بتكلفة 83 مليون جنيه ارتدى مركز الهناجر بدار الأوبرا المصرية ثوبه الجديد بعد أن ظل عارياً قرابة الثمانى سنوات تعرض خلالها لشبه مؤامرة لوقف نشاطه الذى كان يهدد بعض النفوس الضعيفة فى وزارة الثقافة، ورغم ذلك أصرت رائدته د. هدى وصفى - أول رئيس له - أن تدافع عنه وتحدت الذين حاربونها حتى تحقق لها ما تمنت، صحيح أن تحقيق الحلم تأخر، إلا أنه فى النهاية قد تحقق عملاً بالمثل الإنجليزى القائل «أن تأتى متأخراً خير من ألا تأتى أبداً». التكلفة التى تكلفها مركز الهناجر هى قيمة التجديدات التى تولت القيام بها القوات المسلحة من خلال جهاز الخدمة العامة التابع لها وتم الإنجاز خلال 4 سنوات كان قبلها المركز فى حالة موات وتوقف بسبب الفضيحة المالية التى تورط فيها «أيمن عبدالمنعم» - أحد رجال «فاروق حسنى» وزير الثقافة الأسبق الأقوياء - والذى كان يتولى منصب مدير صندوق التنمية الثقافية وأوكل مشروع التجديدات منذ حوالى 8 سنوات إلى بعض الشركات التى افتضح أمرها من خلال عمليات الرشاوى التى تمت بينها وبين «عبدالمنعم». مركز الهناجر الذى بدأ نشاطه عام 1992 كان منبراً تنويرياً هدفه الارتقاء بذوق الناس وزيادة وعيهم الثقافى والفنى، قدم المركز خلال هذه الفترة أكثر من 200 مسرحية لمبدعين من مختلف الأجيال الفنية والمراحل العمرية وإن كان النصيب الأكبر منها كان للشباب الذين يعتبرون هم الهدف الرئيسى من إنشاء المركز. افتتاح مركز الهناجر الذى تم يوم الخميس الماضى بحضور د. «شاكر عبدالحميد» وزير الثقافة ود. هدى وصفى رئيس المركز وكوكبة من نجوم الفن والثقافة منهم الفنانة القديرة «سميحة أيوب» والكاتب الكبير «السيد ياسين» والمخرج القدير «جلال الشرقاوى» والمهندس «محمد أبوسعدة» مدير صندوق التنمية الثقافية ود. حسن خلاف رئيس الإدارة المركزية لمكتب الوزير. الاحتفالية لم تكن فقط بمناسبة افتتاح المركز لكنها كانت إيذاناً ببدء إنطلاق الاحتفالات بالذكرى الأولى لثورة 25 يناير 2011 فشملت الاحتفالية معرضاَ للفن التشكيلى ضم 35 لوحة شارك فيه كبار الفنانين الذين عرضوا فنونهم بالمركز منذ نشأته، منهم «د. فريد فاضل»، «طه قرنى»، «د. أحمد شيحا»، «نازلى مدكور»، «عادل جزرين»، «أحمد عبدالجواد»، «جميل شفيق»، كذلك فيلم تسجيلى عن المركز ضم كلمات تؤكد الدور الثقافى والتنويرى له وكيفية الاستفادة منه فى المرحلة المقبلة بما يتناسب مع المرحلة الجديدة لمصر ولشبابها على أن يسير دور المركز فى اتجاهين الأول توعية الشباب وتنمية فكرهم والارتقاء بأذواقهم من خلال تقديم أنشطة مسرحية وسينمائية وتشكيلية وندوات على أعلى مستوى، الثانى ضرورة إتاحة الفرصة أمام إبداعات الشباب لفتح منافذ جديدة لهم. الكلمات جاءت على لسان «د. شاكر عبدالحميد» و«د. هدى وصفى» و«نور الشريف» والمخرج العراقى «قاسم محمد» كما تم من خلال الفيلم استعراض بعض اللقطات للمسرحيات التى تم تقديمها منذ افتتاح المركز، أما الحدث الأكبر الذى شهده حفل افتتاح الهناجر فهو عرض مسرحية «أهو ده اللى صار» من تأليف «محمد الرفاعى» وإخراج «محسن حلمى» وبطولة القدير الرائع «لطفى لبيب» الذى أثبت أنه ليس فقط قادراً على تحمل بطولة مسرحية بمفرده ولكنه أثبت أنه قادر على إسعاد الناس بطلته البشوشة وأدائه البسيط الذى يجعلك تضحك بأقل مجهود، فى الوقت الذى يحاول فيه الكثيرون إخراج الضحكات ويفشلون، مسرحية «أهو ده اللى صار» هى أول الأعمال الفنية التى تعرض احتفالاً بالثورة المصرية الجديدة يناير ,2011 وررغم أنها لا تحكى عن أحداث الثورة، لكنها تحكى عن المقدمات والتداعيات التى أدت إليها لأنه - كما قال مؤلفها «الرفاعى» - من الصعب أن تجد أحداً يقدم عملاً صادقاً متكاملاً الآن عن الثورة لأنها مازالت منقوصة، وأى رؤية درامية ستتعرض للثورة ستكون أيضاً منقوصة، المسرحية المهداة إلى روح الثورة يؤكد أصحابها أن هذه الثورة هى التى نفضت عنا غبار سنوات الاستبداد - وهذا هو الإهداء الذى كتبته د. «هدى وصفى» فى مقدمة الكتيب الخاص بالمسرحية التى لامست موضوع التوريث والفساد وبيع البلد واللحوم الفاسدة وسرطنة السماد والمياه وزحام المرور وفساد التعليم والإعلام والصحة وخراب الذمم وزحام الأفكار الناتجة عن صراع التيارات وتزوير الانتخابات والأجندات الخارجية المسرحية من خلال مخرجها المتألق «محسن حلمى اكتشفت العديد من المواهب المبشرة بمستقبل كبير منهم «على قنديل» و«أحمد الحلوانى» و«محمد طعيمة». الغريب أن د. «هدى وصفى» بعد كل هذا الإنجاز الذى حققته قررت الانصراف ومغادرة رئاسة المركز بعد كل المجهودات التى بذلتها والمعارك التى خاضتها رغبة فى الحصول على استراحة أشبه باستراحة المحارب، لكن حب الجميع الذى ظهر فى حفل الافتتاح الذى طال انتظاره جعل د. «شاكر عبدالحميد» وزير الثقافة يطالبها بالبقاء والعدول عن قرارها.