كتب : سامح محروس كعادته دائما: أثار رجل الأعمال نجيب ساويرس الجدل مؤخراً فيما عرف بأزمة «ميكى ماوس» وفى الوقت الذى أثار فيه تصرف ساويرس غضب الكثيرين كان هناك من يرى أن هناك نوعا من التحفز للرجل وأن الموضوع لا يستحق كل هذه الضجة. ساويرس روزاليوسف تنشر مقالين لاثنين من الكتاب يرى كل منهما الرجل بعين مختلفة. أعرف المهندس نجيب ساويرس منذ نحو 12 أو 13 عاما وتحديدا منذ بداية نشاطه فى مجال المحمول، وهو النشاط الذى دفعه بقوة على مسرح المجتمع نظرا لاهتمام المصريين به وارتباطه بحياتهم اليومية. كان انطباعى الأبرز عن شخصيته هو أنه رجل ليبرالى إلى أبعد مدى.. يؤمن بقيمة الحرية.. ولم يكن الدين يمثل لديه يوما معيارا للمفاضلة بين الناس، إنه يبحث دائما عن الأكفأ والأكثر خبرة لإدارة شركاته والعمل معه حتى ولو كان يعبد البقرة، ولعلى أذيع سرا إن قلت إن هذا الاسلوب فى العمل لم يجد ارتياحا من جانب كثيرين، وأثار حالة من «الغيظ» لدى بعض ممن كانوا يتوقعون منه أن يمنحهم فرصا لمجرد أنهم ينتمون إلى نفس الدين الذى ينتمى إليه. إنه فى النهاية رجل أعمال يريد أن ينجح ويعمل فى سوق مفتوحة لا تعترف إلا بالأكثر كفاءة وقدرة على تقديم خدمة أو سلعة متميزة بسعر أرخص، والمواطن حين يتعامل مع جهاز المحمول - على سبيل المثال- لا يعنيه سوى الخدمة الجيدة بصرف النظر عن الهوية الدينية لمن يتولى إدارة وتقديم تلك الخدمة له.. مسلم .. مسيحى.. بوذى لا فرق فى سوق تنافسية.. المهم الخدمة الجيدة. ونجيب ساويرس يؤكد فى كل أحاديثه الصحفية والتليفزيونية أنه مدين بالفضل فى نجاحه وانطلاقه لأصدقائه المسلمين الذين وقفوا إلى جواره وساندوه، قالها الرجل أكثر من مرة لى فى أحاديثه معى ومع غيرى، ولم يتنكر يوما لفضل بلده التى منحته الفرصة والثروة والقدرة وشهدت قصة نجاحه وكانت بمثابة «المنصة» التى انطلق منها إلى العالمية. أكتب هذا وقد تابعت خلال الأيام الماضية الأزمة التى أثارها رسم «ميكى ماوس» الشهير المنشور على صفحة المهندس نجيب ساويرس بموقع تويتر، وهو الرسم الذى اعتذر عنه الرجل فورا على صفحته باللغتين العربية والإنجليزية مؤكدا أنه لم يقصد من قريب أو من بعيد المساس بمشاعر أحد وأنه تعامل مع المسألة ببساطة. أتعجب بشدة من أزمة يمكن أن يثيرها رسم أو صورة مصطنعة فى مصر المشغولة بثورتها ومستقبلها ولقمة عيش أولادها، مصر المهمومة بديونها ومشاكلها وثروتها المنهوبة وتحدياتها الخارجية شرقا وجنوبا.. وكأننا قد فرغنا من كل ذلك وحسمنا أمرنا فى كل ما يؤرقنا ويشغل بالنا ولم يعد أمامنا إلا أزمة نجيب ساويرس/ ميكى ماوس على موقع تويتر. نعم.. لم يكن نشر هذا الرسم على صفحة تحمل - بشكل أو بآخر - اسم نجيب ساويرس فى هذه الظروف الملتبسة لم يكن هذا النشر موفقا، وقد اعتذر الرجل عن ذلك اعتذارا صريحا لا يحتمل اللبس، أراه - بعيون المهموم على بلده - كافيا لإنهاء جدل لا معنى له الآن، إلا إذا كانت هناك أهداف ومآرب أخرى ذات صلة بنشاطه السياسى وأفكاره، ولكن على أى الأحوال تبقى أمامنا مجموعة من الملاحظات جديرة بالتأمل حول هذا الرسم الذى نال أكثر مما يستحقه: إن صورة الأخ «ميكى ماوس» وغيرها من الصور المماثلة لها موجودة بالفعل على مواقع ومنتديات عديدة ويمكن الوصول إليها من خلال محرك البحث الشهير «جوجل».. وهى ليست من تركيب أو اختراع نجيب ساويرس، وكلنا يعلم أن وسائل التكنولوجيا الحديثة وبرامج الفوتوشوب أسهمت فى إحداث ثورة هائلة فى تركيب الصور التى يتبادلها الشباب ويضعونها على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعى. ويرتبط بما سبق أن هذه الصورة كان يمكن التعامل معها على نحو أكثر بساطة، ولا أتجاوز إن قلت إنه ما كان لهذه الصورة أن تلفت نظر أحد لو وضعها أى شخص على صفحته أو مدونته الخاصة به ولما ثارت هذه الضجة المبالغ فيها.. إذن المشكلة ليست فى الصورة ذاتها وإنما فى شخص نجيب ساويرس، ولا أنكر أن الرجل - أو المسئولين عن صفحته - كان يجب عليهم أن يفطنوا لهذه النقطة ويضعونها فى اعتبارهم جيدا بعد أن قرر ساويرس خوض العمل السياسى بكل ما يمكن أن يترتب عليه ويستلزمه من خصومات وصراعات وأشياء أخرى. الذى أعلمه جيدا أن المهندس نجيب ساويرس يعانى من ضيق شديد فى الوقت بسبب كثرة أسفاره التى تحول فى كثير من الأحوال بينه وبين رؤية أولاده، وكل من يعرفه يدرك أنه ليس هو الشخص الذى يعانى من فراغ فى الوقت فلا يجد أمامه سوى الجلوس أمام النت يلهو ويتصفح المواقع ويتبادل الشات والصور الطريفة مع أصدقائه. وقد لا يعلم الكثيرون أن نجيب ساويرس لا يتعامل مباشرة - لظروف أسفاره المتكررة - مع إيميلاته وصفحاته على مواقع التواصل الاجتماعى، حيث تتولى سكرتاريته عرض ما يرد إليه من رسائل، والأرجح فى هذا الأمر أن هذه الصفحة أنشأها مجموعة من العاملين فى مجال الإنترنت بإحدى شركاته لتكون وسيلة للتواصل بينه وبين جمهور الشبكة، وخاصة بعد تأسيس حزبه الجديد «المصريين الأحرار» وما يستلزمه ذلك من تواصل مع شرائح المجتمع المختلفة وخاصة شباب الإنترنت الذين كانوا نواة ثورة التغيير فى مصر. على أى الأحوال هذه ليست محاولة لتبرير ما حدث، لقد اعتذر نجيب ساويرس اعتذارا صريحا واضحا لا يحتمل اللبس، ولا أرى مبررا لتصعيد الأمر مع الرجل الذى يعرفه كل المصريين ولم يلمسوا فيه يوما أى نعرة طائفية أو دينية. من المؤكد أن مصر تمر حاليا بظروف صعبة ومعقدة تفرض على العقلاء فى هذا الوطن - وهم كثر - بذل مزيد من الجهد للتأكيد على قيم الوسطية والتسامح التى تميزنا بها كمصريين على مر العصور والأزمنة. لقد توارت معانى جميلة كانت تحكم حياتنا بسبب ضغوط الحياة حينا، وبسبب استهداف قيم هذا الشعب بأفكار وسلوكيات دخيلة عليه فى حين آخر.. ولكن يقينى الراسخ أن مصر ستبقى دائما هى ذلك البلد المتسامح الذى يحتضن الجميع فى تناغم بديع.. مصر التى يختلط فيها أذان المساجد مع أجراس الكنائس.. الكل يعبد الله بطريقته، وفى الشارع يستحيل أن تلمس الفارق بين أبنائها أو تعرف من هو المسلم ومن المسيحى لأنهم فى حقيقية الأمر عجينة واحدة.. تركيبة مزاجية واحدة متجانسة.. يتحدثون لغة واحدة، وتحكمهم مفاهيم واحدة تشكل رؤيتهم للحياة والآخرة.؟ صحفى بجريدة الجمهورية