحل المشكلات المالية لشركات القطاع العام أن تسدد 29 مليار جنيه من ديونه ولم يبق إلا أربعة مليارات جنيه سوف تسدد قريبا .. ولكنها لاتقوي علي أن تزيل مجموعة من العمارات في عزبة الهجانة .. وتبقي العشوائيات متحدية للقانون!
نحن المواطنون ننفق عشرات المليارات في بناء أحياء كارثية بلا خدمات ونفعل ذلك أمام أعين القانون .. ولدينا نحو 20 مليون فرد في المدارس والجامعات .. وحين هجمت أزمة المياه النقية انتفض البلد وشيد المحطات في كل مكان حتي تلاشت الشكاوي .. ثم فجأة اكتشفنا أن توريد المياه النقية يحتاج إلي إنفاق مليارات جديدة علي تمويل مشروعات الصرف الصحي .. إذ أين يتم صرف الفاقد والتالف من استهلاك تلك المياه النقية؟!
وهكذا .. عشرات من التناقضات .. لكن المفارقة المؤلمة والمحبطة تكمن في أننا نري دولا لم تكن شيئا قبل عشرين سنة .. أصبحت نمورا وسباعا .. وتحقق تطورا اقتصاديا مذهلا .. وتنتقل من مرحلة إلي أخري .. في حين أننا لم نزل نواجه ذات المشكلات.. رغم الجهد المبذول والإنفاق المهول .. فأين تكمن إذن المشكلة ؟.. لماذا تقدمت دول آسيوية في حين أن هذا لم يتحقق بنفس الدرجة في مصر .. لماذا ينجحون ونحن نتفرج عليهم بإعجاب .. وتسمع الوزراء العائدين من رحلات خارجية مختلفة يقولون إن هذه الدولة فعلت .. وتلك الدولة حققت .. ومن ثم تتساءل : إذا كان الوزراء يعجبون بما يرون فلماذا لايقدرون علي تنفيذ تلك الأحلام في مصر ؟!
أمراض الحرية
وإذا كنت قد سجلت وصف (العجز) أمام السيد رئيس الوزراء .. أكشف أيضا أنني سمعت تعبير (مجلس المستشارين) من بعض الوزراء .. يعلقون به بسخرية واصفين الحكومة التي ينتمون إليها .. كما لو أنهم يتكلمون فقط .. ويقولون فقط .. وكما أنه لا توجد في أيديهم سلطة التنفيذ .. في حين أنني - وكتبت من قبل - أري أن هذه هي أقوي حكومة في تاريخ مصر .. وأن لها أقوي رئيس وزراء في تاريخ مصر .. وقد بررت ذلك حين رصدت الصلاحيات القانونية والدستورية والسياسية التي يتمتع بها رئيس الوزراء مقارنة بسابقيه.
لا يمكن أن نقول إن هناك مشكلة سياسية - كما لاشك سوف يسارع البعض من المعارضين لكي يحللوا الأمر، أو أن هناك عيبا بنيويا في النظام السياسي يقتضي تعديلا دستوريا والإطاحة بالإدارة الحالية، كما سوف يقول بعض آخر .. ذلك أن التقدم الذي حققته كثير من الدول الآسيوية لا علاقة له علي الإطلاق بالتطوير السياسي .. وبعضها لايزال يرفل تحت نير نظم حكم لاتحترم أي حقوق للإنسان .. وحالتها إذا ما قارناها ببعض الدول العربية تبدو جحيما .. فمابالك بمصر .. التي يمكن لأي فرد فيها أن يقول ما يشاء وأن يقرر التظاهر غدا بدون أي استئذان أمام مجالس الوزراء والشعب والشوري .. بمنتهي البساطة .. وهو ما يحدث تقريبا يوميا.
بل إن بعض التشخيصات تري أن الحرية التي أتيحت في مصر قد تكون هي أحد العوامل التي أدت إلي تأخير نضوج عملية التنمية إن لم يكن تعطيلها .. وأنه كان الأولي أن نؤجل هذه المساحات البعيدة إلي ما بعد تمكن الدولة بقبضة حاكمة من اتخاذ قرارات صعبة تفرض فرضا علي المجتمع .. فيقبلها .. أو يرضخ لها .. وبعد أن تتبلور النتائج تكون الخطوة التالية هي التطوير السياسي .. الذي يرون أنه يلي التطور الاقتصادي والاجتماعي.
سوف يكون النقاش حول هذا الأمر نوعا من الترف . فقد سبق السيف العزل . وجاءت الحرية التي أنتجت صحفا يمكن أن تعطل مصنعا وتساند فاسدا وتنشر الأكاذيب وتضخم الأزمات وتروج الشائعات وتحرض الناس .. وتقيد أي قرار ولو كان فيه الصالح العام .. هذا واقع أصبح موجودا .. لا يعني رصده أنني أقبل به .. أو أنني أطالب بتكميم الأفواه .. فأنا أحد المستفيدين من الأجواء الحالية ومهنتي لن تزدهر في غير مناخ الحرية .. ولا أعتقد أنه كان يمكن في حالة أخري أن أصف الوزراء بأنهم عاجزون أو تحولوا إلي مستشارين .. بل لم يكن يمكنني أن أكتب ما أكتب الآن من الأصل.
لكن المؤكد حتما أن تنمية مصر وتطورها يعاني من مناخها السياسي .. وأن التفاعل المطلوب بين الناس وبين الإنجاز الذي يمكن رصده علي أرض الواقع يتعرقل بسبب الاستغلال السيئ والمدمر لحرية التعبير .. ففي مصر محطات تليفزيون يمكن أن تساند مظاهرات ممن ضربوا عرض الحائط بالقانون وتدعمهم ماداموا وقفوا ضد الحكومة بدون أي تعقل .. وفي مصر صحف يمكنها أن تساند مستثمرا ناضل من أجل أن يحصل من البلد علي تعويض عن أرض سحبتها الدولة لأسباب تتعلق بالأمن القومي .. وفي مصر يمكن أن تجد حركات سياسية تقف ضد إجراءات حماية الأمن القومي علي الحدود .. فتجد الدولة نفسها في حالة دفاع وتواجه اتهاما بالخيانة للقضية القومية من قلب بيتها .
تمويل الأسواق
الدول الآسيوية التي تتقافز فوق مؤشرات التطور الاقتصادي والاجتماعي وتصعد من نقطة إلي نقطة تحكمها منذ زمن وحتي الآن أنظمة لا يمكن أن تدرج تحت وصف الديموقراطية .. ولديها قبضة حديدية تفرض علي سكان مدن ما أن يقبلوا بإزالة مساكنهم في لحظة .. لكي يبني مكانها مشروع استثماري ضخم دون أن تواجه الحكومة اتهاما بأن هذا يتم لصالح أحد الكبار .
والدول الأوروبية الشرقية، التي دخلت أنفاق الفوضي في لحظة، وانهارت في ساعات، تقدمت في غضون عقدين، لأنها وجدت إلي جانبها تمويلات مهولة من أوروبا الغربية التي خشيت من انتقال الفوضي إليها، وقررت أن تنفق مئات المليارات في تعمير وإعادة استقرار أفنيتها الخلفية .. خاصة أن تلك الدول سوف تكون سوقا لبضائع غرب أوروبا بالتدريج وهو ما كان .
والدول البترولية العربية وهي ليست نموذجا في الازدهار السياسي، أنفقت أموالا طائلة من ريع ثروة باطن الأرض التي أنعم بها عليها الله، وراحت تعمر الصحاري وتبني طوال الوقت، بدون قيد أو شرط، حيث لا توجد أجهزة للمحاسبة والمتابعة، وفي ظل عدد سكان قليل، واعتمادا علي قوة عاملة تلقت تعليمها في دول أخري .. فلم تنفق الدول المستفيدة من طاقة تلك العمال استثمارات علي التعليم إلا في السنوات الأخيرة .. وبعد أن ترتبت أمور كثيرة .. وراحت بعضها تضرب الأرقام القياسية في الإنشاءات.
ذكري عمر أفندي
الأوضاع السياسية إذن ليست هي التي تقود إلي عملية تنمية ومرحلة نهوض جبارة . وإذا كان تطورنا السياسي قد انطلق وقطع مسافات بعيدة فإن علينا أن نديره بطريقة تحفظ إيقاعه .. ولا تجعله يفرض علينا مزيدا من المعوقات التي تؤدي إلي تأخير إضافي .. ووقت ضائع في مزيد من الهزر والشد والجذب.
علي سبيل المثال فإن عملية بيع شركة عمر أفندي استنفدت شهورا طويلة من الجهد السياسي ولاتنازع مع أصحاب مصالح عبر عنهم عدد لا بأس به من نواب مجلس الشعب .. وأمواج عاتية من التخوينات الصحفية والتليفزيونية .. ولم يكن الجدل الدائر حول الموضوع ينظر علي الإطلاق إلي الجدوي الاقتصادية .. وإنما يتاجر بالحنين .. في حين أن أفرعا في الشركة لم يكن يمكنها أن تحقق ربع ما تحققه بوتيكات خاصة صغيرة من الأرباح .. وهو ما لم يضع له أحد اعتبارا أبدا.
إن واقعة عملية بيع عمر أفندي وعرقلتها التي استمرت أشهرا .. سوف تظل أيقونة تذكارية خالدة تنبهنا دائما إلي حجم الإعاقة التي تتعرض لها عملية التنمية في مصر .. وكيف يضع بعض المصريين العصي في الدواليب .. فلا نتقدم خطوة وإنما نتراجع خطوات.
ولا أريد بهذا المثال أن أخلي مسئولية الحكومة التي تضم عددا ممن أسميهم المستشارين .. بل إن إحدي مشكلاتنا تكمن في أن الحكومة لاتستجمع إراداتها وترتضي المواجهة .. وتصر علي التعامل مع المواقف بوضوح وصرامة مطلوبة .. ويمكن القول إنها استمرأت التحسب والخوف .. ولديها خشية من أمور ما .. فتقدم رجلا وتؤخر أخري .. ويبدو الموقف في كثير من الحالات كما لو أنها تتراجع أمام أي انتقاد .. وتفر من أي هجوم .. مع أن من المفترض أنها اعتادت علي هذا الذي تكثفت حالته في المجتمع.
الحوار المجتمعي
ولأن قوي في هذا البلد تدرك هذا الوضع من الخشية فإنها تستغله .. وبسرعة تظهر للحكومة عين إعلامية وسياسية حمراء .. وهي موقنة من أن أي طلب إحاطة .. وأي مقال في أي جريدة .. سوف يعطل القرارات ويجعلها قيد الأدراج والتأجيلات .. وتنصرم الأشهر والسنوات .. ويتأخر التقدم يوما تلو آخر.
وأخطر مظاهر هذه الحالة هو ما يوصف بأنه (الحوار المجتمعي) .. الذي أصبح وسيلة تتيح تعطيل أي مبادرة وعرقلة أي فكرة شجاعة .. فما أن يسمع البعض عن هذا الحوار حتي يتأكد أن الحكومة نفسها غير متفقة علي رأي .. وأنها إنما تخشي من ردود الأفعال .. ومن ثم يكشف (الحوار المجتمعي) غالبا عن آراء رافضة .. ومواقف محتجة .. وتحذيرات تزرع الشك في أي توجه .. ويمضي الوقت .. وتدخل المبادرات في غياهب النسيان.
علي سبيل المثال تجد أن المجتمع في حالة حوار مجتمعي حول موضوع الدعم منذ سنوات .. بينما الميزانية تنزف سنويا عشرات المليارات التي لايستفيد منها المستحقون .. ويقال لك إن الدعم بطريقته الحالية باقٍ للحفاظ علي الأوضاع الاجتماعية للمحتاجين .. ثم تكتشف من خلال دراسات متعمقة أن هناك قطاعات مهولة من أولئك المحتاجين لا يحصلون علي شيء مما أنفق من أجلهم.
من المؤكد أنني لا أدعو إلي تجاهل الرأي العام . ولا أطلب حكومة باطشة . ولا أريد دولة غاشمة تفعل ما تشاء في أي وقت، بل علي العكس إن لدينا في البلد آليات مهمة للمحاسبة والمراقبة .. ومقوما أساسيا في استقرار المجتمع أنه يقوم علي توازن اجتماعي دقيق يحتسب لمصالح الناس من مختلف فئاتهم.
لكن ما أقصده هو أن تلك الآليات إنما وضعت ليس فقط من أجل منع اللصوصية والفساد وإنما لكي تضمن شفافية عملية اتخاذ القرار وتذكير صانعه بوجود المحاسبة .. والقاعدة هي أن القرار بريء إلي أن يثبت فساده .. غير أن الواقع الحالي هو أن القرار فاسد إلي أن تثبت براءته .. وأنه يخدم مصالح خاصة إلي أن يتمكن المتهمون - وهم هنا أصحاب القرار - من أن يؤكدوا أنهم يعملون من أجل الصالح العام .. والوزير يوضع في القفص قبل أن يصدر الحكم.. بل قبل أن يبدأ التحقيق .
القاعدة المفترضة هي أنه لابد أن يكون لأي حوار مجتمعي معايير وأهداف وأجندة زمنية .. وبحيث لايسمح وجوده وتفاعلاته لمن يقاومون أي تطوير بالازدهار وفرض أنفسهم علي القرار .. بحيث أصبحنا نري أن هناك أكثر من حكومة ظل .. صاحبة صلاحيات .. في مواجهة الحكومة الشرعية .. الثانية تصدر القرار أو تفكر فيه والأولي تعطل القرار وتمنع أصلا التفكير في أسسه وأهدافه .
أصحاب ا لمصالح
ولا أريد أن نذهب إلي مسافة قريبة في تخيل من هم أصحاب المصالح الذين يعطلون أي قرارات تقود إلي التنمية والنهضة .. بل إن علينا أن نذهب بعيدا جدا .. هذه المصالح وأصحابها قد تجدها عبارة عن مجموعة من المستفيدين من أنظمة أجور ومكافآت في وضع بيروقراطي مؤسف داخل ديوان إحدي الوزارات .. فلا يمكن لوزير ما أن يتحرك لكي يطور النظام الإداري .. حتي ينطلق .. كما قد تكون مجموعة من قوي البيزنس في السوق التي تخسر من انفتاحه وظهور المنافسين فيه .. وقد تكون أيضا مجموعة من الوزراء ضد زملائهم الوزراء .. لا يريدون لهم أن يحققوا إنجازا ما .. فترتفع أسهمهم السياسية .. ويتقدم هذا علي ذاك .. وبالتالي نحن أمام حكومة تجد من يعطلها من خارجها ومن داخلها .. وهناك أمثلة كثيرة ولدي علي كل مثال عديد من الوقائع.
وفي المجتمعات الديموقراطية التي تقوم علي قاعدة (التوازن والمحاسبة) .. والتي نقتدي بها .. أو نامل أن نكون مثلها .. لا يمكن لهذا التوازن أن يخل بقدرة القرار علي تحقيق أهدافه .. أو تؤدي المراقبة إلي تعطيل التصورات المستقبلية وإصلاح أخطاء سقيمة .. وموروثات تشبه أكياس الرمل في أقدام التنمية والنمو .. وهناك أفق ظاهر لكل خطوة .. ولحظة أخيرة يتقرر فيها التنفيذ والتأكد من أن كل قرار له مستفيدون وخاسرون .. والمضي فيه .. وخوض المعارك من أجله .. وفي هذا فإن القانون يتيح لصاحب القرار أن ينطلق وأن يتحمل مسئوليته .. ويحاسب عليه بعد تطبيقه.
لكن القانون في مصر بدلا من أن يكون منظما لعملية التفاعل بين الأطراف المختلفة .. ومحددا للقواعد .. ومحصنا للقرار .. فإنه يمكن له ببساطة أن يكون عكس هذا في كل وقت .. وببساطة شديدة جدا . والبوابة الأهم لهذه الفجوة ولا أقول الثغرة هي القضاء الإداري الذي صار الوسيلة الأهم لتقييد الحكومة إلي درجة الاختناق .. بدءا من تنظيم عمليات الترقي في الجهاز الإداري للدولة .. وصولا إلي القرارات السياسية التي تجدها فجأة محل نزاع أمام المحاكم .. وأي مواطن عابر يمكنه أن يرفع قضية ويستصدر حكما ويطالب بتنفيذه.
موظف تكاسل في سنة من سنوات خدمته لايمكن لرئيسه أن يعاقبه . ويذهب إلي المحكمة ويترقي . وإذا ما فصل لأنه يغيب أشهرا فإنه يعود إلي عمله ويقبض راتبه.
جامعة تصدر قرارا بأنه ليس علي الطالبة أن تحضر الامتحان بالنقاب .. تذهب إلي المحكمة وتحصل علي أحقيتها بأن تخالف القواعد التي وضعتها الجامعة .. وتمضي الإدارات القانونية في إنفاق المال والجهد من أجل الرد علي الحكم واستئنافه وتتعطل عملية الامتحانات.
الدولة تصدر قرارا بتصدير الغاز إلي إسرائيل .. فيذهب سفير سابق إلي المحكمة لكي يطعن في ذلك القرار .. ويكون موضوعا يخص المصالح القومية محل تنازع في القضاء الإداري. عشرات من الأمثلة تثبت هذا الواقع المؤلم . أن الحكومة لاتحكم حقا . وأن المتقاضين أمام القضاء الإداري يمكنهم ببساطة أن يوقفوا الدولة في لحظة .. ويكبلوها .. والمدهش أن القوانين التي يتم الاستناد إليها تحتاج إلي عديد من النظرات التي لاتقوم بها جهات التشريع .. وأن القضاء نفسه بطيء جدا .. وأن حق التقاضي يتم استغلاله دونما أي ضابط يحميه هو ذاته من إساءة استغلاله.
عراقيل إضافية
إذن ضع كل العراقيل إلي جانب بعضها لكي تتجمع أمامك الصورة: صحافة معطلة، وتليفزيونات مهيجة، وسياسيون ابتزازيون، وأصحاب مصالح يدافعون عن مكاسبهم، ووزراء غير متعاونين، وقضاء إداري يساء استخدامه الحق في التقاضي أمامه، وقوانين تحتاج إلي إعادة نظر .. ومشكلات متراكمة أمام حكومة خائفة .
ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد .. ففي الطريق كذلك مجموعة من أهم العقبات التي تؤدي إلي تعثر أي حلم وتدفن أي طموح .. ومنها ما يلي:
- زيادة عدد السكان دون ضابط أو رابط .. وحتي هذه المشكلة تحتاج إلي قدر هائل من الشجاعة في التعامل معها .. لكنها تواجه إما تراخيا حكوميا أو حوارا مجتمعيا معلنا لا يؤتي ثماره ولايصل إلي حل .. فضلا عن رؤي عقيمة تعتقد حتي الآن أن بإمكاننا أن نواصل النمو السكاني بما يزيد من طاقتنا البشرية .. وهي رؤي تؤمن بأن تلك الطاقة البشرية هي أحد عناصر القوة وليس خصما منها.
- مشكلة ثقافية مذهلة ومعقدة .. تم تجاهلها رغم أنها الأكثر إلحاحا .. تؤدي إلي تراجع الإيمان بأهمية النجاح في القطاع الخاص .. وترسخ في ذهن الناس الحق في الحصول علي كل الخدمات مجانا وبلا مجهود أو ضوابط .. وتدفع قطاعات مختلفة إلي الإيمان بأن الحكومة هي الأب والأم وهي المسئولة عن كل شيء .. وأن القطاع العام حتي لو كان فاشلا هو الحصن المقدس الذي لايجوز الاقتراب منه .. وعشرات من الأمور الأخري التي تؤدي إلي بيئة تخنق أي تطوير.
- ويرتبط بهذه المشكلة الثقافية خطاب ديني أخروي .. ويدفع إلي التطرف .. والركون إلي التواكل .. وفقدان قيمة العمل والجهد .. وتكفير الحاكم أحيانا .. والسماح بنشوء الطائفية التي تفجر الاستقرار .. وغير هذا من المشكلات التي لم يتصد لها رجال المؤسسات الدينية.
- تضارب الأولويات .. والجنوح إلي تلبية المتطلبات علي أساس التخوف من المبادرات .. وبما يؤدي إلي نشوء مشكلات، بينما تكون هناك إنفاقات مالية قد وجهت إلي أمور أخري . ومن ذلك علي سبيل المثال توجيه الأموال في الميزانية إلي الدعم بمختلف أنواعه .. وعدم تخصيص قدر كافٍ من التمويل لخدمات التعليم والصحة التي يمكنها أن تحقق نقلة نوعية في التطوير المجتمعي .. ومعالجة مشكلات كثيرة تتفجر من حين إلي آخر.
- عدم تبني الحكومة لمشروع جامع .. تلتئم فيه المتناثرات المختلفة .. التي تجعل هناك سياقا شاملا لعملية تنموية متعمقة .. وطموح نهضوي .. ينقلها من مرحلة كونها حكومة (إطفاء نار المشكلات) أو علي أقصي تقدير (حكومة تسيير أعمال) .
كل ما سبق هو بعض قليل من الأسباب التي تؤدي إلي ظاهرة الوزراء المستشارين .. خبراء في حكومة تملك السلطة .. عاجزون عن صنع التقدم .. يتكلمون عن الأحلام كما يفعل المواطن العادي .. وقد كنت أريد أن أحمِّل المسئولية إلي الحكومة وحدها .. لكن للأسف الأمر يمتد إلي ملفات وأمور أبعد منها .. وصولا إلي المواطن الذي يحلم بالنهضة وهو أول أسباب تعطيلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.