كتب: د. م : سامر مخيمر رئيس قسم المفاعلات النووية والمفاعل الذرى البحثى الأول أى مشروع يحتاج لتضافر 3 عوامل أساسية لضمان إنجازه ونجاحه وتحقيق الهدف المراد من إنشائه .. العامل الأول والأساسى هو الموارد البشرية أى القوى العلمية والفنية المدربة والمؤهلة على أعلى المستويات العلمية والفنية، وفى مصر وعلى مدى قرابة الخمسين عاما لدينا تراكم خبرات علمية وعملية متقدمة من جميع التخصصات تدربوا فى جميع المؤسسات العلمية والنووية فى العالم. وأدار بعضهم منشآت نووية فى دول العالم المتقدم، وتولوا أعمال الرقابة والتفتيش على جميع محطات القوى النووية فى العالم، أما جيل الوسط فتم تأهيلهم وتدريبهم لسنوات فى الولاياتالمتحدة والأرجنتين إبان حقبة التسعينيات من خلال أعمال التعاقد وإنشاء المفاعل النووى البحثى الثانى بقدرة 22 ميجاوات إلا أنه تم تسريب العديد منهم فى إجازات خاصة فى ظل منظومة الفساد الطاردة للكفاءات والخبرات الحقيقية. أما جيل الشباب من خبراء وفنيين فغير متوافر، والبعض منهم يخضع حاليا لبرامج تدريبية وتأهيلية مكثفة بخطط مواكبة لمراحل طرح وإنشاء المحطة النووية المصرية الأولى «التى يستغرق إنشاؤها من 8 - 01 سنوات». أما العامل الثانى فهو الموارد المالية أو التمويل اللازم لإنشاء المحطة ويتراوح ما بين 8 - 01 مليارات جنيه، وما يتطلبه من عمليات إدارة تفاوض واتصالات دولية لتوفير التمويل الدولى من خلال كونستريوم من عدة بنوك ومؤسسات دولية أو فى بعض الأحيان من تمويل من الدولة التابعة لها الشركة التى تم اختيارها لإنشاء المحطة. ؟؟ والآن فى ظل المتغيرات الجديدة وما تكشف مؤخرا - بعد ثورة 52 يناير من مئات المليارات الدولارية الطائرة والعائمة نهبت عبر 3 عقود متواصلة من نظام ابتدع ورسخ منظومة محكمة للنهب المنظم الممنهج لجميع مقدرات وثروات الشعب المصرى، فإن هذا كله يعيد طرح إمكانية الذاتى وشبه الذاتى لتمويل إنشاء المحطة النووية. ويتبقى العنصر الثالث والأخطر ألا وهو الإدارة وهى المنوط بها توظيف القدرات البشرية والمادية التوظيف الأمثل وإدارة الأعمال التنفيذية والإجرائية لطرح العطاءات والمفاضلة التكنولوجية والمالية وتعظيم استخدام المكون المحلى الصناعى فى جميع مراحل إنشاء المحطة. ومن ثم فإنها العمود الفقرى ونقطة الارتكاز المحورى لأى مشروع، وتتعاظم أهميتها ودورها فى حالة المشروع النووى كمشروع قومى استراتيجى ورافد أساسى لسد فجوات العجز المتنامى فى قطاعى المياه والكهرباء. ومن المنطقى أن يكون المناط بهم إدخال مصر للعصر النووى والقائمين على إدارة المنظومة المتكاملة للمشروع النووى من بدايته الجينية وحتى اكتمال إنشائه وتشغيله، وأن يكونوا على أعلى مستوى من الخبرة الفنية المتخصصة ومن ذوى القدرات الإدارية والتنظيمية والقيادية المتميزة. والحقيقة أن مكمن الخطورة ومنبع الفشل دائما فى سوء الإدارة!! فالنظام فى مصر ولعقود ممتدة رسخ مبدأ السمع والطاعة العمياء واستبعد دائما أهل الرأى والخبرة والتخصص من منظومة الإدارة، والشواهد بالطبع عديدة فى كل قطاعات الدولة، لا يستثنى منها أحد، فالفساد ممتد ومتشعب يغمر بطوفانه الجميع ويتوزع فى جميع القطاعات وكأنها أوان مستطرقة متواصلة ومترابطة معا. وبالتالى فإن النشاط النووى أو إنشاء محطة نووية موضوع لا يحتمل أنصاف الحلول أو أنصاف الخبراء، فالوضع الحالى للهيئات النووية فى مصر «وأقدمها هيئة الطاقة الذرية» لا يختلف كثيرا عن جميع قيادات قطاعات منظومة العمل فى مصر، إن لم يكن فى الحقيقة يفوقها سوءًا وفساداً «إهدار وتربح لمئات الملايين فى تقارير رقابية وتحقيقات النائب العام والكسب غير المشروع»، وهناك ضرورة ملحة لإجراء عمليات تطهير وتغيير شاملة واختيار قيادات حقيقية استنادا لمعايير الخبرة الفنية والكفاءة الإدارية لا قيادات كارتونية لا تجيد إلا السمع والطاعة وترتهن قراراتها دائما بتنفيذ توجيهات وزارية أو تعليمات رئاسية، وضرورة إعادة هيكلة وتبعية تلك الهيئات لقطاع مستقل بذاته أو لجهة سيادية كمؤسسة الرئاسة أو مجلس الوزراء كما كان الوضع عند إنشاء هيئة الطاقة الذرية «لجنة ثم مؤسسة ثم هيئة» فى الخمسينيات وكما هو الحال عالميا لأى دولة نجحت فى إنجاز مشروعها النووى خارج مظلة البيروقراطية والروتين. وبتعبير موجز.. فمصر فى حاجة ماسة لدخول العصر النووى وممارسة الخبرة النووية الحقيقية من منظور قومى واستراتيجى ومن احتياج حقيقى ومتنامى لموارد إضافية من المياه والطاقة، والطاقة النووية هى البديل الاقتصادى الأمثل لتحقيق ذلك. إلا أنه على مستوى الواقع الفعلى فى مصر حاليا وفى ظل المنظومة الإدارية المرسخة من عقود والقيادات المختارة بمفاهيم مغلوطة، وحتى بعد ثورة 52 يناير وعمليات التطهير والتغيير بالقطارة لم تطل سوى عدة مؤسسات فى قطاعى الصحافة والإعلام المرئى، أما باقى القطاعات فمازالت على حالها وبنفس قياداتها بل فى حالة القطاع النووى مازالت حتى بنفس الوزير المسئول!! الذى جلب ودعم - ومازال يدعم!! كل تلك القيادات الهشة بقدراتها الفنية والإدارية المتدنية، بل أتى بها من المعاش وجدد لها سنوات بعد انتهاء خدمتها لتكون أسلس قيادا وأطوع بنانا فى تنفيذ كل ما تؤمر به، فلا تعصى له أمرا أو مجرد إشارة!! وبالتالى فإن جميع الخطوات التى تمت حتى الآن منذ إعادة إحياء المشروع النووى بمبادرة من الوريث وأبيه المخلوع، جميع تلك الإجراءات محل اعتراض وانتقاد بالغ من الخبراء الحقيقيين وعلى رأسهم خبراء الأمان النووى، علاوة على العديد من علامات الاستفهام حول دور الاستشارى الأجنبى وجدوى وجودة من الأصل وحقيقة دراسة موقع الضبعة القديم - الجديد، وهل تم تحديثها من عدمه وما تقاضاه الاستشارى نظير ذلك بما يقارب ال009 مليون جنيه!! وفى ضوء غياب الشفافية المستمر حتى الآن يصبح الاستمرار فى هذا المشروع بهذا الشكل وتلك القيادات إهدارا جسيما لمقدرات الشعب المصرى وكارثة حقيقية تمس أمن وأمان 58 مليون مصرى. فالمشروع النووى، كضرورة حتمية للتنمية الاقتصادية والاستراتيجية لمصر، يصبح قنبلة مؤقتة تدمر كل شىء إذا تركت فى أيدى منظومة الجهل والفساد ..نعم للطاقة النووية كضرورة اقتصادية واستراتيجية.. لا للمشروع النووى فى مصر الآن فى ظل نفس المنظومة الفاسدة ولنتطهر حتى تستكمل الثورة جميع مراحلها التطهيرية وتتم إعادة بناء منظومة إدارية وعلمية حقيقية. اللهم إنى بلغت.. اللهم فاشهد.