يحمل السفير حسن عيسي - مدير إدارة إسرائيل الأسبق بالخارجية المصرية- تجربة وتاريخا مهنيا نادرا ما يتكرر امتد لأكثر من أربعين عاما من العمل السياسي والدبلوماسي كان سوادها الأعظم في دائرة الأمن القومي المصري كأحد أهم المسئولين عن ملف «إسرائيل»، وهو الملف الذي بدأ مباشرته أثناء الحقبة الناصرية واستمر في الإمساك به أثناء حكم الرئيس السادات وتوجه في الفترات الأولي من حكم الرئيس السابق مبارك إذ كان أحد أهم عناصر الكتيبة الدبلوماسية التي دخلت المفاوضات الخاصة باستكمال الانسحاب الإسرائيلي من سيناء وأسند له وزير الخارجية آنذاك كمال حسن علي الإشراف علي هذا الملف. • هل تعتقد أن الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل مؤخرا داخل حدودنا مجرد عمل عشوائي أم مقصود ؟ - في اعتقادي أنها ليست عن عمد، ولم تكن لديهم نية قتلهم ، بل علي العكس أصيبوا بأضرار من جراء ما حدث وأهمها رد فعل الشارع المصري.. ولكن يمكن أن يكون قيامهم بهذا العمل في إطار ملاحقة من ارتكبوا جريمة إيلات ، ولكن تعاملهم في شأن الحدود وتعاملهم في شأن العسكريين المتواجدين علي الحدود يشوبه إهمال وعدم اعتناء شديد وسببه حقبة وفترة حكم مبارك والذي كانت ردود فعله إزاء مثل هذه الأحداث هزيلة جدا. • ما هي الأخطاء التي ارتكبها النظام السابق في تعامله مع إسرائيل؟ - كلها تتمحور حول موقف الحكم المتخاذل من إسرائيل ، لأنه كان بيحسب العلاقة مع إسرائيل من خلال العلاقة مع الولاياتالمتحدة.. بمعني أنه كان يتحمس ويتحسب من إغضاب إسرائيل حتي لا يغضب الولاياتالمتحدة وهو لا يريد إغضاب الولاياتالمتحدة ، حرصا علي تمرير ملف «التوريث» في مصر ، ولذلك انكفأ الحكم علي الداخل لخدمة ملف التوريث وكان الثمن هذه العلاقة الواهنة بإسرائيل وهذه العلاقة التابعة للولايات المتحدة. • ولكن هذا الكلام قد يرد عليه بأن ملف التوريث كان بدعة العقد الأخير من حكم استمر لثلاثة عقود ؟ - غالبية هذه الأحداث وهذه الانتهاكات حدثت في العقد الأخير من حكم مبارك ، شوف.. هناك حوالي 12 حادثا من هذا النوع شهدته الحدود من بينها خمس حوادث تقريبا راح ضحيتها عسكريون مصريون وهذه النوعية كانت في العشر سنوات الأخيرة من حكم مبارك وقبل بدعة التوريث كانت مسألة الاحتكاك هذه نادرة. • اتهامك للنظام السابق بأنه كان متخاذلا في التعامل مع إسرائيل هل يقتصر علي الجرائم الإسرائيلية علي الحدود أم أنه امتد إلي ملفات أخري ؟ - بالقطع امتد إلي ملفات أخري.. وفي مقدمتها حقوق الأسري المصريين في حروبنا مع إسرائيل وجرائم الحرب التي مورست ضدهم، هذا الملف كان يتم التعامل معه بهزال وضعف مخجل. قبل عامين ظهر فيلم «روح شاكيد» والذي احتوي علي مشاهد قتل الأسري المصريين علي يد عسكريين إسرائيليين ، وظهر في هذا الفيلم «بنيامين بن إليعازر» بصفته قائدا عسكريا شارك في قتل الأسري المصريين وروي قصصا من بينها أنهم حفروا تربة وألقوا فيها الأسري المصريين أحياء وردموا عليهم بالتراب ، ومن بينها أيضا أنهم داسوا علي الأسري بجنازير الدبابات. .. وأشياء وفظائع من هذا القبيل «بنيامين بن إليعازر» هذا وحتي آخر دقيقة في حكم مبارك كان صديقا مقربا لمبارك ويأتي إلي مصر ويلتقي به وكان مبارك يسميه «فؤاد».. ويقول عليه «صديقي فؤاد». • ولماذا أطلق عليه هذا الاسم علي وجه التحديد؟ - لأن هذا هو الاسم العربي له مثلما كان يسميه الأكراد لأنه ينحدر من أصول كردية ، وكان مبارك يضحك معه ويناديه فؤاد وعملت إيه يا فؤاد وأخبارك إيه يا فؤاد ، فؤاد هذا ما هو إلا بنيامين بن إليعازر الذي قتل الأسري ودفنهم أحياء كما ظهر في فيلم «روح شاكيد» والذي انتظرت رد فعل مصريا قويا عليه ولكن ما شاهدته في الحقيقة كان مخجلا وكانوا يضيقون الخناق في تداوله وتناوله لمنع إثارته حتي لا تضطر السلطة المصرية إلي الرد وكانت النتيجة أن الدم المصري أهدر. وكانت النتيجة أيضا أن إسرائيل أصابها عدم الاعتناء بالتزاماتها علي الحدود المصرية فقتل المزيد من المصريين نتيجة مواقف النظام المتخاذلة. • معني كلامك أن هناك قناعة إسرائيلية بأن الدم المصري رخيص؟ - السلوك الإسرائيلي منبعه هزال رد الفعل المصري وضعف رد الفعل المصري وسكوت السلطة المصرية السابقة علي قتل المصريين. • وما هو المتغير في رد الفعل المصري الراهن ؟ - شباب يناير. • ماذا تعني؟ - الشباب الذي خرج في يناير وبعده ، سقف مطالباته مرتفع وعال ، وهذا منتظر ومرحب به ومرغوب بأن يكون سقف مطالبات الشارع أعلي من إمكانيات السلطة ، لأن السلطة تتعامل مع الأمور تعاملا عقلانيا سياسيا منطقيا تراعي فيه الأوضاع الإقليمية والداخلية والدولية والاستراتيجية ، ويكون لها حسابات كثيرة واجبة عليها من منطلق حرصها علي المصلحة القومية المصرية وفي نفس الوقت طلبات الشارع أكثر ارتفاعا من إمكانية السلطة ، وهذه الفجوة أمر منطقي وطبيعي.. ولكن كل ما نطلبه في مصر أن «يعي» الشارع بأن هناك حدا يجب أن نصل إليه يراعي المصلحة القومية المصرية. في الحلقة القادمة من الحوار: حكومة علي لطفي خدعت مبارك وأوهمته بإنجاز محطة لتحلية المياه.. والحقيقة أن المياه كانت مشتراة من إسرائيل. مبارك كان سيحاكمني عسكرياً بسبب «إسفين» من صفوت الشريف واتخذ قراراً بتهميشي بعد نجاحي في مفاوضات استلام طابا.