كلاهما أسس دولته، الأول أسس دولة المسيحية والثاني أسس إمبراطورية الإسلام.. كلاهما كان يعد حجر الزاوية في طريق دعوته، رغم أنهما لم يكونا أنبياء.. خيوط متشابكة تجمع بين شخصية بولس الرسول والفاروق عمر بن الخطاب يكشف عنها بجرأة صادمة الباحث الدكتور أشرف السويسي الذي أصدرها في كتاب «عمر المتنبي وبولس الرسول» يقارن الباحث بين شخصيتين ينتميان لعصور وخلفيات وعقائد مختلفة ليس ربطا فقط فيما هو مشترك بينهما، بقدر ما هو إلقاء الضوء علي ضرورة أن هناك رجالا يصنعون أقداراً وأقدار تصنع رجالا. ولمن تصدمهم المقارنة يقول الباحث في مقدمته إننا لسنا بصدد كتاب دين أو عقيدة لتغليب أحدهما علي الآخر، بل هي دعوة للتأمل والتفسير والإدراك، بمعني أن يدرك كل طرف ما لدي الآخر من متشابهات في حق رجلين غيرا وجه التاريخ في ديانة كل منهما وكيف كان لهما ماضٍ فيه شيء من التشابه وحاضر فيه اختلاف وتشابه أيضاً أثر ذلك ليس علي مستقبليهما هما الاثنان فقط ولكن علي باقي أمتهما وسائر من اعتنق ديانة كل منهما وهما شخصيتان يحمل لهما أهل الديانتين الكثير من التبجيل والاحترام بل والقداسة أيضاً لذا كان عمر هو متنبي الأمة بحق بموجب مجموع التراث الأحاديثي الذي ذكرناه ونضيف عليه ما صاغه الخيال الجماعي حديثاً نبوياً يقول «ما أبطأ عني جبريل إلا ظننت أنه بعث إلي عمر» بغض النظر عن صحة الحديث من عدمه إلا أنه يقدم صورا افتراضية ما كان يجري من تداخل لعمر لصياغة التشريع المناسب المستجد من الأمور وقد استجاب الرسول محمد صلي الله عليه وسلم مرارا لرأي عمر ولكن بعد استشارة السماء وهذا ما كان يمنح «موافقات عمر» بعدا نبويا ويجعلها تشريعاً. أما بولس «شاول الطرسوسي» فهو لم يدرك زمن المسيح إلا أنه تم منحه لقب الرسول وظل له النصيب الأعظم رغم ذلك من «الكرازة» بالمفهوم المسيحي أو الوعظ «الدعوة بالمفهوم الإسلامي» واستحوذ بولس علي ما يقرب من ثلثي العهد الجديد بمجموع 13 رسالة أخطأ الباحث وكتبها من 23-27 كتاباً بالعهد الجديد لهذا كان لابد من الاقتراب من شخصيتي «المتنبي والرسول». • ضد الضحك والهزل يقدم الباحث في الفصل الأول من الكتاب أهم سمات شخصية «عمر» و«بولس» التي تعد نموذجاً للاقتراب، ف«بولس» كما يقول عنه اللاهوتي الفرنسي «دانيال مارجيورا» إنه متسلط متجمد، محافظ للغاية، عدو للمرأة وهي صفات تتشابه بعض الشيء فيما جاء في الأثر الإسلامي عن مواصفات شخصية عمر بن الخطاب وخاصة في عدم ميله للهزل والضحك. كما أن الشخصيتين كانتا علي عداوة كبيرة مع الدين الجديد ف«بولس الرسول» كان مضطهدا للمسيحية بل كان حاضرا لجريمة رجم الشماس اسطفانوس «أول شهيد في المسيحية» وكان راضيا بقتله وحارسا لملابس الراجمين، وينطبق الكلام تقريبا علي «عمر بن الخطاب» والذي اتسمت علاقته بالمسلمين الأوائل بالعداء والكراهية فخلافا لروح التسامح القريشية التي طبعت علاقة قريش بدعوة الرسول محمد صلي الله عليه وسلم في المرحلة الأولي عندما كان يدعو للتوحيد فحسب فإن الثابت أن علاقة عمر بالدعوة كانت علاقة عداء شديد ولهذا فقد وضع عمر في قائمة أشد الشخصيات التي ناوأت وحاربت الدعوة المحمدية في مراحلها الأولي، فكان عمر لا يفتأ يتعرض بالأذي للمسلمين وقد سجل التاريخ أنه قام بتعذيب «لبيبة» وقيل «أمينة» وهي جارية بني مؤمل بن حبيب بن عدي بهدف إكراهها علي ترك الإسلام «سيرة ابن هشام 319/1 والكامل 69/2». ويذكر الكاتب 12 رواية عن إسلام عمر بن الخطاب وتدور أغلبها حول إسلام عمر بعد إسلام أخته. أما عن إيمان بولس بالمسيح فيقدم الكاتب 3 روايات وهي قصة واحدة مزودة ببعض التفاصيل عن ظهور المسيح ل«بولس» أثناء سفره إلي دمشق للقبض علي المسيحيين هناك وقد أصيب بولس بالعمي نتيجة هذه الرؤيا لمدة ثلاثة أيام. • الدور الكبير بعد إسلام عمر توطدت علاقته بالرسول محمد صلي الله عليه وسلم الذي تزوج ابنته أم المؤمنين «حفصة» وقد تميز عمر بالتشدد ويظهر هذا التشدد في حادثة «حاطب بن أبي بلتعة» التي وردت في الطبري «14/2» حيث كتب حاطب رسالة إلي قريش يخبرهم باستعدادات المسلمين للتحرك نحو مكة وقد اكتشف أمره فطلب عمر أن يضرب عنقه ولكن محمد صلي الله عليه وسلم رفض مبرراً عفوه بأن حاطبا شارك في معركة بدر وهو تصرف ندر به القرآن لاحقا «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء» «الممتحنة» كذلك رفض عمر لصلح الحديبية،وتتضح سطوة عمر كما يقول الباحث د. أشرف السويسي - ومدي قوته وسيطرته تجاه تحريك الأحداث - هو موقف عمر من الرسول صلي الله عليه وسلم الذي كان علي فراش الموت - وتقول الروايات إن الرسول أراد أن يكتب كتابا بيد أن عمر بن الخطاب منعه وطلب عدم الاستجابة له كونه يهجر «الهجر معناه الحلم والهذيان» وجاء ذلك في «طبقات ابن سعد 242/2-245» وقد جاءت في البخاري أيضاً إلا أن الدكتور السويسي يؤكد أنها رواية مختلقة. وإذا كانت علاقة عمر بن الخطاب مع الرسول صلي الله عليه وسلم علاقة فعلية وارتباطا شخصيا وإنسانيا وروحيا باعتبار الرسول كان القائد الروحي لعمر وباعتباره كان مستلهم وحي السماء وكم تمني أن يكون عمر ضمن طائفة المؤمنين برسالته إلا أن بولس لم تكن له مع المسيح مثل تلك العلاقة بل هناك من يشكك في واقعة ظهور المسيح له، ويستشهد الباحث بما كتبه الكاتب جمال شرقاوي في كتاب «يسوع النصراني» حيث يري أن هناك صراعا بين علماء المسيحية بين ما يطلق عليه المسيح التاريخي «عيسي ابن مريم الإسرائيلي المولود من عذراء في فلسطين وبين ما يطلق عليه المسيح الكوني «مسيح الإيمان الذي نادي به بولس. • السمة النبوية يقول الباحث إنه من الملاحظ أن بولس الرسول كان مشرعا ونعت نفسه ب«الرسول» وظل اللقب ملازما له علي اعتبار أنه أحد أهم مؤسسي المسيحية المستقلة أي أن بولس كانت لديه «السمة النبوية» إذ كانت سمات الوحي تلازمه لذا ظهرت تعاليمه ورسائله ومساجلاته. ومما أضافه بولس إلي المسيحية تنظيم الكنيسة والشكل الأسقفي، كما أنه هو رائد استقلال المسيحية عن اليهودية.. ويري الباحث أن من يقرأ الأناجيل يكتشف أن يسوع لم يطمح إلي إقامة نظام ويستشهد بالعالم اللاهوتي «مارجيورا» الذي قال «إن لم يكن يسوع هو مؤسس الديانة المسيحية كحركة محددة ومنظمة فمن يكون غير بولس؟!» ومع هذا فيعود الباحث ليؤكد أن بولس يعتبر ناقلا لرسالة يسوع قائلاً «هناك تناسق سيمتري بين يسوع وبولس قوي جداً وأن طريقة معالجة يسوع وبولس للمجال الأخلاقي متشابهة». أما عن عمر بن الخطاب فيقول الدكتور أشرف السويسي إن وضع مفهوم «المتنبي» بالنسبة له ليس بمعني ادعاء النبوة الذميم الذي لصق بالشاعر المشهور وإنما بمعني الموهوب في استلهام الصفة النبوية والتي عرفت ب«موافقات عمر» وأن ما ميز عمر هو أن رؤيته صارت تشريعا فرأينا كيف أن القرآن جاء مرارا يؤيد وجهة نظره عندما كان قادة الحركة الإسلامية يختلفون بطريقة التعاطي مع قضايا سياسية، حتي قيل لاحقا بأن عمر كان يري الرأي فينزل به القرآن. ويورد الباحث بعض الروايات حول تلك الأمور مثل «الاستئذان اليومي» فإن إحدي الروايات تقول إن الآية التي تطلب من المؤمنين عدم اقتحام بيوت الآخرين بدون استئذان «النور 58» جاءت بناء علي حدث يخص عمر إذ يروي أن النبي أرسل غلاما إلي عمر وقت الظهيرة ليدعوه فدخل عليه وكان نائما تظهر أجزاء من جسده فطلب عمر من ربه تحريم الدخول عليهم وقت النوم، وجاءت الآيات.. كذلك هناك رواية تقول إن عمر طلب من محمد أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلي فلم تغب الشمس حتي نزلت الآية «واتخذوا من مقام إبراهيم مصلي» «البقرة 125»، وقد قام عمر بسلسلة اجتهادات بعد وفاة الرسول تتعلق بالنص التشريعي الأول في الإسلام من ذلك إيقافه سهم المؤلفة قلوبهم الذي جاء في «سورة التوبة 60» وكذلك إيقافه زواج المتعة ومتعة الحج وغيرها.. ويخلص الكتاب إلي أنه كما ينسب لعمر بن الخطاب بدايات تأسيس الدولة في شكلها المؤسساتي الحديث كذلك ينسب لبولس فكرة تأسيس كنيسة الله.