على قدر ما يكون الموت فى بعض الأحيان رحمة، وتحديدا على من يعانى من الآلام والأوجاع، على قدر ما يكون فى معظم الأحيان شديد القسوة، على من يذوق طعم الموت. «دينا هانى شاكر» هذا الاسم الذى زف إلى الحياة منذ سنوات قليلة وأثمر الزفاف ملكين هما بالفعل اسم على مسمى «ملك» و«مليكة»، لم يكن أحد يتصور أن هذا الاسم بعد سنوات قليلة من زفافه للحياة، سيزف إلى الموت، ولكنها إرادة الله، وقدر الموت أن يخطف منا أعز ما لدينا دون أن نملك وسائل الدفاع، فأمام القدر جميعنا مكتوفو الأيدى. «هانى شاكر» الذى حاول أن يتمالك دموعه فى لحظات الوداع الأخيرة وهو ممسك بيد «دينا» التى صارعت السرطان -لعام ونصف - وهى ترقد على فراش الموت، كانت عيناه تنطقان همسا: «اتمدت الإيدين.. هربت دموع العين.. وهما الكلمتين.. قال لى مع السلامة.. وأنا قلت مع السلامة.. وماتت الابتسامة.. وبردت الإيدين.. آهين.. آهين.. آهين ياللا السلامة.. من ده اليوم الحزين»، حقا إنه يوم أبسط ما يقال عنه بمقياس آلام وأحزان «هانى» إنه يوم حزين، «هانى» الذى أسعد الملايين وخفف من أحزانهم بالتنفيس عنهم بأغانيه الشجية التى تلامس الجراح فتضمدها وتطول نار الأوجاع فتخمدها، لم يكن يعلم أبدا أنه سيأتى عليه الوقت الذى ينكوى فيه بمعانى أغانيه شديدة الشجن فتصحى آلامه وتلهب نار أوجاعه وتزيد جروحه بموت أعز من لديه، ابنته. المشهد صعب، بل مأساوى، لكن لا أحد يهرب من قدره. «هانى شاكر» كان يموت أثناء مرض «دينا» فى اليوم آلف مرة، وهو يرى نور عينيه ينطفئ بعد آن بدأ مؤشر حياتها يميل إلى العد التنازلى، كان لسان حاله يحدثه دائما: صعب جدا تبقى شايف قدام عينيك.. حد إنت بتعشقه مليان آلام.. صعب جدا تبقى شايف كل دمعة من دموعه نازلة حايرة من عينيه من غير كلام.. تبقى مش عارف تروح فين ولا فين.. تبقى ناسى حتى إنت تبقى مين.. صعب جدا». فعلا «صعب جدا» وهى التى كانت ينبوع الحنان الذى ينهل منه كوقود يدفعه إلى حب الحياة، «صعب جدا» وهى الابتسامة التى كانت تشعره بمعنى الحياة. «دينا» التى كانت تؤنس وحدته، هو الآن فى أشد الاحتياج إليها، فمن سيواسيه فى تلك اللحظات القاسية التى كتبها عليه القدر، هل ياترى ستسمعه عندما يناديها «محتاجلك يا عمرى.. عشان أحس الأمان.. محتاجلك يا عمرى.. للى جاى واللى كان».. لكنها لن تفارقه لحظة واحدة مثلما كانت قبل الرحيل، سيظل يناديها طوال الليل علها تسمع نداه، «لما باكون سهران لوحدى.. بارجع لأحلى الذكريات.. أنا مش عايش لوحدى.. عايش معاكى كل اللى فات.. حاسس بروحك جنب منى.. اسمك فى كل الأغنيات». وقتها لن يجد أمامه سوى ألبوم الصور ليقول لها: «أنا عمرى فى لحظة يهون.. والذكريات ألبوم صور.. فى الصورة دى ضحك القمر.. وفى كل عين لى دمعتين.. ع الصورة دى مرت سنين»، «هانى» الذى أصيب بانهيار عصبى، أقصى ما يتمناه الآن أن تمر الأيام والسنون وأن يظل غائبا عن الوعى حتى يلهمه الله الصبر والسلوان وتذبل جراحه الغائرة عله يهدأ، وإن كان من المستحيل أن تغيب «دينا» عن وعيه وينساها، فهو الذى سيجلس أمام الباب كل يوم لينتظرها علها تأتى إليه روحا مرفرفة تؤنس وحدته بعض الوقت، وسيعاهدها بأنه لن ينساها وسيضىء لها شموع عيدها كل عام ليحتفل به معها ويقول لها: «عدت سنة والليلة هااطفى شمعة الجرح الغريب.. جرحى أنا.. جرحى اللى عشته من فراق أغلى حبيب.. شمعة دموع.. شمعة ألم.. شمعة حنين.. شمعة ندم.. قرب يا قلبى من الشموع.. الليلة عيد أصعب دموع.. عيد ميلاد جرحى أنا.. الذكريات المؤلمة.. والجرح والأحزان ضيوفى.. والورد معزوم إنما خجلان وحيد يشبه لخوفى».