الإذاعة المصرية فقدت بريقها منذ فترة طويلة ترجع لأكثر من 15 عاما، وفي ظل غياب الإذاعات العامة والخاصة خرجت علينا إذاعة نجوم fm صحيح أنها إذاعة خاصة لكنها كانت البديل الذي يتحدث باسم الإذاعة المصرية حتي طلت علينا إذاعة «راديو مصر» التي شدت انتباه الناس إليها وجذبت أسماعهم للدرجة التي هزت فيها مكانة إذاعة نجوم fm ورغم أنني لست مع هذا الاتجاه المتمثل في القضاء علي شيء لصالح شيء آخر خاصة أن الحياة تتسع للجميع أن يكون هناك إذاعة مصرية تستعيد عرش الاستماع وتتحدث باسم مصر، هذا ما يبعث السعادة في النفوس ولابد أن يرجع الفضل هنا لأصحابه الذين صنعوا من مجرد مشروع علي الورق كياناً له اعتباره، بل منافساً قويالإذاعات كثيرة خاصة وعامة رسمية وغير رسمية وهو ما يجرنا إلي نقطة مهمة يجب الالتفات إليها وهي أن هذه الإذاعة الوليدة التي لم تتعد الثالثة من عمرها - أنشئت في 25 إبريل 2009 - هي ليست تابعة للإذاعة بل تابعة لقطاع الأخبار، معني ذلك أن نجاح «راديو مصر» هنا منسوب لقطاع الأخبار، وفشل بقية الإذاعات المتعثرة ينسب إلي الإذاعة العاجزة عن تحريك ساكن لأي من هذه الإذاعات التي تسكن طرقاتها والتي كانت في الماضي ترج مصر كلها بل والعالم العربي وعلي رأسها «صوت العرب» لسان حال العرب و «البرنامج العام» الإذاعة الرسمية الناقلة لكل ما يجري داخل المجتمع المصري و «الشرق الأوسط» تلك الإذاعة التي كانت مبهجة بأصوات نجومها الذين مازالت تعيش في الآذان - «إيناس جوهر» و«محيي محمود» و«سناء منصور» - و«الشباب والرياضة» عشق كل عشاق الرياضة وفي مقدمتها كرة القدم، أين كل هذه الإذاعات التي أصبحت مثل خيل الحكومة لا يحتاج سوي لرصاصة رحمة. الأمر هنا لا يتعلق بثقافة مجتمع بقدر ما يتعلق بجودة المنتج الذي يفرزه هذا الكيان وإلا لماذا اتجهت أسماع الناس الآن إلي «راديو مصر» ومازالت عازفة عن سماع بقية الإذاعات وكلها إذاعات مصرية وبكوادر مصرية وتحت سقف واحد وهو اتحاد الإذاعة والتليفزيون؟ إذن المسألة مسألة عقول تدير وإدارة ناجحة تدفع، ورغم أن قطاع الأخبار هو الذي يدير «راديو مصر» إلا أن هذه المحطة الحالية أبت علي نفسها أن تكون جامدة بجمود مظلتها علي اعتبار أن كلمة قطاع الأخبار معناها سياسة وأحداث معقدة واشتباكات وخلافات وقضايا وغيرها من المواد غير اللينة التي تجافي المستمعين، فراحت ترفع راية التنوع والمرونة فيما تقدمه، خاصة الفواصل التي لابد من شكر صانعها «وليد رمضان» علي إبداعها بتلك الجاذبية التي تميز شكل المحطة، كذلك البرامج وفقرات الربط والبعيدة عن «الهشك بشك» التي كان يرغب مديرها السابق «طارق أبوالسعود» أن يعمم هذا المنهج علي المحطة لولا اعتراض العاملين بها ووقوفهم ضده لرغبتهم في صنع محطة محترمة قادرة علي إعادة المستمع المصري إلي الإذاعة المصرية من جديد، وهو جهد لا تشكر عليه «سهير جرجس» المديرة السابقة للمحطة والتي لم تكمل في منصبها أكثر من عام ولا د.«سيد الجمل» الذي لم يمر علي توليه المنصب أكثر من شهرين وإنما لكتيبة العاملين الذين يبحثون عن التميز والذي أتمني أن تساعدهم فيه إدارة «سيد الجمل» الجديدة مع المحاسبة الشديدة للمقصرين، فالمحطة رغم جودتها تحتاج إلي فلترة من بعض الشوائب التي أتت بهم قيادات سابقة علي رأسها «عبداللطيف المناوي» و «طارق أبو السعود» و«أميمة إبراهيم» وهم لا يجيدون اللغة الإعلامية لا لغة ولا ثقافة ولا صوتا بل هم مجرد كمالة عدد وهو ما تأكدت منه بنفسي من خلال متابعتي للمحطة، ففي برنامج «إصحي للدنيا» الصباحي شعرت ببعض النشاز في الحوار الثنائي بين «محمود الفقي» و «نرمين البنبي» النشاز طبعا من جانب «البنبي»، ف«الفقي» متمكن من أدواته ويعرف كيف يصيغ الجملة وكيف يدير الحوار وكيف يصنع المعلومة وفي كثير من الأحيان كان حائط صد لرداءة مستوي «البنبي» التي تفتقد إلي التركيز أولا، ففي مداخلة تليفونية مع وكيل أول وزارة التربية والتعليم لتناقشه في استمرار مسيرة «محمد حسني مبارك» في منهج الصف السادس الابتدائي بشكل هجومي قال لها: لو كنت كلفت خاطرك وقلبت الصفحة كنت تأكدت من أننا فردنا فصلاً كاملاً عن الثورة، في الوقت الذي لا يليق أن نحذف تاريخاً عمره 30 سنة مهما كانت توابع هذا التاريخ ولا أحد يستطيع أن ينكره بمحاسنه ومساوئه، هو في الأول والآخر تاريخ، أيضا في مداخلتها التليفونية مع أحد ضباط المرور للتحدث عن مشكلة تكدس سائقي الميكروباص بوحدة مرور الجيزة التي انتقلت مؤقتا للدراسة، فرغم تصريح الضابط بأن سبب التكدس تقسيط المخالفات إلا أنها بعد دقيقتين عادت لتسأله مجددا وما سبب تكدس سائقي الميكروباص؟! أين التركيز هنا؟! ثم إنها في مقاطعاتها لزميلها الفقي تظهر سطحيتها وتفسد سير الحوار بكلامها التافه غير المرتب وغير الممنطق!! أيضا فيما يتعلق ب«سارة عبدالهادي» رغم أنها تتعامل مع برنامج من قلب القاهرة بشكل جيد ومتمكنة في الإمساك بخيوطه، إلا أنها في نشرات الأخبار تحتاج إلي تدريب وخلفية ثقافية، أما بالنسبة لنشرات الأخبار بشكل عام فلن نتوقف طويلا أمام فرض مدير عام المحطة د. سيد الجمل نفسه علي النشرات الإخبارية باعتباره المدير العام إلا أنه في النهاية مقدم برامج وليس قارئ نشرة يحتاج إلي صوت مميز وهو ما يفتقده الجمل، ورغم ذلك من الممكن أن نتغاضي عن ذلك مادام يجيد نطق اللغة العربية، لكن ما لا يمكن التغاضي عنه وجود أخطاء فادحة عند البعض سواء في اللغة العربية أو الثقافة الأجنبية والتي تجعلهم عاجزين عن نطق الأسماء الأجنبية بشكل جيد ومخارج ألفاظهم ضعيفة ولديهم حروف «طايرة» - «لدغة» - مثل «أشرف صبري» و«سهام نصار». ما تفتقده «راديو مصر» باعتبارها محطة مصرية لافتة للانتباه هو إبراز دور مصر المحوري في الشرق الأوسط لاستعادة دورها الريادي في المنطقة وإلقاء الضوء علي رموزها في مختلف المجالات ليعرف العالم - إذا كانوا قد تناسوا - أننا مهد الحضارات ومصدريها إليهم كذلك الاهتمام بالغناء الجيد والبعد عن الإسفاف، خاصة الاهتمام برواد الغناء في مصر ليظلوا محفورين في الذاكرة ليكونوا شركاء مع المطربين الشبان في المساحة الغنائية للمحطة بشرط أن تكون أغاني هدفها الارتقاء بالذوق العام. المحطات الإذاعية المصرية الأخري لابد أن تحذو حذو «راديو مصر» في نهضتها الإعلامية التي وصلت إليها رغم حداثة عهدها وأن ينتبه مسئولو الإذاعة إلي أن هناك منافسة لابد أن يدخلوا دائرتها وإلا لن تقوم لهم قائمة في ظل وجود محطات إذاعية قوية مع الوضع في الإعتبار أن يكون التعامل مع راديو مصر بحساسية وحرص شديدين للمحافظة علي نفس المستوي إن لم يكن أفضل حتي لا نفقدها.