بعد أيام قليلة قد يتم تنفيذ الحكم بجلد سيدة سودانية ارتكبت فعلاً فاضحاً فى مكان عام، هو ارتداء البنطلون. فرغم التزام الصحفية السودانية لبنى أحمد الحسين بارتداء ملابس محتشمة (بلوزة واسعة بأكمام طويلة وسروال فضفاض وطرحة تغطى رأسها)، فهناك من يرى أنها ارتدت ملابس فاضحة..! البنطلون الواسع الذى لا يشف ولا يرف وتعتبره نساء مصر زيا محتشما ومريحاً أصبح زيا فاضحاً فى عرف الحكومة السودانية وهكذا صدر حكم محكمة القيم السودانية بجلد لبنى أربعين جلدة، وسينفذ إذا ما أيدته محكمة الاستئناف. الطريف، أو المؤلم، أن الفتيات والسيدات المسلمات فى السودان يتكرر جلدهن منذ أن أصبحت الدولة إسلامية، والجديد فى الأمر أن الحكم شمل هذه المرة صحفية تعمل فى مكتب الأممالمتحدة بالخرطوم، وأن الصحفية لبنى دعت أصدقاءها وصحفى وكالات الأنباء والقنوات التليفزيونية العالمية وكل من تعرفهم لكى يروها والحكم ينفذ عليها، بل إنها استقالت من عملها بالأممالمتحدة حتى لا تكون الحصانة عائقاً دون تنفيذ العقوبة لبنى أرادت للمتأسلمين أن يروا، ويرى العالم كله، وجه التطرف القبيح. أرادت أن تقدم الدليل الدامغ على زيف وتلوث وبطلان العقلية المتطرفة التى تزعم أنها تطبق حرفياً تعاليم الإسلام.. التى تتشدق بأن المسلمين يكرمون المرأة ويعاملونها أفضل كثيراً من معاملة المجتمع الغربى لها. ويريدون للمجتمع العالمى أن يأخذ قدوته من مجتمع يزعمونه إسلامياً.. ولا أدرى أى عقليات وأى نوعية من الرجال اقترحت ومررت ووافقت على المادة 251 من قانون العقوبات السودانى، التى جلدت بمقتضاها مئات وربما آلاف الفتيات والنساء حتى اليوم. لبنى الحسين أول امرأة مسلمة تملك الشجاعة لأن ترفض وتحتج وتفضح المتأسلمين فهل يتحقق حلم الصحفية السودانية الشجاعة وتلغى تلك المادة من قانون العقوبات السودانى، وهل تلحقها مواد أخرى، لاشك موجودة به وبأغلب دساتير الدول الإسلامية، تكرس قهر المرأة وتئد طموحاتها وتمرغ كرامتها فى التراب.. وأقسى..؟ بعد هذه الواقعة المشينة هل نلوم الآخرين على تخوفهم من المسلمين وعدائهم للبضاعة الزائفة المغشوشة التى تباع لهم على أنها الإسلام..؟ هل نلومهم إذا ما صوروا المسلم فى رسومهم الكاريكاتورية كرجل ملتحِ ضخم يطلق وابلاً من الرصاص من مدفع رشاش فى كل اتجاه. وصوروا المرأة المسلمة على شكل شبح أسود تختفى معالمه تحت النقاب. اليوم ستتغير الصورة النمطية للمرأة المسلمة: إنها المرأة التى تجلد عقاباً على ارتدائها »البنطلون«.. أما صورة الرجل المسلم فستتحول إلى رجل أسمر ملتح يطارد بالكرباج أنثى ترتدى البنطلون. واللى ما يشترى يتفرج على المجتمع الإسلامى »كما يجب أن يكون«. بدعة جلد المسلمات ابتدعها الإمام الخمينى بعد أن تقلد الحكم فى إيران عام 9791، وأصبح ارتداء الشادور ملزماً بحكم الدستور للنساء الإيرانيات وصدر قانون يعاقب بالجلد كل مواطنة إيرانية لا تلتزم بالشادور ثم جاء العصر الذهبى للتخلف فى أفغانستان فلم يعد الشادور مجرد زى يخفى جسد المرأة الأفغانية، بل تحول إلى سجن كبير لاعتقال روحها وعقلها، وأعلن الطالبان بكل فخر تطبيقهم لما يرونه »الشريعة الإسلامية«: المرأة للبيت فقط.. لا لعمل المرأة.. لا لتعليم الفتيات.. إلخ وبكل حزم راحوا يطبقون شريعتهم ففصلوا جميع النساء من أعمالهن وأغلقوا مدارس الفتيات وبالطبع أصبحت أفكار وممارسات الطالبان ضد النساء مادة خصبة لصحافة الإثارة ودعاية مجانية تقدم صورة شديدة التخلف والغباء للمجتمع الإسلامى كما يجب أن يكون - فى رأى المتشددين - أنواعهم. لا أبالغ إذا قلت أن العالم كله ينتظر الحكم على لبنى الحسين، ليرى الدليل الدامغ على تخلف المسلمين وازدرائهم للمرأة، أتوقع أن ترتفع أصوات تطالب بالحجر على المتأسلمين وإيداعهم مصحات تدلك عقولهم الراكدة، وتعيد عقارب ساعاتهم البيولوجية إلى العصر الحديث. مشكلة ملابس المرأة المسلمة لم تعد تشغل الدول الإسلامية وحدها، بل أصبحت قضية تحير العالم الغربى ولا يجد لها حلاً ولا ربطاً. فمنذ نهاية القرن الماضى شهدت العواصم الأوروبية تغيراً ملحوظاً فى ملابس المهاجرات المسلمات.. وبدأ انتشار الحجاب والنقاب يلفت الأنظار ويثير الكثير من اللغط فى أوروبا وأمريكا. معقول..؟! منقبات يسرن فى شوارع أوكسفورد والشانزليزيه والشارع الخامس وغيرها.. وعاملات وموظفات ومهنيات كن حتى الأمس القريب يرتدين الأزياء العادية فإذا بهن يرتدين الحجاب والنقاب أحيانا..! ولم يجد الغربيون تفسيراً لتلك الظاهرة إلا أن تلك النسوة ما هن إلا عضوات فى الجماعات الإسلامية أو القاعدة.. أو على الأقل متعاطفات مع ما تدعو إليه تلك الجماعات جهاراً نهاراً.. كراهية الغرب وكل ما يمت إليه بصلة.. فالغرب فى أدبياتهم المنشورة منحل أخلاقياً ومتفسخ اجتماعياً يعلن الفجور على أنه حرية ويطالب بالفسق على أنه مساواة بين الرجال والنساء.. والغرب أفسد نساء الشرق وحرضهن على المطالبة بالعمل والمشاركة فى السياسة والاستقلال الاجتماعى بدعوى أنها حقوق إنسان.. الغرب هو الشيطان الأعظم وحربه ومقاومته فرض عين على كل مسلم ومسلمة. هذه خلاصة مبادئ »الإسلام« كما أعلنها فى خطبه كل من الخمينى وبن لادن وتابعه المصرى أيمن الظواهرى ومستنسخاتهم المتفشية فى كل الدول الإسلامية. وكأنما الحروب الصليبية عادت من جديد وبدلاً من الصراع على القدس تركز الخلاف على زى المرأة. وصار الإسلام فى أذهان العامة دين الإرهاب واستبداد الحكام واستعباد الشعوب وقهر المرأة. الخ وكلما رأى الغربيون امرأة محجبة أو منقبة تداعت إلى ذاكرتهم تلك الصورة التى يبغضونها. وبعد افتضاح أمر المادة 251 من قانون العقوبات السودانى، هل سيصيح بعض المتأسلمين الأوروبيين مطالبين بجلد النساء اللاتى يرتدين السراويل..؟ أنتظر حكم الاستئناف بفارغ الصبر، وأتمنى أن ترفض المحكمة إلغاء حكم محكمة القيم حتى ينفضح التخلف وينكشف الغباء. أتلهف لمعرفة آراء المتأسلمين الذين يدافعون عن كل ما تمارسه الدول التى أعلنت تحولها إلى دول إسلامية. دلونا يا أهل الحل والعقد هل توجد فى القرآن الكريم آية تحرض المسلمين على جلد نسائهم عقاباً على الامتناع عن ارتداء السروال..؟! هل يوجد فى السيرة النبوية ما يدل على أن الرسول قد أمر بجلد امرأة لهذا السبب أو لأى سبب آخر..؟! أفيدونا يا أهل العلم: هل جلد نساء العصر الحديث (لأى سبب من الأسباب) من »المعلوم من الدين بالضرورة«..؟ ويا من تطالبون وتلحون ولن تتنازلوا عن العمل على تحويل مصر إلى دولة دينية. هل هذا ما تعدونا به لو تمكنتم من حكمنا..؟ وإذا لم يكن جلد النساء من الشريعة الإسلامية، فلماذا تسكتون على إهانة الإسلام والمسلمين والمسلمات، وتهبوا مدافعين عن »الشريعة الحقة« أين ألسنتكم التى »تجلدنا« ليل نهار باتهامات التكفير والعمالة والعلمانية.. إلخ.؟ وسامحينى يا لبنى إذا ما تمنيت أن ينفذ الحكم وأن ترتفع صرخاتك إلى عنان السماء فيسمعها العليم السميع ويحقق دعواتنا بانحسار غمامة التخلف العقلى وعداء الإسلام الحقيقى من عقول المتأسلمين.