48ساعة وقفت فيها مصر على أطراف أصابعها، كنا على شفا فتنة طائفية.. خرج الجميع عن النص والقانون واللياقة السياسية فى سبيل اقتناص مقعد فى البرلمان.. لعب الجميع لصالح أنفسهم، وغابت عنهم مصلحة الوطن.. حولوا الانتخابات من معركة «ديمقراطية» إلى «دينوقراطية»، فلم يكن صراعا بين أحزاب وبرامج، بل بين من صوروها معركة جهادية - صليبية! جرى التصويت وفق فرز دينى لا سياسى، حتى الدعاية وأساليب الحشد لم تقترب من البرامج الانتخابية بقدر ما فتشت فى العقائد، لم نجد فرقا بين ليبراليين أو متشددين جميعهم لعبوا بالنار.. لا نستثنى أحدا، لا الكنيسة بما صدر عنها أو عن أتباعها من قوائم قبطية استفزت مشاعر المعتدلين قبل المتطرفين. وما تلى ذلك من تصريحات «نجيب ساويرس» التى توعد فيها الإخوان بالوصول للحكم إلى حد تحريض أمريكا عليهم، وكذلك التصريح الغريب الذى برر به «د. السيد البدوى» النتائج الباهتة لحزب الوفد بأن الكنيسة لم تف بوعدها بإعطاء الأقباط أصواتهم لحزبه.. والذى إن صح هذا الاتفاق فإنه يكرس للدور السياسى للكنيسة ويخالف دستورها كمؤسسة دينية روحية لا تعبر عن الأقباط ويعد جريمة سياسية بكل المقاييس! كما لا نعفى الإسلاميين من دعايتهم الفجة حين قام السلفيون بالعبث فى شعار حزب «المصريين الأحرار» وبدلوا صورة الطيور فيه بالصلبان رغم أن غالبية مرشحى الحزب - أحد أحزاب الكتلة المصرية - من المسلمين وفى مقدمتهم «د. مصطفى النجار» الذى واجه حربا تشويهية فى دائرة مدينة نصر التى دخل فيها جولة الإعادة أمام مرشح سلفى مدعوم من الإخوان، حيث أشاع التيار الإسلامى هناك أن «النجار» هو مرشح الكنيسة وهو ما استقر فى أذهان البسطاء، ولن يمحوها الاعتذار الباهت الذى تقدم به محمد البلتاجى نيابة عن الإخوان! وغيرها من الخروجات والانحرافات الثابتة والمسجلة على كل طرف صوتا وصورة وتخالف كل القوانين المنظمة للانتخابات وتجعل الطعن بإلغاء نتيجة العملية الانتخابية برمتها أمرا جائزا جدا يعود بنا إلى المربع واحد بعد أن خالف الجميع مصلحة الوطن، وأحدث شرخا فى صلب المجتمع قد لا ينفع معه أى ترميم! بالنسبة للمفكر العلمانى كمال زاخر، فإن ما حدث كان متوقعًا نتيجة للحالة المرتبكة الموجودة فى الشارع المصرى، معتبرا أن الانتخابات الأخيرة بمثابة خطوة أولى للديموقرطية. أكد لنا أنه لم يكن مصدوما بتلك المؤشرات على حد قوله: لأن قراءته للواقع كانت تؤكد أن الشارع سيأتى بتلك النتائج تأثرا بالدعاية الطائفية والترويج الدينى القائم ليس الأمس فقط -الانتخابات -ولكن على مدار أكثر من 30 عاما. وأضاف: لابد أن يكون هدفنا تسييس الشارع وليس تدينه، وفى نفس الوقت لا ينبغى أن نتجاهل أزمة المواطن المصرى الذى حرم من حقه فى المشاركة السياسية على مدار أكثر من 60 عاما، وعندما بدأ يمارسها وقع فى فخ الاستقطاب. ومع ذلك فإنه لا ينبغى أن نلقى بالتهم على الديموقراطية، ونقول أن هذا ضريبة لها لأن الواقع يؤكد أيضا أن التجربة كان لها نتائج مثمرة على الجانب الآخر، والدليل على ذلك أن القوة الليبرالية كان لها تأثيرها أيضا فى الشارع، ولم يكن تأثير الدعاية الدينية فى الانتخابات بذات الحجم الذى ظهرت به أثناء الاستفتاء على التعديلات الدستورية. فى حين انقلبت بعض الأحزاب على ثوابتها المعروفة، وأوقعت نفسها فى الفخ الذى انتقص من رصيدها حينما أرادت مغازلة التيارات الدينية والقوى الليبرالية فى ذات الوقت، وكان حالها مثل الشخص الذى وقف فى منتصف السلم. وعن دفع الكنيسة بقوائم لمرشحين أقباط فى الانتخابات أكد زاخر: أن الكنيسة لم تدفع بأسماء بالمعنى المؤسسى والمنهجى، ولكن بعض الرموز الدينية فيها هى من قامت بذلك، وهذا ما كنا نناضل ضده كتيار علمانى وسوف تثبت التجربة أيضا لتلك الرموز أن السياسة ومصلحة الوطن لن يكون بالانحياز لطرف ضد آخر لأن البطالة والفساد لن يتركا المسلم ويصيبان المسيحى أو العكس. ويتفق معه الكاتب الصحفى نبيل زكى فى أن ما حدث نتيجة منطقية للعديد من الأسباب التى ساهمت بأن تسير الأمور فى هذا الاتجاه وعدد هذه العوامل قائلا: بدأت الكارثة بلجنة التعديلات الدستورية وهى التى أسميها لجنة الإخوان (طارق البشرى وصبحى صالح). ثم أدى بنا حذف المجلس العسكرى لعبارة (حظر الأحزاب ذات المرجعية الدينية) من الدستور إلى إنشاء 01 أحزاب دينية تعمل فى السياسة. من جانب آخر لعبت اللجنة العليا للانتخابات دورها فى ازدياد الأمور سوءا بسلبياتها، واتضح ذلك فى أنها كانت تصدر القرارات ولا تهتم بتنفيذها، فعلى سبيل المثال أصدرت قرارا بحظر استخدام الشعارات الدينية فى الانتخابات، وفى نفس الوقت لم تتخذ إجراء لتفعيل ذلك وكنا نرى تلك الشعارات فى كل مكان. أيضا أصدرت قرارًا آخر بعدم استخدام دور العبادة فى الدعاية الانتخابية، ومع ذلك تركت دور العبادة كلها فى خدمة تلك الدعاية الانتخابية. وكان قرارها الغريب بوضع سقف مالى للإنفاق على الانتخابات وهو مبلغ خيالى (نصف مليون جنيه)، مما ساعد تلك التيارات على التجاوزات التى استقطبت المواطنين. وعلى الجانب الآخر كانت الكنيسة التى لعبت دورا فى الدعاية رغم أن المنوط بها فى هذه العملية شىء واحد فقط هو حض المواطنين الأقباط على الذهاب للإدلاء بأصواتهم لكنها تجاوزت هذا الدور مما أثر بالسلب على القوى المناصرة للدولة المدنية. بينما يصف المفكر القبطى جمال أسعد أسباب ما حدث بأنه انتهاك لمبادئ الديموقراطية من قبل الطرفين الاسلامى والمسيحى قائلا: الديموقراطية ليست فقط صندوق الانتخابات، لأن الأخير أحد الأدوات لتطبيق النظام الديموقراطى، مما يعنى أن انتشار الثقافة الديموقراطية والوعى السياسى لدى الجماهير بما يخول لها حرية اختيار ما تريد هو الأهم وبالتالى فإن أى وصاية سياسية أو دينية على حرية اختيار المواطن، ضد الممارسة الديموقراطية الصحيحة لأن الدستور والقوانين تعطى المواطن الحق الكامل لحرية الاختيار، وفى الانتخابات الأخيرة كانت هناك وصاية على حق المواطن أدت إلى تأجيج الطائفية وانتهاك قيم الديموقراطية. فى الوقت الذى وصف فيه الروائى يوسف القعيد الظواهر الانتخابية الأخيرة بأنها انتخابات الهلال والصليب واعتبرها استكمالا للظاهرة التى شهدتها مصر يوم 91 مارس فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، والتى قسمت مصر على أساس دينى ونزل المصريون لينتخبوا الإسلام (الحرية والعدالة والنور) واتجه الأقباط ليعطوا أصواتهم للمسيحية (للكتلة المصرية) وهذا أخطر شىء تواجهه مصر وهو القضاء على ما تبقى من وحدة وطنية حقيقية. ساهم فيها الإخوان الذين انتهجوا ديموقراطية المرة الواحدة واتبعت الكنيسة أسلوب رد الفعل كالمعتاد بعد حالة الفزع والترهيب والاستقواء والاحساس المفرط بالقوة، وغيرها من السلوكيات التى مارستها الجماعة خلال الشهور الاخيرة. ومن هنا كان الله فى الانتخابات، رغم أن الله والآخرة أمور دينية لا علاقة لها بالانتخابات التى هى عملية سياسية لا علاقة لها بالدين. فى إطار ذلك كشف الناشط السياسى جورج إسحاق أنه سيتقدم بطعن ضد لجنة الفرز خاصة بعدما عثر على العديد من الاستمارات الانتخابية ممزقة وملقاة فى الشارع بدائرته الانتخابية ببورسعيد. ووصف المشهد الانتخابى الأخير بأنه خطير مؤكدا أن ذلك كان نتيجة لحرمان معظم المصريين من المشاركة السياسية على مدار 30 عاما. وأضاف: نسبة كبيرة من المصريين ذهبت إلى صناديق الانتخاب خوفا من الغرامة المالية وللاسف تم استخدامهم استخداما سيئًا لصالح التيارات الدينية، ولدى أدلة تثبت تورط أحزاب مثل الحرية والعدالة وحزب النور السلفى فى التحريض الدينى ضد المرشحين.