كتب : نبيل عبد الملك تمر مصر، خلال الفترة منذ الخامس والعشرين من يناير الماضى، أى بعد سقوط رأس النظام الفاسد تحت حكم حسنى مبارك، بحالة من عدم الاستقرار، يصفها البعض بالضبابية، ويصفها آخرون بالسيولة، أو الصراع بين رؤى سياسية واجتماعية متعارضة: بين تيارين رئيسيين، التيار الليبرالى واليسارى الديمقراطى فى مواجهة التيار السياسى الإسلامى. ويُرجع البعض هذه الحالة إلى وجود ثورة مضادة لثورة 25 يناير التى أطلقها الشباب، تقودها قوى معاكسة «للثورة الشعبية» وتنتمى إلى فلول النظام البائد، بل ويرى آخرون أن المجلس العسكرى، الحاكم الفعلى للبلاد فى هذه الفترة «الانتقالية» له يد، سواء بشكل مقصود أو نتيجة لافتقاده الخبرة السياسية، فى عرقلة مسيرة التحول الديمقراطى وقيام الدولة المدنية المبتغاة. فى هذا الجو الملتبس والمناخ الملتبس بالعنف والفوضى وعدم الاستقرار تعرض الأقباط إلى العديد من حوادث العنف الجماعى من تيارات سياسية إسلامية أو من جماعات دينية متطرفة. أمام المرحلة التى تمر بها مصر الآن، والتى أشرت إلى طبيعتها باختصار، وفيها تفتقد الدولة لعديد من المؤسسات، وبدونها يصعب تحقيق العديد من مصالح الشعب المصرى بأكمله، وليس الأقباط فقط. لذلك يصبح من الترف، بل ومن السذاجة أن ينشغل الأقباط فى هذه اللحظة المصيرية بأى مطالب، على حساب مشاركتهم الضرورية فى رسم مستقبل البلاد. مصر فى مرحلة بداية إعادة بناء الدولة بكل مؤسساتها، ولكى ينال المصريون حقوقهم، والتى صدحت بها حناجرهم فى كل ميادين مصر، وفى قلبها العدالة الاجتماعية، عليهم أن يتجهوا إلى صناديق الانتخابات فى الأسابيع والشهور المقبلة، لكى يشكلوا البرلمان الجديد، ففيه ترسم السياسات ومنه يصدر الدستور الجديد، ثم القوانين التى تُفعل مبادئ هذا الدستور. وهنا لا يطالب الأقباط بنيل حقوقهم بل يأخذونها استحقاقاً لمشاركتهم السياسية، وهو أهم حق من حقوق المواطنة وعليه تنبنى بقية الحقوق. هذه فرصة تاريخية أمام كل المصريين وخاصة المهمشين، سواء المرأة أو الأقباط أو غيرهم من الأقليات، للمشاركة الفعلية فى بناء الدولة المصرية الجديدة، ونظامها الديمقراطى، القادر على الوفاء بحقوق كل المصريين على قدم المساواة، وعلى أساس المواطنة الكاملة للكل. هذا ما كان حادثاً إلى حد كبير فى الفترة الليبرالية قبل ثورة 23 يوليو .1952 لذلك، فتقاعس الأقباط، تحت أى سبب أو ذريعة، أو رأى مؤسس على آراء انهزامية لاكتها الألسن على مدى سنين، يمكن أن يؤدى بهم إلى كارثة وجودية، بمعنى أن مرحلة الانتخابات، وما يليها هى مرحلة «نكون أو لا نكون». مرحلة يصنع فيها كل المصريين، أقباطاً ومسلمين، مصيرهم المشترك فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. إن الانتخابات البرلمانية الآتية ستتم بنظام الانتخاب بالتمثيل النسبى (لثلثى مقاعد البرلمان)، أى بقوائم حزبية، وهى طريقة تعطى لكل صوت انتخابى قيمة فعلية تترجم بتمثيل عادل داخل البرلمان. الأمر الذى سيؤدى إلى تمثيل أفضل للأقباط وكل فئات الشعب المصرى إذا ذهب كل مصرى، وخصوصاً الأقباط، للإدلاء بأصواتهم. مرة أخرى، المشاركة السياسية بالتصويت فى الانتخابات أو بالترشح لعضوية البرلمان، هو المدخل لممارسة حقوق المواطن. إن الحقوق لا توهب أبداً. ولكنها، أكرر، تُصاغ دستورياً وتفعل قانونياً وتمارس عملياً، بداية عن طريق التصويت فى الانتخابات. المستقبل تشارك فى صنعه الآن.. أو تتركه للآخرين ليصنعوه لأنفسهم فقط!!!؟ رئيس المنظمة الكندية المصرية لحقوق الإنسان.