كلمات قليلة قالها السفير حمود الرضوان مدير إدارة التعاون الخليجي بوزارة الخارجية الكويتية كانت كافية لإثارة جدل كبير بين أروقة النخبة المنشغلة بترتيب بيتها السياسي.. فالمسئول الكويتي أعلن صراحة أن «مصر علي قائمة الانضمام لمجلس التعاون الخليجي وأن لها الأفضلية في ذلك».. أي أن مصر علي أعتاب «الخلجنة» ولو سياسيا. البعض استقبل الأمر بفزع ورفض والبعض الآخر اعتبره منفذا مهما لمصر في المنطقة يأتي في توقيت صعب.. وبين هذا وذاك التزمت الخارجية المصرية الصمت.. ولا يشفع لها تسريبات علي لسان مصدر دبلوماسي تم تداولها عقب تصريحات «الرضوان» بأن مصر لم تتلق طلبا من دول مجلس التعاون الخليجي لكي تنضم إليه، وكأن الآية قد قلبت الخارجية الكويتية تتحدث في اتجاه دبلوماسي مصيري لمصر والخارجية المصرية تتعامل وكأن الأمر يخص إحدي جمهوريات الموز!! السفير فتحي الشاذلي مساعد وزير الخارجية الأسبق وسفير مصر الأسبق لدي الرياض استقبل الاقتراح بفزع ملحوظ عندما سألناه وقال: أذكر أنه عندما كانت مصر علي وشك الانضمام للاتحاد المغاربي وكان هناك شبه قرار رسمي لتحويل العضوية من مراقب إلي عضوية كاملة كان التعليق الذي سمعته آنذاك من خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك «فهد بن عبدالعزيز» أن مصر أكبر من أي تجمع عربي جزئي وهذه هي الحقيقة الدائمة.. هكذا قال نصا وكنا وقتها في اجتماع، وقد تذكرت هذه المقولة عندما استمعت للحديث عن ضم مصر لمجلس التعاون الخليجي الذي يتعارض مع طبيعة مصر من عدة أوجه منها أنه رابطة للملكيات ونحن أبعد ما يكون عن هذا، وكذلك البعد القبلي حاضر فيه وهذا يتناقض مع هوية مصر إلا إذا كان سيتحول مجلس التعاون الخليجي إلي الإطار العربي الشامل وهذا معناه إشهار نهاية وفشل التنظيمات والكيانات العربية الأخري وفي مقدمتها الجامعة العربية وأجهزتها. يكمل السفير الشاذلي: هذا التحرك قوبل بالكثير من الانزعاج إذ إنه سيكون قيدا علي حرية مصر الإقليمية.. الملك فهد كان محقا في مقولته ولكن للأسف يبدو أننا بحاجة إلي شهادة الآخرين حتي نعرف قدرنا.. كيف ستقود مصر هذا الإقليم ولماذا لم ننشئ مثل هذه العلاقة الخاصة مع ليبيا والسودان وماذا عن الاتحاد المغاربي.. كيف سنتحرك إذن؟ هذا هو السؤال الذي أريد أن أطرحه علي من يلتزمون الصمت. الدكتور أحمد عبدربه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة اعتبر التفكير الجدي من قبل دول مجلس التعاون الخليجي لضم مصر في عضوية المجلس بعضوية كاملة لا يمكن أن يفهم إلا في ضوء متغيرين كبيرين يحدثان الآن في المنطقة العربية الأول أمني يتمثل في الإعلان الرسمي من قبل الولاياتالمتحدة بانتهاء عملياتها العسكرية في العراق وما يتبع ذلك من عدم توازن أمني في ظل تراجع أمريكي غربي اعتمد وعول الخليج العربي عليه كثيرا مقابل تقدم وحضور إيراني قوي يخيف الخليج العربي كثيرا أما المتغير الثاني فيتمثل في ثورات الربيع العربي والتي تتخوف وتتوجس منها دول الخليج وجميعها ملكيات بطبيعتها لا تطيق الثورات خاصة الثورة المصرية لما تتمتع به مصر من حضور قوي في العالم العربي فضلا عن تواجد ملايين المصريين في دول الخليج فيصبح إذن ضم مصر لعضوية مجلس التعاون مكسبا مضاعفا فحضور مصر من ناحية سيحدث نوعا من التوازن مع إيران في ظل غياب أمريكي متوقع، ومن ناحية أخري يؤمن الداخل الخليجي لمنع أي ثورات أو قلاقل داخلية. ويبقي مطروحا أيضا أن حرص مجلس التعاون الخليجي علي ضم مصر في عضويته هو محاولة استباقية لوصول الإسلاميين إلي الحكم في مصر وما قد يرتبه ذلك من تقارب مصري إيراني متوقع، وبالتالي فعضوية مصر ستحجم من هذا التقارب أو علي الأقل لن تجعله علي حساب الخليج العربي. وتمثل هذه الأطروحة الخليجية - والتي أعتقد أنها جدية ومدروسة - إعادة إحياء ما كان يعرف ب«إعلان دمشق» الذي تم صياغته بعد تحرير الكويت بحيث أوجد صيغة للتنسيق بين دول مجلس التعاون وبين مصر وسوريا من النواحي الأمنية والاقتصادية والسياسية ولكن تم إجهاضه لاحقا، ومن هنا كانت الحاجة لإعادة إحياء هذه الصيغة مرة أخري. وقال: من ناحية مصر فعضويتها في مجلس التعاون لن يكون لها أضرار بل علي العكس ستشكل مكاسب كبيرة، فمصر التي في حاجة إلي إعادة إحياء دورها العربي الذي تراجع منذ فترة لصالح أطراف إقليمية أخري ستجد أرضا خصبة من خلال صيغة مجلس التعاون لإحياء فكرة الدفاع العربي المشترك حتي لو كان من مدخل خليجي كما أنها فرصة لتفعيل مبادرات السوق العربية المشتركة، فضلا عن أن ربط مصر بدول التعاون الخليجي في هذه المرحلة الحرجة اقتصاديا يمكنه مساعدة مصر اقتصاديا من خلال حرية انتقال الأفراد والبضائع بين مصر ودول الخليج وهو ما يساهم في استيعاب العمالة المصرية في سوق الخليج فضلا عن انتعاش الأسواق المصرية وخاصة في مجال الاستثمارات وما أحوج مصر إلي هذا. وشدد أن علي مصر الترحيب بالانضمام إلي المجلس بشرطين أساسيين الأول أن تضمن مصر حصولها علي جميع المزايا الاقتصادية والاجتماعية التي توفرها دول المجلس لأعضائها والثاني ألا يكون ذلك علي حساب التقارب مع إيران والذي يجب أن يتم بالتوازي ووفقا لأجندة مصرية خالصة. خطأ تاريخي أما د. ممدوح حمزة أمين عام المجلس الوطني فاعتبر مثل هذا الانضمام أو أن تكون مصر علي قائمة الانضمام إنما يمثل خطأ جغرافيا لأن مصر ليست دولة خليجية وخطأ تاريخيا وحضاريا لأن مصر لا تنتمي تاريخيا وحضاريا لهذه المنطقة وفي النظم السياسية أيضا مختلفون فهم ملكيات ونحن جمهورية. والأكثر من ذلك أن هذه الدول لم تقف بجوار ثورة مصر بل علي العكس قاموا بمحاربتها وقدموا وعودا ولم يوفوا بها واستمعنا إلي تصريحات وحزم مساعدات ولم يقدم أحد شيئا سوي 400 مليون دولار من قبل العاهل السعودي من أصل 4 مليارات دولار تعهد بها وحتي مبلغ ال400 مليون دولار منح لمصر في صورة قروض، ويوجه الدكتور حمزة حديثه للمتحمسين لفكرة زيادة الاستثمارات الخليجية في مصر بموجب هذه العضوية ويقول ماذا فعل المستثمرون العرب؟! الغالبية العظمي منهم استغلوا فساد النظام السابق وتاجروا في أراضينا وأجهزوا علي شركات القطاع العام ولا أري في هذه الخطوة أي خير لمصر ولكن إذا ما تمت وحدث مثل هذا الانضمام فلا أخشي علي هوية مصر لأنها هوية من ذهب ومحددة منذ ألفي عام ولا يمكن أن يلتصق بها أي هوية أخري وتأبي شخصيتها ذلك، تلك الهوية التي هي ما بين الفرعونية القديمة والإفريقية والعربية الإسلامية. أمن قومي السفير رخا حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية ومساعد وزير الخارجية الأسبق يري أن الأمر لا يمثل خطورة بل علي العكس يحمل قدرا من الإيجابيات.. فمن الناحية الأمنية معروف أن أمن مصر يرتبط بأمن منطقة الخليج علي الرغم من عدم الجوار المباشر مع هذه الدول ولكن من منطلق أننا مجموعة إقليمية متكاملة بالإضافة إلي أن لمصر جاليات كبيرة جدا في دول الخليج وتعتبر أكبر جاليات لها في الخارج ومثل هذا الانضمام يصب في مصلحة ليست فقط تدعيم وضع العمالة المصرية ولكن أيضا ستكون سوقا مهمة جدا لتصدير الخبرات المصرية في جميع المجالات من مهندسين وأطباء وقضاة ومعلمين ومتخصصيين في تكنولوجيا المعلومات ومستشارين في جميع المجالات وينضم إلي هذه الأبعاد بعد مهم جدا وهو البعد الاقتصادي المتمثل في تحقيق انطلاقة في التبادل التجاري وطفرة في حجم الاستثمارات ولا يفوتنا أن الاستثمارات العربية تتصدر قائمة المستثمرين في مصر حتي الآن. أضاف: لا خوف علي الهوية المصرية إطلاقا مشيرا إلي أنه سواء انضمت مصر أو لم تنضم إلي التعاون الخليجي فهناك تأثير ثقافي واجتماعي ولنا جاليات وأبناء يعيشون هناك وينغمسون في المجتمع ثم يعودون إلي مصر وهكذا فالتأثير المتبادل لن ينقطع.. صحيح أنه خلال الثلاثين أو الأربعين عاما الماضية زاد هذا التأثير وترك أثره علي المجتمع في مصر بسبب أنه خلال هذه السنوات هناك ما يقرب من 30 مليون مصري عاش في الخليج ثم عادوا متأثرين ببعض العادات والتقاليد المختلفة عن المجتمع المصري وكذلك متأثرين ببعض المذاهب الدينية. ولكن لا يجب أن نتحدث عن مخاوف لأنها ستظل قائمة ولكن العضوية ستمنح مصر مزايا تفضيلية مهمة. واتفقت الدكتورة مني مكرم عبيد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية مع هذا الرأي وقالت أي تعاون مع الدول العربية هو شيء إيجابي في حد ذاته ولا يوجد ما يمنعه وعلينا أن نشجعه والآن المشهد السياسي يتغير في المنطقة ومجلس التعاون هو أنجح التجارب في العالم العربي ولكن كل ذلك يبقي شريطة ورهن استقلال القرار السياسي لمصر في إدارتها لسياستها الإقليمية. الخليجي يحرك الجامعة هذه الآراء السابقة بما فيها من اختلاف وضعناها برمتها علي مائدة القانون الدولي وتحدثنا لفقيه القانون الدولي العام الدكتور أيمن سلامة.. وقال إن كل منظمة دولية إقليمية مثل جامعة الدول العربية أو مثل مجلس التعاون الخليجي لها الأهلية القانونية في اختيار الدول الأعضاء في ذلك التنظيم الدولي، وليس هناك ما يمنع في النظام الأساسي لهذا المجلس ولا يوجد حظر علي الانضمام إليه من خارج الإقليم الجغرافي لدوله ومن ثم ينطبق ذلك علي مصر وكذلك علي الأردن والمغرب. وأعتقد أن الظروف الإقليمية الراهنة يمكن أن تكون قد أثارت انتباه وقلق دول مجلس التعاون الخليجي ودفعها للتفكير في توسيع نطاق عضوية المجلس وجعلها لا تقتصر علي الدول الست المؤسسة لهذا الإطار.. هنا يجب أن نؤكد أن هذا التنظيم الدولي الإقليمي هو التنظيم العربي الوحيد الفاعل دون سائر التنظيمات والاتحادات العربية الأخري سواء الجامعة العربية أو سائر التجارب أو الخبرات التنظيمية العربية المشتركة. والآن ظهر واضحا أن مجلس التعاون الخليجي هو الذي حرك الجامعة العربية لكي تتصرف مع الحالتين الليبية والسورية ولولا الإرادة السياسية المشتركة لهذا المجلس لما استطاع أن يجتمع علي استراتيجيات وسياسات واحدة مشتركة.. أيضا مجلس التعاون هو التنظيم الإقليمي الوحيد الذي استطاع أن ينشئ آلية عسكرية مشتركة تمثلت في قوات درع الجزيرة والتي سبق لها أن شاركت في العديد من النزاعات المسلحة الدولية والوطنية أولها كانت عام 1990 في حرب الخليج الثانية.. وآخرها كان قبل أشهر قليلة في البحرين.