لم أبك في حياتي أحداً توفاه الله مثلما بكيت علي رحيل الزعيم جمال عبدالناصر، كنت أظن أنني لن أبكي بهذه الحرقة بعد وفاة والدي قبل عامين من رحيل الزعيم وبكائي علي شقيقي الذي استشهد في حرب تحرير اليمن قبل والدي بعامين استشهاد شقيقي حملته علي عاتق عبدالناصر وأنه السبب في موته وهو في ريعان شبابه، حيث كان ملازما أول بالصاعقة في الثالثة والعشرين من عمره، إلا أنني في المرة التي رأيته لأول مرة رأي العين عابرا في سيارته المكشوفة أسفل كوبري علوي بميدان التحرير وكان ذلك بعد نكسة 67 ورأيت نفسي أحاول القفز لأصافحه أقبله ناسية أحزاني تماما. كان أول لقاء لي معه من خلال صورة كبيرة له معلقة علي جدار بهو منزلنا كنت طفلة صغيرة وقتها لم أدرك إلا أنها صورة لكبير هذا البيت لم تغادر صورته جدران منزلنا إلا بعد مغادرتنا بلدتنا في دمياط لتعود وتتصدر جدران منزلنا الجديد بالعجوزة. بعد سنوات سافرت إلي اليمن ضمن وفد للجنة المصرية للتضامن وهناك وجدت حباً أكبر من الشعب اليمني لهذا الرجل ولكل من ينتمي إلي مصر وعبدالناصر حباً يفوق في وصفه حب العاشق للمعشوق. وجدت الحب نفسه من الشعب السوداني الذي حمل عربته علي أكتافه من مطار الخرطوم إلي بيت رئيس الحكومة آنذاك وكان هذا بعد نكسة كسرت ظهره وأمرضته ليعبروا له عن مدي حبهم له واحترامهم له وكانت المصالحة بينه وبين الملك فيصل، رأيت صور اللقاء علي حوائط القاعة مسجلة هذا الحدث. عبدالناصر لنا جميعا.. هو محرك ثورات التحرر الأفريقية وحاضن زعمائها مدرك أن تحرر أفريقيا وعلاقتنا معها يجب أن تكون لها الأولوية علي ما عداها باعتبارها جزءا من الأمن القومي المصري وهو ما أثبتته الأيام بعد ذلك من أهمية وحدة دول نهر النيل حيث شريان الحياة لنا جميعا. المشير طنطاوي والفريق عنان بحضورهما جنازة ابن الزعيم أضفيا دلالات سياسية مهمة علي المشهد، أهمها أن الزعيم لا يموت وسيظل هو الزعيم السياسي الأبرز الذي تتفق عليه المؤسسة العسكرية المصرية وعلي تاريخه وعطائه الطويل. تأخذني الذكري إلي ترديد الهتافات التي صاحبت توديع ابنه خالد لأقول مثلهم «روح يا خالد قول لجمال الثورة باقية مع الأجيال» و«قول لأبوك نام وارتاح وإحنا حانكمل الكفاح»، «يا خالد قول لأبوك يا عود الفل بعدك إحنا شفنا الذل».