يبدو أن المجتمع السياسى فى مصر لا يزال تحت تأثير صدمة ثورة 25 يناير التى أدت إلى إزاحة نظام حكم مستبد بضغط شعبى ليس له مثيل. قد يقول قائل إن أحداث الثورة كانت مخططة لإسقاط الرئيس وحكومته، أو يقول آخر إنها استهدفت تغيير نظام الحكم بكامله، أو أن سقف مطالبها ارتفع تدريجيا أثناء الأحداث نتيجة للتفاعلات بين الحكومة وبين الثوار، كل ذلك وارد، كما أن البعض يشير إلى أصابع أجنبية يزعم أن لها مصلحة فيما حدث فى مصر. الطريف فى الأمر أن جانبا ممن يقولون بنظرية التدخل الأجنبى لتفجير أحداث الثورة وتوجيه مسارها فيما بعد، يعتقد أن الهدف من التدخل هو تدمير الدولة المصرية بالتقسيم وتفكيك المجتمع المصرى بالفتنة الطائفية والصراع الطبقى سواء على السلطة أوعلى الثروة. يقولون إن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تريد لهذا البلد أن تقوم له قائمة وأنها حريصة على تفتيته وشرذمة أهله، وأنها تخشى وصول الإسلاميين إلى السلطة ولذلك تفضل أن يظل البلد مقسماً حتى لا ينفرد الإسلاميون بالسيطرة على عنق المصالح الأمريكية من خلال سيطرتهم على حكم دولة مصر الموحدة. هذه نظرية.. النظرية الأخرى هى أن التدخل الأجنبى يستهدف تنفيذ مخطط الفوضى الخلاقة بمعنى أن تؤدى الفوضى فى نهاية الأمر إلى إفراز نظام حكم يرعى المصالح الأمريكية ولا يتناقض مع إسرائيل، وأن الولاياتالمتحدة فى سبيل ذلك مستعدة لإنفاق الأموال جنبا إلى جنب مع تدبير المؤامرات حتى تضمن عدم وصول الإسلاميين إلى الحكم. يعنى يمكن بلورة الموضوع فى شق المجتمع المصرى إلى شقين: إسلاميين وغير إسلاميين، والاعتقاد بأن الصراع يدور بين الفريقين فى صور شتى من أهمها الاقتراب أو الابتعاد عن برنامج المجلس العسكرى لإعادة الحكم المدنى النيابى إلى مصر فى أسرع وقت ممكن، وفى ترتيب أولويات إعادة البناء السياسى للنظام فى مصر من خلال التناحر حول فكرة الدستور أولا أم الانتخابات أولا. الشاهد هنا أن هناك من يتلاعب جيدا بحكاية الإسلاميين هذه، ويلاعب الشعب المصرى المعروف بخلفيته المتدينة بهذه الحكاية. فالإسلاميون تارة هدف يسعى الأمريكيون للتخلص منه، فى حين أن الثابت من التسريبات حول الاتصالات بينهم وبين الأمريكيين يفيد بأن حوارات طويلة ومطولة دارت بين الجانبين على فترات وفى مناسبات عديدة لابد أنها تناولت ظروف الضغط عليهم أيام النظام السابق، وكيفية تخلصهم من دائرة هذا الضغط، وكيف سيكون سلوكهم السياسى إذا استطاعوا السيطرة على الحكم أو المشاركة فيه. طبعا الجانب الآخر من هذا الحوار هو موقع المصالح الأمريكية فى مصر وكيفية التخلص من حالة الابتزاز السياسى التى فرضها النظام السابق على الأمريكيين بتهديدهم باستمرار بأن بديله هو نظام دينى متطرف ينضم إلى معسكر إيران المناوئ للسياسات الأمريكية، ويشكل عقبة كبرى للمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط. هكذا فرضت التيارات الإسلامية نفسها على الموقعين معا، موقع من يرغب الأمريكيون فى معاونته، والموقع الآخر المناقض له وهو موقع المرغوب فى إقصائه. فى اعتقادى أن هذه القسمة لا تناسب المصالح المصرية، لا يخدم الشعب المصرى برنامج المزايدة على رفع حالة التدين وتحفيز الشعور الدينى، ولا المزايدة من جديد على درجة العداء للولايات المتحدة، أو الثقافة الغربية، أو مظاهر التعاون الدولى، ليس المراهنة على عزل المجتمع المصرى عن العالم والاستفراد بالشعب المصرى من جانب أى مجموعة قد تكون قادرة على الوصول إلى الحكم، يريد الشعب برنامج التنمية الحقيقية، وخلق فرص العمل وإصلاح حالة الانفلات والتسيب، وهذا ما يجب أن يتناوله الطامحون إلى الحكم. بالمناسبة الشعب المصرى طوال تاريخه لم يخش المستعمر الأجنبى ولم يخضع لثقافته ولا سيطرتها.. بل كان الشعب المصرى معدة كبيرة هضمت كل ما ورد إليها من ثقافات ولم ينجح أحد أبداً فى ترويضه. فلماذا يبيع لنا بعض السياسيين هذه القضية.. الآن