التاريخ يؤكد أن التقسيم الجغرافى للمحافظات فى مصر منذ أن كانت تسمى «مديريات» ويتبعها «مراكز» و«بنادر» جمع «بندر» وقرى ونجوع، وكفور، تم فى عهد الباشا الوالى «محمد على» عام 1805 حينما كانت تحكم «مصر» من القلعة، قبل انتقال الحكومة المركزية إلى منطقة «لا ظوغلى» والتى هى باقية منذ عام 1864 فى عهد الخديوى إسماعيل وحتى اليوم للأسف الشديد!! ولعل التقسيم الإدارى لتلك المديريات «سابقاً» المحافظات حالياً، قد اعتمد على التقسيم الطولى، فى شارع واحد اسمه «شارع النيل» وإن كان هناك فرعان للنيل من شمال القاهرة أحدهما يمتد إلى «دمياط» والآخر إلى «رشيد» تتشكل بينهما أراضى «دلتا» الوجه البحرى!! ومن الجيزة حتى أسوان هو شارع واحد للنيل قسمت المحافظات «جنوباً» على هذا «الشارع» مابين مائة وخمسين كيلو مترا إلى مائتى كيلو متر على طول النهر وتوالى التقسيم بدءاً من مديرية الجيزة ببنى سويف، فالمنيا، فأسيوط، فسوهاج، فمديرية قنا ثم أسوان. وشرق البلاد شارع طويل بجانب البحر الأحمر «شرقا» تحده سلسلة جبال «غرباً» بطول ثمانمائة كيلو متر «طولا» تقريباً سمى بمديرية البحر الأحمر وغرب البلاد شارع أطول فى الصحراء الغربية يبدأ من واحة «باريس مصر» «جنوبا» حتى الفرافرة «شمالاً» حوالى 860 كيلو مترا (طولاً) هى مديرية الوادى الجديد. واقتطعت مساحة فى الشمال الغربى لمديرية مطروح وضمت لها واحة سيوة 300 كيلو متر جنوباً، أما «سيناء» فقسمت إلى شمال وجنوب، أما «الدلتا المصرية» بين فرعى «دمياط ورشيد» فقسمت إلى مجموعة من المديريات حسب الأطيان التى كانت تمتلكها العائلة المالكة فى مصر، ثم كانت مديرية قناةالسويس التى أنشئت عام 1866 حينما افتتح الخديوى «إسماعيل» الملاحة فى القناة وأنشئت المدن الثلاث على أسماء أبناء «محمد على»: «بورسعيد» و«الإسماعيلية» ثم «السويس» القائمة من قبل !! هكذا كانت «مصر» منذ أكثر من مائتى عام، وللأسف هكذا أصبحنا!! التغييرات التى تمت فى عهد لاحق هو تغيير الاسم من «مديرية» إلى «محافظة» وجاء التقسيم داخل تلك المحافظات إلى مراكز وأقسام وشياخات «تقسيما سياسياً»!!. ولعل أسلوب الإدارة فى مصر الذى يعتمد منذ حكم الفراعنة وحتى النظام الجمهورى «القائم» هو أسلوب مركزى، فالمديريات داخل المحافظات تتبع للوزارات المركزية «فنياً وماليا» وفى بعض الأحيان إدارياً تتبع «المحافظ» وهو الذى أيضاً يتولى منصبه من القيادة السياسية فى البلاد كمكافأة لنهاية خدمته فى وظيفة سابقة!! وبالتالى فالانتماء الأصيل فى أى مديرية موجه إلى الوزير الجالس على مقعد الوزارة فى القاهرة، ولا يستطيع «المحافظ» عين الحكومة على المحافظة، أن يصدر قرارا تحترمه المديرية التابعة لآليات الوزير فى العاصمة!. والمحافظ أيضاً انتماؤه الأصيل لمن نصبه على مقعد مدير الإقليم ولا ولاء لغيره، وبالتالى فإن العملية لا يمكن استقامتها مع ظروف اقتصادية نطمح لتغييرها ونطمح بعد ثورة شعبية نادت«بالعيش والحرية والكرامة» فى اقتصاد مزدهر ومستوى معيشة مرتفع وهذا يتطلب تشغيل الأقاليم وإدارتها إدارة حكيمة ورشيدة ومنتجة لكى تصب نتائج نموها فى الاقتصاد الكلى للوطن! فإعادة تقسيم مصر إدارياً إلى أقاليم اقتصادية تعتمد على ما يمتلكه الإقليم من ثروات بشرية وجيولوجية، ومايمكن أن يقام فيه من صناعات وخدمات، ونظم تعليم تعتمد على سوق العمل الذى يتميز به الاقليم. فلا يمكن أبداً أن نعبر هذه الحالة التى وصلنا إليها اليوم من خلال نظام حكم متجمد، مترهل كسلان، بطىء، غير مبدع ولا يسعى للإبداع ولا للحداثة ولا لمواكبة العصر!! ، لا يمكن أن تترك هذه النظم قائمة، وهذه التقسيمات الإدارية التى جار عليها الزمن وعفى! مطلوب تحويل مصر إلى وحدات إنتاجية، أقاليم تتكامل فى أنشطتها الاقتصادية والثقافية، ولايمكن أن تتساوى معايير الضرائب، ونظم التعليم، وأنواعه فى كل المحافظات، حيث لكل محافظة ظروفها وثرواتها وطبيعة البشر أيضاً فيها، مطلوب ثورة فى إدارة الوطن وليس فى ميدان التحرير!!