وتبدد تماماً الخط الفاصل بين ما هو سياسي وما هو ثقافي المهرجانات صارت تلعبها سياسة ويبدو أن رجال السياسة أصبحوا الآن يلعبونها مهرجانات. والحقيقة أن ثورات الربيع العربي تجاوزت الحدود ليصبح لها مردودها في العالم كله، حتي المهرجات العالمية الكبري مثل «كان» و«فينسيا» لم تعتبر أن الثورة ظرف إقليمي وقضية عربية فقط ولكنها تعاملت معها علي اعتبار أنها تهم كل العالم.. في المهرجانات العالمية الكبري تواجدت علي خريطتها وفي مساحات خاصة أفلام مصرية وتونسية وسورية تتناول الثورة ويجب ألا نفرط في الإعجاب بمستوي هذه الأفلام والتي أراها في جانب منها تقدم الثورة لكنها لا تتعمق فيها، وهذه قضية أخري سوف نتناولها قريباً بشيء من التفصيل لأن البعض اعتبر أن الأفلام التي عرضت في تلك المهرجانات الكبري شهادة للسينما العربية علي إنجازها وبأنهم قدموا أفلاماً عظيمة رغم أن الواقع يؤكد أنها كانت شهادة للثورات العربية وأن الاختيار جاء للثورة قبل السينما!! كان أسبق مهرجان عربي كبير وضع علي أجندته الثورة العربية هو «أبو ظبي».. تاريخياً سبقه ببضعة أيام مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي ولكنه أصبح بمثابة فضيحة مدوية حتي العنوان الذي رفعه في ندوته الرئيسية وهو «السينما وثورات الربيع» لم يزد عن كونه تضييعا للوقت فلم نر في الحقيقة لا سينما ولا ثورة، بينما الندوة التي تناولت العلاقة بين الثورة والسينما هي تلك التي شاهدتها في «أبوظبي» حيث كان عدد من فنانين لديهم مواقف واضحة متواجدين علي المنصة مثل «عمرو واكد» و«خالد أبوالنجا» من مصر والكاتبة «هالة العبدالله» والمخرج «نبيل المالح» من سوريا والمنتج «الحبيب عطية» من تونس. تستطيع أن تري مثلا رئاسة نبيل المالح المخرج السوري المعارض للجنة تحكيم مهرجان «أبوظبي» ثم رئاسة محمد ملص المخرج السوري المعارض للجنة تحكيم مهرجان» الدوحة هو بمثابة موقف مسبق من تلك المهرجانات للوقوف إلي جانب الثورة السورية ضد بشار ولهذا مثلا سوف تكتشف أن النجوم - البشاريين - من سوريا أحجموا عن الذهاب للمهرجانيين كنوع من التعبير عن وقوفهم إلي جانب بشار!! الثورات العربية عنوان رئيسي في المهرجانات ولكن السينما أيضاً ينبغي أن تجد مكانتها لنسأل بالضبط ما هي السينما القادمة بعد أن تغير المزاج النفسي للجمهور.. قد يعتقد البعض بالمناسبة أن الأفلام التي تناولت مباشرة الثورة هي التي تعبر عن روحها ولكن الحقيقة أثبتت أن تلك الأفلام، خاصة الروائية منها، كانت تسعي لاستثمار الحدث الثوري والضحك علي الجمهور بينما ما نصبو إليه وننتظره هو أن نشاهد سينما أخري تتعانق فيها الأفكار الشابة التي تحطم المألوف.. لا تحكي بالضرورة عن الثورة ولكنها تمتلك صدقاً في التعبير بات مع الأسف عزيز المنال شحيحاً علي الشاشة.. النمط الإنتاجي علي سبيل المثال في السينما المصرية سوف يشهد تغييراً، وهذا بالطبع سوف يؤدي في جانب منه إلي تقليص سطوة النجوم علي مقدرات الفيلم السينمائي.. السينما المصرية لن تتغير مائة درجة سيظل الخط التجاري التقليدي له جمهوره وتواجده ومساحته ولكن أيضاً هناك خطاً موازياً يسمح بتقديم معادلات إنتاجية أخري تطرح بالضرورة فكراً مغايراً وهذا هو ما أعتقد أننا سوف نراه ليس علي المستوي المصري فقط ولكن عربيا أيضاً. هذا هو ما أتمني أن أراه قريباً حتي يمحو تلك الصورة من الذاكرة التي رأيتها في مهرجان «أبوظبي» قبل عرض الفيلم المصري «أسماء» عندما هتف كل من مخرج الفيلم «عمرو سلامة» مرددا :تحيا مصر وردت عليه بطلة الفيلم «هند صبري»: تحيا تونس ومصر وقالت المذيعة اللبنانية التي كانت تتولي مهمة تقديم الفيلم: تحيا مصر وتونس وسوريا بدلاً من أن تقول تحيا الثورات العربية.. كم تمنيت أن ثورات الربيع العربي كانت قادرة أيضاً علي تحريرنا من تلك النظرة القطرية الضيقة.. الربيع العربي كان عربياً وليس مصرياً أو تونسياً أو سورياً أوليبيا فقط.. ولكن أغلب نجومنا كانوا يهتفون فقط لبلادهم ولهذا أقول بالنيابة عن الجميع: تحيا الأمة العربية.. الحياة لم يعد لونها «بمبي» كما كانت تعتقد «سعاد حسني» ولكن لونها «ثوري»!!