د . ماجد موريس فى «أسطاسية» آخر روايات خيرى شلبى، قال واصفا فرج أبو العلا الذى كان مدرسًا ثم أصبح سائقا للعمدة: لأسباب غامضة كرهه أولياء الأمور، فتم فصله من التدريس، التهمة أنه علمانى، مع أنه، لا رافع التهمة ولا المتهم ولا أنا ولا واحد ممن يرددون هذه الكلمة كاتهام بالكفر يعرف معناها. العلمانية إما أنها تنطق بكسر العين فتصبح اشتقاقاً من العلم الذى ينافى الجهل، أو أنها تنطق بفتح العين فتصبح اشتقاقا من العالم المادى بالطبيعة، وهو ما يجافى العالم الروحى أو الحياة الآخرة، والنطق الأول هو المرجح، كان الكاتب البريطانى جورج هوليو آك هو أول من استعمل هذا المصطلح فى 1846 وترجع جذور أفكار العلمانية للفيلسوف الأندلسى المسلم «ابن رشد» الذى نادى بنظام مستقل عن الاعتقاد الدينى دون أن يعنى هذا إهمال الدين أو الإقلال من شأن التدين على المستوى الشخصى. يقول هوليو آك إن العلمانية لا تهدد المسيحية ولا الدين ولكنها نظام مستقل، لا ينكر الإيمان بالله سبحانه وتعالى ولا يلغى دور رجال الدين ولا الفروض الدينية ولكنه يؤكد وجود تيار مواز من اليقين والمعرفة ينبع من تجارب الحياة، ويصب باتجاه استقرار البشرية، كل معطيات العلمانية قابلة للفحص والاختبار وقابلة للتطوير والتعديل حسب الظروف، على العكس من الدين الذى نجله ونحترمه ونقدس نصوصه لأنها إلهية، ولهذا تحتدم المناقشات إذا استدعت الضرورة تأويل نصوصه فى ظل المتغيرات المعاصرة. شهدت أوروبا فى العصور الوسطى الحالة النموذجية لدمج الدين والدولة خلافا للتعليم المسيحى «ما لله لله وما لقيصر لقيصر»، وعلى النقيض نجد أن الدولة الإسلامية فى عصورها المزدهرة عاشت دون أن تعرف الحكم الدينى، ولم يكن هذا هو الحال باستمرار فقد عاش المسلمون عصورا تحالفت فيها السلطة الدينية مع الدولة. تمارس العلمانية فى الولاياتالمتحدة وفرنسا وهولندا والسويد، والهند هى أجلى نماذجها فى الشرق «تخيل مجتمعا متعدد الهويات الدينية مثل الهند لا يتخذ من العلمانية فلسفة للحكم»، من جهة أخرى يقول معارضو العلمانية أن دولا مثل النرويج وأيسلندا وفنلندا والدنمارك، ومازالت بها روابط قوية بين الدولة والمؤسسة الدينية، تنتعش فيها الحريات وتتقدم اقتصاديا أكثر من الدول التى انتهجت منهجا علمانيا، أيسلندا مثلا كانت من أوائل الدول التى قننت الإجهاض، وفنلندا تمنح دعما للمسلمين لبناء المساجد. من أهم المؤسسات التى تقاوم العلمانية، الفاتيكان فى الغرب والإسلام السياسى فى الشرق وكلاهما يرى أن الدين يمنح للإنسان حرية تفوق كل ما يمكن أن توفره له العلمانية، ويرى العلمانيون أن العلمانية تضمن حقوق الأفراد والأقليات «راجع أحاديث الشيخ البرهامى عن الجزية»، وتؤكد حرية ممارسة الشعائر الدينية «راجع موقف السلفيين من الأضرحة وبناء الكنائس» وتضمن حق الفرد فى تحقيق ذاته بالأسلوب الذى يراه «ماذا يستفيد المجتمع من قصر بعض الوظائف على الذكور دون الإناث والعكس بالعكس؟»، وتفسح مجالات الإبداع والبحث العلمى «راجع ما جرى لنجيب محفوظ ونصر أبو زيد ومحمد طه وأحمد بغدادى». تهاجم العلمانية من منطلق إردافها بالكفر والإباحية وهى فى الحقيقة نظام محايد لا يعادى الدين ولا يشجع الإلحاد ويدعم حرية العقيدة دون أن تتبناها الدولة وتكفل استقلال المؤسسة الدينية وعدم خضوعها للسلطة السياسية.