تحولت الحوادث الإجرامية إلى موجات متتالية من الموضة.. بدأت بعدد ضخم من سرقة السيارات والتى وصلت إلى حد الظاهرة، تلتها موجة أخرى من حوادث الخطف طلبا للفدية وإن استمرت معنا حتى حادث اختطاف أحفاد إسماعيل عثمان ونعيش حاليا موجة ثالثة من عمليات السطو المسلح على البنوك والهيئات وجميعها قد يكون استغل حالة الانفلات الأمنى من ناحية، لكن هذا لا ينفى عنها شبهة الترتيب أو التنسيق فيما بينها.. فلا يمكن التعامل مع هذه الظواهر الإجرامية دون تمعن فى تواليها وأشكالها وموضاتها. وهو ما يدفعنا لأن نعيد طرح التساؤل على الخبراء الأمنيين بعد أن مللنا فكرة الطرف الثالث دون إجابة واضحة عنه، وإن كان هذا يتضح ما بين السطور. «حادث السطو المسلح على أحد محلات الصرافة بشرم الشيخ والذى راح ضحيته سائح فرنسى، وعدد من المصابين وتعرض بنك HSBC فرع التجمع الخامس، لسرقة مبالغ مالية ضخمة ثم اقتحام مجموعة مسلحة لمكتب بريد حلوان بمنطقة حدائق حلوان والاستيلاء منه على مبلغ 150 ألف جنيه، بعد إشهار الأسلحة النارية فى وجه المارة والعاملين بالمكتب ثم السطو المسلح على سيارة لنقل الأموال بالتبين والاستيلاء على 3 ملايين و200 ألف جنيه من داخلها واقتحام المركز الطبى الملحق به دار مسنين بمنطقة حلوان، والاستيلاء على ما بها من مبالغ مالية وأخيرا تعرض فرع سلسلة محال «كنتاكى» للوجبات الجاهزة بمنطقة مساكن شيراتون لحادث مماثل. اللواء رفعت عبدالحميد مدير إدارة الأدلة الجنائية الأسبق يرى أن تلك الجرائم جزء من مسلسل إجرامى يحدث فى مصر وأنها وقعت فى عدد من الأماكن بهدف نشر الفوضى وتشويه الثورة وتحميلها تبعات ذلك. وأضاف قائلا: الجرائم التى جرت لها أبعاد سياسية وأن هناك العديد من الأدلة الجنائية فى وقائع السطو المسلح الأخيرة تؤكد ذلك.. ففى محاولة لإعادة تمثيل وقائع عملية السطو المسلح سوف نكتشف أن الجناة غير مدربين وغير مؤهلين، يحملون كما من الأسلحة النارية التى لا تتناسب مع هذا النوع من الجرائم. «عبدالحميد» أكمل قائلا: اعتدنا أن نرى فى عمليات السطو المسلح ان التشكيل العصابى لا يزيد على أربعة أفراد فيحدث أن يقوم واحد أو اثنان من المجرمين بجمع الأموال ويقوم الآخرون بالتهديد بالسلاح، ويعتاد أيضا أن تجد معهم أدواتهم مثل شنطة لجمع الأموال ويكون لديهم نوع من الحيطة والحذر.. لكن ما شاهدناه فى مجموعة الجرائم الأخيرة هو أن الجناة يتجاوزون العدد المعتاد فى عملية السطو المسلح وليس لديهم أى خبرة مسبقة ويستخدمون كما من الأسلحة مما يدل على أنهم مدفوعون بأجر لتنفيذ تلك العمليات، فمثلا ستفاجأ بأن المتهمين يطلبون كيس بلاستيك من المجنى عليهم لوضع الأموال التى تم سرقتها، كذلك طريقة حملهم للسلاح يكشف عن أنهم مستجدون على هذا النوع من الجريمة. ويدلل اللواء رفعت على كلامه أن هناك تخطيطا مركزيا لتنفيذ الوقائع الأخيرة بما حدث فى واقعة سرقة بنك «HSBC» حيث هناك تعمد لإعطاء انطباع بأن الجناة من البدو، لصرف الأنظار إليهم والغريب فى ذلك أن يتجه هؤلاء الأشخاص الذين تجاوز عددهم ال5 ومسلحون بأسلحة آلية إلى سيارة جيب سوداء ويخرجون من البنك وهم يهرولون ناحية السيارة التى اتجهت فى طريقها إلى الجيزة. ويضيف: كذلك تكشف طريقة لبس اللثام بأنهم أشخاص غير معتادى الإجرام ويظهر ذلك من طريقة فرارهم وإطلاقهم لطلقات نارية فى الهواء لبث الرعب لدى المارة وكذلك كمية المبالغ التى لا تتساوى مع النشاط الإجرامى. ويؤكد الخبير الجنائى السابق أن كاميرا الشركة المجاورة للبنك البريطانى هى التى قامت بتصوير طريقة هروب المتهمين من مسرح الجريمة وهم يحملون الأموال وأظهرت تساقط الأموال منهم وهذا شىء غريب يجعلك تشعر بأن الجريمة مفتعلة . ويعتقد اللواء رفعت أن الهدف من تلك الجرائم هو إقصاء وزير الداخلية الذى أعلن منذ اليوم الأول أنه وزير للأمن الجنائى ولن تكون له علاقة بالسياسة. ومن جانب آخر العمل على تشويه الثورة وتحميلها تبعات ما يحدث رغم أن الثورة لم تخلق مجرما ولا تصنع جريمة . ويضيف : لقد حدث تحول نوعى لشكل الجريمة بعد ثورة 25 يناير فى الوقت الذى شهدت انخفاضا نسبيا كبيرا لجرائم القتل والجنايات، لكن تحول الجريمة إلى أشكال جديدة لها صدى إعلامى أعطى انطباعا بارتفاع معدل الجرائم بعد الثورة. فى حين يرى اللواء فاروق المقرحى مساعد وزير الداخلية لمباحث الأموال العامة سابقاً فى الوقائع الأخيرة للسطو المسلح على البنوك وشركات نقل الأموال جرائم جنائية قامت بها تشكيلات عصابية نتيجة إحساسها بالانفلات الأمنى واختفاء ثقافة العقاب من الشارع المصرى ويشير إلى أن هناك ظواهر كثيرة تؤكد ذلك خصوصا فى الأسابيع الأخيرة مثل قطع خطوط السكة الحديد واحتجاز رهائن وغلق الهاويس فى الصعيد. وينفى المقرحى أن يكون لذلك تخطيط له علاقة بمطالب الثورة أو تشويها ويدلل على ذلك بعملية السطو المسلح على بنك HSBC بالقاهرة الجديدة، والذى كشفت التحقيقات فيه أن مرتكبى العملية من البدو، ويبلغ عددهم ما بين 5 و 7 أفراد مسلحين بأسلحة آلية. ووصف تلك الجرائم بأنها عمليات مؤقتة لا يستغرق البحث الجنائى فيها أكثر من عشرة أيام. ويطالب المقرحى بأن تعود المؤسسات المالية للاستعانة بالخدمات الأمنية لنقل الأموال لعدم تكرار تلك الجرائم، حيث إن شركات الأمن والحراسة الخاصة أبدت أداء ضعيفا للغاية فى هذا المجال لأن معظمها لا يعمل بجدية ويستعين بأشخاص تتجاوز أعمارهم الخمسين عاما مما يتطلب إعادة خدمات إدارة الحراسات الخاصة بوزارة الداخلية. ويتفق معه دكتور إيهاب يوسف رئيس جمعية الشرطة والشعب الذى يستبعد أى تخطيط متعمد أو أبعاد سياسية وراء ذلك ويرى فى جرائم السطو الأخيرة تسلسلا طبيعيا لحالة التدهور الأمنى الذى نعانى منه منذ 11 فبراير وحتى تولى اللواء محمد ابراهيم منصب وزير الداخلية الذى جاء ليرث ميراثا ثقيلا من خلل جسيم فى جهاز الشرطة من جانب ومن استقواء المجرمين فى الشارع المصرى من جانب آخر. والجرائم الأخيرة - كما يرى د. إيهاب يوسف - كشفت بوضوح عن ظهور فئة أخرى من المجرمين وهى فئة مرتكبى الجرائم (من الهواة المستجدين) تضاف إلى فئة المسجلين خطر ومعتادى الإجرام نتيجة انتشار الأسلحة فى الشارع والإحساس العام بأن من يرتكب جريمة سوف ينجو على خلفية الظروف التى تمر البلد بها. أما اللواء نشأت الهلالى مساعد وزير الداخلية ومدير كلية الشرطة الأسبق فيرى أن الوقائع الأخيرة لا يربطها ببعضها سوى التوقيت وأن احتمالية الصدفة فيها أعلى من القصد لأن الجريمة المنظمة بعيدة عن سجل مصر الإجرامى. ويصفها بأنها وقائع متتالية لتشكيلات عصابية استغلت حالة عدم الاستقرار الأمنى. ولكنه يعرض تحليلا آخر لا يستبعد القصد الجنائى فيه المستغل للأحداث ولارتباك أجهزة الدولة فى حالة وجود تخطيط متعمد فى تلك العمليات الأخيرة . ويشير إلى انخراط بعض الوجوه الجديدة فى تلك العصابات التى لا توجد معلومات مسجلة عنها فى الأمن العام مما يصعب ضبطهم . ولكنه يرى فى نفس الوقت أن قبض الأجهزة الأمنية على بعضهم منذ عدة أيام يسهل الحصول على الباقين. وتعليقا على الأحداث كشف لنا مصدر أمنى بوزارة الداخلية أن التحريات الأمنية مكثفة لإلقاء القبض على المجهولين الذين اقتحموا فرع سلسلة محال كنتاكى للوجبات الجاهزة بمنطقة مساكن شيراتون. حيث تم سؤال العاملين بفرع المحل، والذين أكدوا أنه قد تم تهديدهم ومدير الفرع بالأسلحة الآلية وسرقة أجهزة المحمول واللاب توب الخاصة بهم وأن بعض الشهود أكدوا أن المتهمين الذين بلغ عددهم 5 أشخاص استقلوا سيارة بدون لوحات معدنية. وأضاف: أما فيما يتعلق بحادث السطو المسلح على سيارة أمانكو التابعة لإحدى شركات نقل الأموال، فإن المباحث تكثف تحرياتها لإلقاء القبض على ال 3 أشخاص الملثمين الذين شوهدوا يقفزون من أعلى سور الشركة القومية للأسمنت وقاموا بتهديد موظفى الشركة بالأسلحة النارية وسرقوا 4 أجولة من الأموال وفروا هاربين. وأشار إلى أن أجهزة الأمن بالقاهرة ألقت القبض على اثنين من المتهمين فى حادث السطو المسلح على البنك بالتجمع الخامس بالقاهرة الجديدة وأن المتهمين لهم علاقة بواقعة السطو المسلح على شركة صرافة بحلوان.