الدكتور «محمود الخفيف» الخبير الاقتصادى بالأممالمتحدة أحد الخبرات المشرفة لمصر فى الخارج، وهو يطرح رؤية اقتصادية تستحق أن نناقشها.. حيث يرى أن قروض البنك الدولى تمثل عبئا على مصر وعلى حرياتها، وأنه لا توجد سياسة مالية واضحة الآن تستطيع أن تنقذ الموقف الحالى.. وأن وجود «محمود محيى الدين» كأحد قيادات البنك الدولى يمثل له حماية يصعب معها محاسبته.. حاورنا الدكتور محمود الخفيف من سويسرا بعد أن أكد لنا فى بداية حواره أن ما يصرح به على مسئوليته الشخصية كمصرى وليس بصفته خبيرا فى الأممالمتحدة. • من قبل أرسلت بخطاب إلى الكاتب الكبير فهمى هويدى تحذر فيه من مخاطر القرض الذى كانت الحكومة تسعى إليه من صندوق النقد الدولى؟ - نعم مثل هذه القروض تجعلنا دائما تابعين لأمريكا والغرب ولا نستطيع أن نحقق الاستقلالية الكاملة.. لأنه دائما ما يرتبط هذا القرض ببرنامج اقتصادى وسياسة اقتصادية مفروضة علينا وغير صحيح ما يقال من أنه بدون شروط فلا يمكن أن يقرض الصندوق والبنك الدولى الدول قروضا غير مشروطة ولذلك فإن أضراره أكثر من فوائده حيث يثقل الدولة بالديون خاصة أن هناك حكومة انتقالية ليس من حقها أن تثقل كاهل الأجيال القادمة بدين يصل إلى 10 مليارات بدون سياسة اقتصادية أو رؤية مالية واضحة وهو ما يؤدى إلى مزيد من الخسائر الاقتصادية. • معنى ذلك أنك مع اتجاه المجلس العسكرى فى عدم الاقتراض من صندوق النقد؟ - نعم وهذا يؤكد أن المجلس العسكرى لديه رؤية صحيحة ويدرك مخاطر الاقتراض على مستقبل الوطن وما يسببه من تبعية لأمريكا والغرب. • كيف تعتبر أنه لا توجد سياسة مالية فى مصر رغم وجود الدكتور «سمير رضوان» كوزير للمالية؟ - مع احترامى للدكتور «سمير رضوان» لكن لا توجد رؤية اقتصادية فى مصر فيجب أن تكون هناك سياسة مالية تنقذ الموقف الحالى وتحضر للمرحلة القادمة فى إطار رؤية محددة.. الحكومة الحالية مع احترامى للدكتور «عصام شرف» لا يوجد فيها اقتصاديون غير «سمير رضوان» و«جودة عبدالخالق» وهما غير منوطين بالسياسة الاقتصادية.. ولايوجد مجموعة اقتصادية بالوزارة. • فى عهد مبارك كان هناك مجموعة اقتصادية ورغم ذلك عاش الشعب معاناة اقتصادية حقيقية؟ - نعم كانت هناك مجموعة اقتصادية لكنها ليست لصالح الشعب، بل كانت تهدف لبيع القطاع العام وتطبيق سياسة غير منضبطة وبلا قيود وليس لها أى بعد اجتماعى ولذلك نجم عنها فساد وتبعية لأمريكا ودول أوروبا. الاقتصادى الوحيد فى الوزارة الانتقالية الدكتور «سمير رضوان» خبرته بعيدة عن إطار «السياسة المالية» وربطتنا زمالة طويلة فى منظمة العمل الدولى لأن خبرته فى هذا المجال. كما أن فايزة أبوالنجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولى للأسف خبرتها بعيدة عن التخطيط. • وهل لديك رؤية اقتصادية معينة للخروج من أزماتنا؟ - الحلول تضعها مجموعة اقتصادية متخصصة من وزراء اقتصاد وتخطيط واستثمار ويكون مهمتهم وضع خطط ورؤى وتوفير استثمارات للنهوض بالقطاعين العام والخاص من أجل رفع مستوى الشعب وتقريب الهوة بين الغنى والفقير والارتقاء بالتعليم والصحة والقضاء على البطالة فى إطار الرؤية العامة للأوضاع. وذلك يتطلب عقد مؤتمر للاقتصاديين الوطنيين لتحديد النقاط التى يجب التركيز عليها فى النهوض بالاقتصاد الوطنى وتحديد قطاعات بعينها منوط بها نقل مصر كل 5 سنوات لنقطة معينة لرفع مستوى الدخل القومى لتخرج مصر إلى نقلة مستقبلية. وعلى سبيل المثال لابد من الاهتمام بقطاع الطاقة الشمسية لأنه فى غاية الأهمية ويمكن أن يكون له نتائج مبهرة لأن الشمس مورد دائم ومتوافرة فى مصر.. لابد أن نهتم بالروابط الأمامية والخلفية لهذا القطاع واستقطاب العلماء المتخصصين فى هذا الموضوع من الذين يملكون تصورات وأفكارا جديدة. ولابد من الانتباه إلى القوى البشرية فى مصر لأنها القوى الحقيقية والمصدر الاقتصادى القادر على مد كل جوانب التنمية باحتياجاتها. ولا أستطيع أن أعتمد على قطاع واحد فى خطة لمدة 5 سنوات مثلا ولابد من ضم قطاع آخر يحاول امتصاص العمالة الزائدة وليكن الزراعة. ما يجب أن نحرص فى كل مشروعاتنا ألا نكون تابعين للدول الكبرى.. فلا أنسى حوار الدكتور سمير رضوان فى إحدى القنوات المصرية حين قال أن أوباما قال له ولعصام شرف ما معناه «لديكم دعمنا وليس لديكم الحق فى الفشل»، واندهش كيف تذكر مثل هذه الكلمات من مسئولين مصريين وكأنهم سعداء أن الأمريكان أعطونا عشرة على عشرة! يجب على المسئولين فى مصر ألا يكونوا هم السبب فى تلك التبعية التى سلبتنا إرادتنا لما يزيد على 40 عاما منذ عهد الرئيس السادات. • لماذا ترى أن اللجوء لصندوق النقد الدولى والبنك الدولى يجب أن يكون آخر الحلول؟ - لابد أن يحدث تواصل بين الحكومة والشعب قبل الاقتراض ويعرض الأمر على الجمهور لأن الشعب هو من يتحمل نتيجة ومخاطر هذه الديون.. فالاقتراض من البنك الدولى فى ظل حكومة انتقالية يحمل الحكومة القادمة برنامجا اقتصاديا معينا وضعه البنك ويحد من حريتها فى وضع حلولها وأفكارها الخاصة. • فى رأيك هل يؤثر وجود وزير الاستثمار السابق محمود محيى الدين بين قيادات صندوق النقد الدولى على محاسبته كأحد رموز النظام السابق؟ - لقد تصرف محمود محيى الدين ويوسف بطرس غالى ورشيد محمد رشيد والمجموعة الاقتصادية فى البلد كأنه بلا قانون ولا رادع وطبقوا سياسة خصخصة عمياء أهدروا فيها عرق أجيال بنوا القطاع العام منذ عام 1952. ومحمود محيى الدين من المشاركين فى تطبيق خطط الخصخصة المدمرة ولابد من محاسبته.. وبعد الثورة كنا نقرأ فى الصحف عنه وعن ضرورة محاكمته وحين بدأت المفاوضات على القرض مع البنك الدولى بدأ اسمه يختفى من الصحف مع ملاحظة أن محمود محيى الدين يأتى فى المرتبة الثانية بعد رئيس البنك الدولى وترتيبه فى الأهمية واتخاذ القرار يأتى قبل نائب رئيس البنك الدولى ولو تم القبض عليه لأساء ذلك للبنك. شخصيا أعتقد أنه لو تم طلبه رسميا كمتورط فى قضايا الفساد ستكون فضيحة للبنك الدولى. • بصفتك خبيرا اقتصاديا تعيش فى سويسرا وتعمل بالأممالمتحدة هل هناك أمل فى عودة الأموال المهربة إلى مصر؟ - معظم الأموال التى تم سرقتها على يد كبار المسئولين كانت تأتى لمصر فى صورة منح، حيث كانت مصر تحصل على 8 مليارات دولار كمنح سنوية من أمريكا والاتحاد الأوروبى وتم تهريبها مرة أخرى إلى نفس الدول.. ونظام البنوك فى سويسرا فى غاية التعقيد، نظام عنكبوتى ولا يمكن أن تعود الأموال المهربة بالكامل.. ربما يعود جزء من هذه الأموال بالضغوط من الدولة والمستويين الرسمى والشعبى.. وعلى نقابة المحامين أن تقوم بتشكيل لجنة شعبية تنسق مع النيابة العامة واللجان الشعبية المختصة بهذا الأمر ويتخذوا خطوات إيجابية لإعادة هذه الأموال.. ما يزيد المهمة صعوبة أنها ليست كلها أموالاً سائلة بل بينها عقارات وشركات وأراض، والمسألة غاية فى التعقيد.. وتستغرق وقتا طويلا.. ولابد أيضا أن يقوم المصريون الذين يعيشون فى الخارج ويحملون جنسيات أخرى بدور فى هذا الإطار.. ويضغطون كمواطنين أمريكان أو سويسريين أو غير ذلك على حكوماتهم لعودة هذه الأموال.. وأعرف كثيرا من الزملاء يعيشون فى دول أوروبية وفى سويسرا على الأخص يطلبون المساعدة فى هذا الأمر وأخبرتهم القنصلية المصرية أنه ليس لديها تعليمات فى هذا الشأن من الحكومة المصرية. • كيف ترى مستقبل الاقتصاد فى مصر؟ - القاعدة الإنتاجية فى مصر لم تمس باستثناء قطاع السياحة والذى أعتقد أن خسائره مؤقتة وستعود السياحة مع استقرار البلاد أكثر رواجا وحجم الاقتصاد القومى فى مصر 220 مليار دولار ولو تم تقسيمه على 85 مليون مواطن لكان نصيب الفرد 2500 دولار فى السنة. ولابد أن نحاول أن نحسن من توزيع الدخل ونضع رؤية وخطة محددة نصل من خلالها فى 5 سنوات لمستوى معين وننتقل بعدها لمستوى أعلى.