منذ قدم الموقع الإلكتروني للمحرك البحثي جوجل خدمته الأشهر (جوجل إيرث) أصبح من العسير إخفاء أي موقع أو منشأة من علي خرائطه، فالبرنامج يستخدم تقنية التصوير بالأقمار الصناعية ويعرض صورا مكبرة وواضحة إلي حد مذهل تمكنك من تتبع مواضع وربما بنايات بعينها بدقة كبيرة عبر الإنترنت، إلا أن مستخدمي جوجل إيرث لاحظوا مؤخرا إخفاء 31 موقعا عمدا لا يمكن عرض تفاصيلها رغم أن أكثرها مواقع عادية ولا تخضع لإجراءات أمنية مبالغ فيها. عملية التعتيم التي أجراها جوجل إيرث أثارت الجدل حول الأسباب الحقيقية وراء إخفاء ال 31 موقعا، وزادت الشائعات فيما يخص مبررات ظهورها بهذه الطريقة المريبة علي صور الأقمار الصناعية. المواقع التي جري التعتيم عليها تتنوع ما بين أحد القصور الملكية الأوروبية إلي مصافي البترول وبعض المواضع التي يشتبه أنها تضم رءوسا نووية، لكن المثير للدهشة أن دولة عملاقة بحجم كوريا الشمالية مثلا جري التعتيم عليها تماما علي جوجل إيرث، فخرائط الأقمار الصناعية التي اشتهرت في مصر بعبارة (ممكن تشوف سطوح بيتكم عليها) لا تضم أية تفاصيل لكوريا الشمالية، لا شوارع، ولا منشآت ولا خطوط سكك حديدية، ولا ملامح جغرافية حتي، مجرد مساحة يطلق عليها كوريا الشمالية. المواقع ال 13 هي (بيكر ليك) بكندا، قاعدة (رامستاين) الجوية بألمانيا، منطقة شمال غرب الباسيفيك بالولاياتالمتحدة، مصفاة للبترول بالمجر، قصر العائلة المالكة بهولندا، منطقة مجهولة بروسيا، شركة بترول موبيل نيويوركبالولاياتالمتحدة، قاعدة ريمس الجوية بفرنسا، مفاعل إينديان بوينت بالولاياتالمتحدة، قاعدة فولكل الجوية بهولندا، موقع لتجارب الطاقة بألاسكا، ساحة مازدا لسباق السيارات بكاليفورنيا، وأخيرا دولة كوريا الشمالية. رغم أن كثيرين لا يرون مبررا قويا وراء تعرض العائلة المالكة أو أي من ممتلكاتها في هولندا لخطر الهجوم أو التعدي، الأمر الذي يستتبعه إخفاء معالم قصر الملكة الأم أو (هويس تن بوش) من خرائط جوجل إيرث، فإن صور القصر تظهر مشوشة أو (مبكسلة) تماما مقارنة بمعالم المنطقة التي تحيط بمقر إقامة الملكة الذي تم تخصيصه لها بموجب قانون برلماني منذ عام 1981 والتي تظهر بأصغر تفصيلاتها واضحة تماما من أية زاوية علي خرائط المحرك البحثي. وفي هولندا أيضا جري إخفاء معالم قاعدة فولكل العسكرية الجوية بشكل فاضح وصارخ أثار استياء متصفحي جوجل إيرث الذين لم يجدوا مبررا لهذا التصرف سوي تسريبات ويكيليكس منذ فترة بشأن هذه القاعدة المثيرة للجدل، حيث جاء في الوثائق أنها تضم رءوسا نووية سرية لا يفضل الكشف عنها أو الإشارة إلي معلومات بشأنها. أما بالنسبة لموقع (بيكر ليك) الكندي فإن التشويش المتعمد علي الصور الملتقطة له جعل الكثيرين يميلون لرواية شخص يعرف نفسه بأنه دارس لعلوم الفلك وأبحاث الفضاء ويدعي د. (بويلان)، وهي الرواية التي يزعم فيها عثوره علي أدلة لا تقبل الشك حول وجود (فنارات فضائية) وهي أشبه بعلامات إرشاد يفترض أنها وضعت في مناطق معينة من كوكب الأرض من قبل كائنات فضائية في عوالم أرقي من عالمنا وأكثر تعقيدا، حيث ترددت أقاويل بشأن اكتشاف هذه الفنارات في منطقة بيكر ليك وهو ما حدا بالحكومة الكندية إلي إخفائها من علي خرائط الأقمار الصناعية. الحقيقة أن للولايات المتحدة نصيبا لا بأس به فيما يتعلق بمسألة إخفاء معالم المواقع علي خرائط جوجل، وربما كان لذلك سبب، فأحد المواقع الغامضة المعتم عليها يقع في الولايات الجليدية ألاسكا، والموقع لمركز بحثي يحمل اسم (برنامج الشفق لبحث النشاط عالي التردد)، ولا أحد يعلم علي وجه التحديد طبيعة الأبحاث التي يجري تنفيذها تحت هذا البرنامج أو الغرض منها وإن كانت الاتهامات تنهال علي هذا الموقع وبرنامجه البحثي وتحمله مسئولية توحش سلوك الطبيعة بشكل مباشر. موقع أمريكي آخر يعتقد أنه يحمل مبررات إخفائه من علي الخرائط وهو موقع مفاعل الطاقة سييء السمعة إنديان بوينت، فالمفاعل حسبما تشير تقارير الخبراء لا يفي بمعايير السلامة البيئية كما أنه لا يمكنه بأي حال من الأحوال الصمود أمام زلزال كالذي اجتاح اليابان أخيرا، وقد أوصي بإغلاقه عدد من نواب الكونجرس الديمقراطيين والجمهوريين علي السواء. وفي كاليفورنيا تعرض مضمار مازدا لسباق السيارات للمحو من علي الخريطة (كما لو كانت يد حانقة الغضب قامت بشطبه عنوة) علي حد تعبير أحد المستخدمين ، والمضمار ليست له سمعة سيئة ولا يعتقد أنه واجهة لإخفاء أمر ما، لذا بات إخفاؤه مسألة غريبة بالفعل. أما منطقة شمال غرب الباسيفيك فإن إخفاءها كان غريبا فهي منطقة حدودية بين واشنطن وأوريجون ولا ينتظر أن تضم أية مواقع مهمة كما أنها منطقة بعيدة عن شائعات الكائنات الفضائية والمواقع النووية والعسكرية السرية، وهو ما أثار فضول بعض القائمين علي مواقع البحث الإلكترونية فنظموا زيارة خاصة للمنطقة المحذوفة علي جوجل ولم يجدوا بها شيئا غامضا أو يثير الريبة باستثناء أطلال سور قديم متهدم، وما يبدو أنه كان بوابة لكنها لا تفضي إلي شيء في الواقع. وفي نيويورك جري إخفاء موقع شركة موبيل للبترول، ويبدو أن مسئولي الشركة لم يتضايقوا كثيرا إن لم يسعدهم الأمر، فعدد منهم لا يستبعد استهداف الشركة بعمل إرهابي، لذا فإن اختفاء أو تشويه صورتها علي جوجل إيرث يعني صعوبة تحديد موقعها فعليا. ويبدو أن للبترول أهمية ما لدي جوجل إيرث، ففي المجر جري حذف أو بالأحري تعديل موقع مصفاة شازلومباتا للبترول، والمصفاة التي يستبعد تعرضها لهجوم إرهابي جري وضع صور بالأقمار الصناعية لأرض عشبية خضراء مكانها، موقع المصفاة بالكامل أصبح منطقة عشبية خضراء. خرائط جوجل إيرث أجرت بعض التعديلات علي روسيا، الغريب في أمر هذه التعديلات أنها انتقت منطقة عادية لا تثير الشك وحولتها إلي منطقة مجهولة تماما، فلا أحد عاد باستطاعته تحديد موقع هذه المنطقة من الخريطة الروسية، وبعض زوار مواقع البحث الإلكتروني أكدوا أنها تنتمي إلي سيبيريا بينما جري قص المنطقة المحيطة ولصقها من مواقع أخري في روسيا وهو ما جعل تلك المنطقة غامضة وغير واضحة، فيما يري آخرون أنها ربما كانت محطة رادار أو منطقة توجيه صواريخ. وهناك قاعدتان جويتان إحداهما في ألمانيا والأخري في فرنسا تم التعتيم علي صورهما أيضا، والحقيقة أن إخفاء قاعدة ريمس الفرنسية الجوية أثار دهشة الكثيرين، فليس هناك سبب واضح للتعتيم علي قاعدة معروفة ومعلنة للجميع، أما قاعدة رامستاين الألمانية فهي مقر تمركز لقوات الناتو المباشرة للعملية العسكرية المعروفة باسم (حرية العراق )، وهو ما قد يجعلها هدفا لعمل إرهابي، وربما كان ذلك هو الدافع وراء إخفاء صورها من علي خرائط جوجل إيرث الاستكشافية. ولعل الأمر الذي يفوق كل ذلك غرابة هو إخفاء معالم دولة تعرف باسم ( كوريا الشمالية)، فالخرائط تظهر صورة عامة للدولة دون أية تفاصيل جغرافية أو أية معلومات عن الطرق والشوارع وخطوط السكك الحديدية مثلا، ويرجح المستخدمون أن تقنية ما ربما تكون الحكومة الكورية الشمالية استخدمتها لتلافي تصوير الأقمار الصناعية كنوع من أنواع الحفاظ علي السرية كما يقتضي الحال في الدولة المنغلقة، وإن كان هذا الافتراض لا يجد من يدعمه كثيرا.