بعد سيطرة الإسلاميين علي برلمان الثورة عودة شركات توظيف الاٴموال!! حالة من الترقب تسيطر علي الوضع الاقتصادي في مصر حال سيطرة الإخوان المسلمين والتيار السلفي علي البرلمان القادم، حيث تتجه النية إلي الرجوع مرة أخري إلي شركات توظيف الأموال التي انتشرت في الثمانينيات، عندما أعلنت شركات مثل الريان والسعد والشريف والهدي مصر والبدر والهلال عن منح عملائها من المودعين نسبة أرباح شهرية تصل إلي 30٪ ، وأن استثماراتها إسلامية وشرعية بخلاف فوائد البنوك المحرمة شرعاً وروجوا وقتها لفتاوي استصدروها لهذا السبب بتحريم فوائد البنوك. آلاف المودعين أسرعوا لاستثمار أموالهم في هذه الشركات التي كانت حملاتها الإعلانية في الصحف لا تخلو من صور مشاهير السياسة والفن والرياضة والدين والتليفزيون، وهو ما ساهم بشكل كبير في الإيقاع بعدد كبير من الضحايا.. وبلغت خسائر المودعين وقتها ملياراً و500 مليون جنيه وجاء في تحقيقات مباحث الأموال العامة والنيابة أن شخصيات سياسية كبيرة بالدولة وأبناء وزراء كانوا متورطين في القضية وساعدوا أصحاب تلك الشركات في استقطاب وخداع المودعين مقابل عمولات عرفت باسم (كشوف البركة). وانتهت الضجة الهائلة التي صاحبت تلك القضية المعروفة، إعلامياً باسم (شركات توظيف الأموال) عام 2005، عندما انتهي جهاز المدعي العام الاشتراكي من تسليم آخر دفعة من المودعين أموالهم. ولكن هل ستعود شركات توظيف الأموال من جديد للعمل في السوق المصرية؟ حاولنا أن نستطلع آراء من قاموا بهذه التجربة من قبل ربما نصل إلي استنباط للوضع المالي الفترة القادمة اتصلنا بمؤسس شركة الريان أحمد الريان والذي اتهم في قضية توظيف أموال عام 1989 وأفرج عنه في أغسطس 2010 بعد 21 سنة قضاها خلف القضبان، إلا أنه اعتذر عن الكلام لمروره بوعكة صحية واكتفي بقوله إن شركات توظيف الأموال لن تعود من جديد بالشكل الذي كان موجودا في الثمانينيات، لأن هناك قانوناً ينظم عمل شركات استثمار الأموال العاملة من خلال الصناديق القائمة بالفعل والتي تكون بديلا لشركات التوظيف. ولكن مع الانخفاض المستمر في أسعار الفائدة والركود الذي يمر به العالم كله لن يكون المكسب المنطقي في أي مشروع تجاري، إلا مابين 10٪ و20٪ وأكثر من ذلك لا يمكن أن يكون مشروعاً حقيقياً نظرا للأوضاع العالمية. ربما يختلف هذا الكلام عن ماقاله لنا عبد اللطيف شريف المتهم في قضايا توظيف الأموال سابقا، وصاحب مجموعة «الشريف» للأعمال قائلا إن شركات توظيف الاموال ستعود، ولكن بصورة مختلفة عما كانت من خلال شركات مساهمة والقانون سوف ينظم عملها مضيفا إن فترة الثمانينيات كانت قوانين الاستثمار لا تلبي احتياجات المواطنين مما كانت تجعلهم يبحثون عن أوعية ادخارية جديدة. وأوضح أن حكومات مبارك الطاغية استولت علي أمواله وأموال المودعين، قائلا: لقد كنت امتلك 48 شركة و50 معرضاً تجارياً علي مستوي الجمهورية تم بيع جزء منها بأسعار بخسة لا تناسب قيمة أصول هذه المحال والمعارض لصالح بعض رموز نظام مبارك، ولا أنسي لحظة ماقام مبارك بزيارة معرضي وبعدها انقلبت الآية علي، وبدأت أخوض حرباً شرسة، بل إني أجبرت علي إدخال علاء السيد وليلي الغار المحبوسين علي ذمة قضايا كسب غير مشروع الآن كشركاء لي في المجموعة. ولخص عصر مبارك بأنه كان عهد الظلم والاستبداد، ويكفي أنه لم يقم بتوظيف أموال البلد لتنمية معيشة شعبه، ولكنه كان يعمل لصالح أعوانه والمقربين له. وأنهي كلامه معنا بأنه تقدم بطلب للنائب العام والمجلس العسكري لاسترداد بعض أصول شركاته التي لم يتم بيعها وتحولت إلي خرابات مهجورة، وينتظر رد جميع شركاته ومصانعه التي تقدر الآن ب34 شركة كمرحلة أولية حجز عليها المدعي العام الاشتراكي بعد اتهامه بتوظيف الأموال منذ أكثر من 20 عاما. وأثناء حديثنا مع عبد اللطيف شريف دخل ابنه في الحوار وهو د.أحمد عبد اللطيف الحاصل علي الدكتوراه في تمويل ريادة الأعمال قائلاً: من الخطأ وصف شركات توظيف الأموال بهذا الاسم، قائلا إن الغرض الإعلامي منها كان خلق صورة سلبية لهذه الشركات التي تكون إما شركات استثمار أو بنوك أوصناديق الاستثمار هي أيضا أساليب استثمارية وتمويلية متعارف عليها، فما المانع من أن تكون هذه الشركات مطابقة للشريعة الإسلامية. وقال إن معظم الشركات العاملة في هذا المجال في تلك الفترة لم تكن أكثر من شركات استثمار تتلقي أموالاً وتديرها في صورة مشاريع علي مبدأ المشاركة في الربح والخسارة، وبالتالي لا يعيب هذه الشركات أن دخل بعض الأفراد غير المؤهلين لينتفعوا من نجاح هذه الشركات بالنصب أو إقامة مشروعات وهمية أو ما إلي ذلك. وتساءل كم من شركات السمسرة المالية والمشروعات العقارية أو أي مجال آخر ناجح خلا من هؤلاء المنتفعين والنصابين، فما رأينا إلغاء تاماً أو تصفية إلا في هذه الشركات الناجحة والمبنية علي أسس علمية وأطر اقتصادية واستثمارات في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة والتنمية العقارية، مع العلم أن معظم هذه الشركات كانت تعمل تحت رقابة هيئة سوق المال وبعلم جميع المسئولين وعلي رأسهم القيادات التي طالما افتتحوا مشروعاتهم ومصانعهم ومعارضهم. وقال ما هو الفارق بين شركات توظيف الأموال والشركات التي تعمل في الاستثمار المباشر ك (Private Equity)أو رأس المال المخاطر (Venture Capital) الذي يلاقي استحساناً كبيراً في جميع دول العالم، وفي ذلك الوقت لم تكن هناك أسواق مالية مثل ما نشهده الآن من بورصات في مصر، فكيف أن نحكم علي هذه الشركات جملة واحدة وإلصاقها بتهم النصب لكل ماهو إسلامي ؟ وعلي سبيل المثال شركة الراجحي السعودية بدأت بداية شبيهة بهذه الشركات إلي أن أصبحت كبري البنوك الإسلامية بأصول قاربت ال40 مليار دولار، هل حاربتها حكومتها أم قامت علي تنميتها وهيكلتها ورعايتها؟! وقال: نحن في حاجة ماسة إلي النظر في أسلوب التمويل المتبع في مصر، فالبنوك ترفع الفوائد علي الإيداعات والإقراض وتتحفظ بشكل كبير في تمويل أي مشروع جديد، مع العلم أن جميع البلاد المتقدمة لا يتعدي سعر الفائدة عن 3٪ إلي 4٪ علي الإقراض. أما نحن فتصل إلي 17٪ و18٪ فكيف ينمو اقتصاد بلدنا بهذا الشكل؟ فآليات السوق تدعم الكيانات الاستثمارية الكبيرة لما في ذلك من فوائد كثيرة في أسلوب الشراء والبيع وآليات التصنيع، فإنه بدون كيانات في هذا الحجم لن تتمكن مصر من المنافسة في ظل العولمة مع باقي الكيانات العالمية الضخمة. ويتساءل البعض عن كيف لهذه الشركات أن توزع أرباحًا فوق ال20٪ مع العلم أن هذا المتوسط طبيعي جداً في جدوي أي مشروع. بعض المشاريع ذات الطابع الابتكاري تزيد أرباحها عن 100٪، ولكن من البديهي أن متوسط تلك المشروعات يتناقص مع التكرار وفشل بعض المشروعات الأخري ولكن متوسطات كتلك التي وزعتها شركات «توظيف الأموال» هي بمنظور الاستثمار الحالي متواضعة بالمقارنة بصناديق الاستثمار في التكنولوجيا والاتصالات، وكيف للبنوك أن تقرض مشروعاً ب17٪ وتتوقع أن يحقق أرباحاً أقل من 25 ٪؟!! هل كانت هذه الشركات بلا عيوب؟ قطعاً لا، ولكن كان من الممكن احتضانها وإعادة توجيهها في صالح اقتصاد الوطن. علي سبيل المثال الاكتفاء بالمستثمرين المحترفين وليس المودع البسيط، مع تشديد الرقابة والتأكد من نواحي استثمار هذه الشركات، ليس من الإنصاف إلحاق الاقتصاد الإسلامي والبنوك الإسلامية بتهم النصب ولكن إذا افترضنا اقتصاداً مبنياً علي المشاركة وليس الإقراض سيكون نوعاً من البنوك البديلة قد تكون قادرة علي الخروج من هذه الأزمة المالية، ونكون رواداً لمثل هذه البنوك والكيانات الاقتصادية القادرة علي التحديات والانطلاق إلي العالمية كما كان من الممكن مع بعض الشركات التي أجهضتها سوء المعالجات الاقتصادية السابقة. هذا في الوقت الذي قال فيه أشرف السعد صاحب شركة السعد لتوظيف الأموال والموجود حاليا في لندن علي قناة المستقلة الفضائية إن شركات توظيف الأموال ممكن أن تعود، لأنها لم تكن زائفة، فنحن لم نقم بالنصب علي المودعين وإنما كنا نعطي الأرباح من أموال المودعين الجدد كما إن الحكومة آنذاك لم تسألنا عن أي وثائق أو أوراق تسجيل طوال عشر سنوات من العمل كنا نجمع فيها عشرات الملايين كل يوم ويكفي أن مسئولين كباراً في مصر كانوا شركائي في كثير من الشركات ومنهم منصور حسن وزير الإعلام الأسبق. وأعترف بأنني كنت فاسدا لأنني كنت أعمل في منظومة فاسدة، ولأنني كنت أعمل بدون أي قانون أو نظام، وربما هذا قد يكون العيب الوحيد في شركات توظيف الأموال التي قد تؤسس الفترة القادمة بشروط وضوابط. وتساءل لماذا يخاف الناس من حكم الإسلاميين، فالإخوان مثل أي تيار سياسي والشعب في النهاية يريد أن يحكم بالعدل، معتبرا أن أموال مصر لن تنهب مرة أخري مثل مانهبت في عهد مبارك وأعوانه، فلن يستطع أحد أن يتاجر بالشعب المصري. وعندما سئل عن كيفية النهوض بالقطاع المصرفي لينهض من جديد فاقترح إلغاء البورصة باعتبارها علي حد قولة «منفذاً للفساد». وفي السياق ذاته، استطلعنا آراء بعض الخبراء الاقتصاديين والمصرفيين الماليين في إمكانية عودة شركات توظيف الأموال من جديد. فبدأ د.سلطان أبو علي وزير الاقتصاد السابق كلامه معنا بأن توظيف الأموال لها شقان، الأول وهي أن تأخذ شكلاً قانونياً وتحت رقابة هيئة سوق المال، فهذا مرحب به لزيادة حجم استثمارات المودعين أما أن يكون الغرض منها التدليس كما حدث في الثمانينيات، فهذا علينا محاربته من الآن حتي لا يظهر من جديد ويستغل احتياجات الناس. مضيفا بأن توظيف الأموال تحت ستار الدين ليس له علاقة بالإسلام، لأن الإسلام يحرم الغش بالطرق غير الشرعية، أما النصب فقد يقع فيه أي إنسان بحجة الطمع وهذا لا يمكن منعه بالقانون. متوقعا بأن تعود شركات توظيف الأموال من جديد، إذا لم يطور الجهاز المصرفي من كفاءة أدواته بتطوير أوعيته الادخارية حتي تستوعب صغار المودعين قبل الكبار منهم. في حين نفي د.جلال الزوربا رئيس اتحاد الصناعات عودة ظاهرة هذه الشركات من جديد قائلا: لم يعد لها مكان الآن في ظل تعدد أشكال الاستثمار سواء في الصناديق أو في الأوعية الادخارية أو في البورصة في شكل الأسهم والسندات، حتي لو كان عائدها بسيطاً فهذا يعود للسوق العالمية. وقال حتي لو سيطر الإخوان والسلفيون علي البرلمان، فأهلا وسهلا بهم فلن يلغوا البورصة ولا أي شكل استثماري من شأنه أن يعود علي الناس بالنفع، ولكن إمكانية العودة إلي شركات توظيف الأموال التقليدية كما كانت من قبل فمن المستحيل أن تعود. أما د. حازم الببلاوي وزير المالية الأسبق فرفض التكهن بمثل هذه الافتراضات قائلا: لتسألوا الإخوان ماذا ستفعلون باقتصاد البلد، قائلا كأننا نفترض لو ارتفعت درجة حرارة الأرض بمائة درجة مئوية فماذا سنفعل؟!! د. عبدالرحمن بركة أمين صندوق اتحاد البنوك ورئيس بنك رومانيا السابق أوضح أن وجود مثل هذه الشركات مخالف للقانون سواء في المرحلة القادمة، أو كما كان في السابق، فقيام أي شركة أو جمعية أو مجموعة بأعمال البنوك التجارية، مخالف للقانون وسوف يحاسب عليه القائمين بعمل مثل هذه الشركات، أما من الناحية العملية فلا يجوز لأي شركة أن تتلقي أموالا وتتعامل بها في عملية التحويلات أو الاستثمار فهذه مهمة البنوك، وإذا كانت النية تتجه نحو الاقتصاد الإسلامي الذي يجيز المضاربات، فليس هناك خطورة لأن هذه المؤسسات المالية الإسلامية ارتفع عددها علي مستوي العالم حيث بلغت نحو 298 مؤسسة تتولي إدارة مايقرب من 285 مليار دولار في نحو 30 دولة حتي أن بعض الخبراء المصرفيين توقعوا بأن المصارف الإسلامية مرشحة للاستحواذ علي مايقرب من 40 ٪ إلي 50٪ من إجمالي المدخرات بالبلدان الإسلامية خلال العشر سنوات القادمة. وقال إذا قامت هذه الشركات فلابد من خضوعها لكيان تشريعي ينظم عملها وتكون تحت إشراف الدولة، أما اللهاث وراء العائد الأعلي دون النظر إلي حماية الأموال فهذا سيقع علي عاتق المودعين وعلي الشركة التي تخضع لمثل هذه الأمور مما يعرضها في النهاية للمساءلة القانونية. ومن جهته اعتبر د.سامر سليمان أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية عودة شركات توظيف الأموال شبه مستحيلة لوجود القانون وعلي رأسه قانون 92 لسنة 1995 والخاص بعمل صناديق الاستثمار كبديل لشركات التوظيف، متوقعا بأن صعود التيارين الإخواني والسلفي قد يسهل وجود المؤسسات الإسلامية المصرفية بشكل أكبر مع سن ربما تشريعات جديدة لتسهيل عملها في السوق. وفي السياق ذاته، أوضح د.أحمد نجم استاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومدير مركز البحوث الاقتصادية سابقا بأن الشعب أصبح لديه وعي بأن هذه الشركات لا تعمل وفق قواعد اقتصادية سليمة، وبالتالي إن ظهرت فسوف تظهر بشكل مغاير يلائم وضع السوق المصرفية خاصة مع ارتفاع أسعار الفائدة، فمن الصعب وجود هذه الشركات التي تعطي أرباحاً خيالية إلا أنه عاد وقال إن بيئة التشريعات والقوانين سوف تقف حائلا ضد قيام هذه الشركات.∎