في النظام السياسي الأمريكي قاعدة يتبعها الجميع: لا يتم محاسبة الرئيس الجديد أو لومه أو توجيه سهام الانتقاد له طوال المائة يوم الأولي من فترته الرئاسية.. يعتبر السياسيون والصحافيون والمعارضون هذه الأيام المائة بمثابة «شهر عسل» مطول يستكشف فيه الحاكم الجديد خبايا منصبه، ولا يتم إزعاجه بالنقد والتقييم إلا بعد انتهائها. لكننا في مصر ما بعد الثورة لا نملك هذا الترف، وانتقاداتنا لأنفسنا وإعادة تقييمنا لكل قراراتنا بدأت منذ اليوم الأول لنجاح الثورة، يوم سقوط الرئيس المخلوع في 11 فبراير. لكن تقييم الثورة الآن بعد أكثر من ثلاثة أشهر يختلف.. خاصة بعد المطالبات الكثيرة ب«ثورة ثانية».. فالبعض يري أن التغييرات كانت كبيرة.. وأن ما تم في المائة يوم الماضية كان يحتاج عشرات السنين لو قدر له أن يتم بالتطور الطبيعي للأحداث بعيدا عن الثورة.. والآخر يجزع وهو يري ثورته تفشل بالضربة القاضية أو تسرق منه وهو يتفرج، حتي إن إنقاذها يحتاج إلي «جمعة الغضب» ثانية يحشد لها الجماهير. بعض الإجابات كانت مفاجأة لنا من شباب صانعي الثورة ومشعليها من أننا نعيش حالة ثورية أكثر منها ثورة ذات أهداف وملامح ونظام واضح ذي رأس ومسئول.. نستغل الثورة في قفزات مفاجئة للتغيير، لكن التغيير الحقيقي هو مطالب إصلاحية ثابتة مازلنا بعيدين عنها. هل نحتاج ثورة ثانية حقاً؟ كان هذا هو السؤال المباشر الذي طرحناه وتباينت الإجابات تباينًا بما يوضح أن الانقسام الحاد الذي حدث في المجتمع قبل 27 مايو كان له ما يبرره. المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض: الحكومة هي المجلس المدني الثورات ليست لعبة لنكررها كل عدة شهور.. وثورة 25 يناير لم تفشل أو تسرق، لكنها مازالت لم تحقق أهم أهدافها بعد وهو التركيز علي بناء النظام الجديد. لا أخشي علي الثورة من المندسين بقدر ما أخشي عليها من عدم النضج الكافي من قبل بعض الثوار. أكبر الأخطاء التي وقعنا فيها بعد تنحي مبارك هي إصدار القوانين بشكل فوقي قبل طرحها للنقاش العام، مثل قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون تكوين الأحزاب وغيرهما.. ورغم كونها تحمل نوايا طيبة من قبل القائمين علي إصدارها من وجهة نظره إلا أن عدم مناقشتها كان خطأ فادحا؛ وبالمثل كانت حركة المحافظين وإعلان أسمائهم مباشرة دون إشراك المجتمع في اختيارهم خطأ فادحاً. بعض المطالب التي تنادي بها ما يسمي ب«ثورة الغضب الثانية» منطقية مثل علانية المحاكمات وتعويض الضحايا وشهداء الثورة.. والبعض الآخر يتطلب مزيدا من الوقت أو وليد عدم المعرفة مثل اتهام المسئولين بالتواطؤ بعد قرار إخلاء سبيل سوزان مبارك في واقعة تضخم الثروة، مع أن قرار إخلاء السبيل كان قانونيا لانتفاء مبررات حبسها الاحتياطي بعد تقديمها تنازلا عن جميع الأموال التي حصلت عليها بطريق الكسب غير المشروع. لست ضد المظاهرات لكني ضد الاعتصام بعد إعلان المطالب، لأننا سنقع في خطأ إذا لم نعط الحكومة فرصة لتشرح مواقفها وتحاول تنفيذ هذه المطالب.. فمن غير المعقول أيضا أن يظل المسئولون القائمون علي إدارة شئون البلاد متهمين إما بالتباطؤ أو بالتواطؤ طوال الوقت. د. «أنور رسلان»: ضد الشرعية التنازل عن الجرائم إذا ثبت ارتكابها يصطدم بالشرعية، لأنه من المفترض أن الكل يخضع للقانون في حال ارتكاب جريمة ما دون أية استثناءات لأننا في جميع الأحوال سوف نسترد الأموال بعد صدور أحكام قضائية نهائية، لأن بنوك سويسرا ولندن لا تنظر لطلبات استرداد الأموال إلا في حال وجود محاكم عادية وليست استثنائية أو عسكرية.. وبعد صدور أحكام نهائية نستطع الحصول علي كافة الأموال دون حاجة لمصالحة ناقصة الشرعية. آسر ياسين: لابد أن تستكمل مسيرتها ثورة 25 يناير لم تنته، ونزلنا يوم الجمعة لنؤكد عدم رضانا عن كثير من الأشياء، مثل المحاكمات العسكرية للمدنيين، المماطلة في محاكمة مبارك وبقائه في شرم الشيخ.. غيابنا عن ميدان التحرير أصاب الثورة بالتفكك. نزلت الميدان حتي أقول: «أنا موجود»، ولا يأخذ مكاني غيري لأنني بدأت الثورة ولابد أن أستكملها دون أن يمثلني أحد من الائتلافات أو الحركات.. الثورة لم تسرق، علينا أن نحافظ عليها خاصة أنها غير ممثلة في الحكومة وشرعيتها الوحيدة من الإعلام المصري، لكنه أصبح أكثر تعتيما عن أيام مبارك وقارن بين أدائه وأداء قنوات أخري مثل «أون تي في» وتحديدا برنامج «آخر كلام» ل «يسري فودة».. لا أطالب بمجلس رئاسي يحكم، إنما بتأجيل الانتخابات البرلمانية وسن قوانين تحافظ علي شرعية الانتخادات المقبلة. لايزال هناك انفلات أمني يكرس عدم تطبيق القوانين بشكل كامل، يشهد علي ذلك التقصير في مواجهة الأحداث الطائفية.. كل ذلك يعطل عجلة الإنتاج، ويؤثر علي السياحة، ويضعف البورصة.. تطبيق العدل ومحاسبة المجرمين لابد منه حتي يشعر الناس بنزاهة القضاء. سعد هجرس الكاتب الصحفي: ادخلوا بالثورة البيوت الثورة لم تفشل.. الأصح أنها لم تستكمل.. مازالت في بدايتها وتحتاج نضالا وجهدا كبيرا.. جزء مهم من أهداف الثورة كان يبدو خيالا من قبل، لكنه تحقق بالفعل مثل سجن مبارك وولديه ورءوس نظامه، جزء كبير من النظام القديم تم هدمه لكن هذا لا يكفي.. الناس تشعر أن الثورة سرقت لأنه لم يحدث في حياتهم تغير سواء في الريف أو الحضر، فالثورة لم تطل كل مجالات الحياة التي تمس هؤلاء البسطاء، بالإضافة لاندلاع الأزمات الطائفية وعدم استعادة الأمن، وهذا يجعل حياة المواطن العادي مضطربة.. المؤسف أنه برغم أن الثورة قامت لبناء دولة مدنية حديثة إلا أن هناك مطالب الآن بدولة دينية، أي بدلا من القيام بخطوات إصلاحية أصبحت الأولوية لتهدئة قضايا مشتعلة مثل كاميليا وعبير. الحكومة الحالية - مع احترامنا لأفرادها - ليست حكومة إنقاذ وطني بل هي حكومة ضعيفة.. وهذا وحده كافٍ ليشعر الناس بعدم وجود ثورة.. صحيح أن الناس انقطعت عن احتجاجات ميدان التحرير لفترة بسبب وعيهم بأهمية إتاحة الفرصة للحكومة لإدارة عجلة الإنتاج لكن يبدو أن هذا لم ينجح، وقرار عودتهم لميدان التحرير يعبر عن وعي بأن هناك خطرا حقيقيا يصيب الثورة.. لذلك أعتبر يوم 27 مايو بداية ثورة جديدة داخل ثورة يناير.. وأتمني أن تنتهي التظاهرات في السادسة مساء وأرفض فكرة الاعتصام حتي تعود الحياة إلي طبيعتها بعد إرسال الرسالة إلي من يعنيه الأمر.. يوم الجمعة للمطالبة بعودة الحياة السياسية الطبيعية وأن يكون هناك رئيس منتخب، لأن الدعوة لمجلس رئاسي مدني غير واقعية حالياً. بيشوي ديمتري عضو اتحاد شباب ماسبيرو: ثورتنا تهتز.. قليلا بالتأكيد لسنا في حاجة إلي ثورة ثانية، ومظاهرات 27 مايو أبعد ما تكون عن ذلك، فنحن بالفعل قمنا بثورة، وثورتنا لم تفشل لكنها تهتز قليلا.. يوم تكون في القمة وبعده تهبط درجات، لذلك شعرنا بالرغبة في استكمال ثورتنا، فالثورة لم تنته بعد لأنها لم تؤثر بعد في انتعاش الاقتصاد أو الحفاظ علي الحريات أو ضمان استقرار الأمن، ولم يتحرر الإعلام بالكامل حتي الآن ومازال الأمن المركزي يسيطر علي الشوارع بالإضافة لاستمرار مضايقات الشرطة للمواطنين. أقول للمجلس العسكري «شكرا» فقد أدي واجبه في حماية البلاد في أصعب ظرف واجه تاريخها، لكن إدارة البلد شيء مقدس بالنسبة لنا كمصريين وهذه ليست وظيفة المجلس الأساسية، لهذا أري أننا نحتاج لمجلس مدني يلبي طلباتنا بكتابة دستور جديد وتأجيل الانتخابات البرلمانية.. الفترة السابقة كانت هناك أحداث ساهمت في شحن الجماهير وسهلت الحشد ليوم الجمعة كالمحاكمات العسكرية للمدنيين والأحداث الطائفية التي ساهم فيها التقصير الأمني.. كل ذلك كان الطريق الممهد لمظاهرات الجمعة. الاعتصام له ضوابط تحكمه أهمها القدرة علي امتلاك الأرض عندما يكون عدد المعتصمين كبيرا، والاعتصام هو آخر وسائل الضغط، وإذا كانت لدي القدرة علي الاعتصام سأعتصم.؟ مصطفي شوقي عضو ائتلاف الثوره عن الحزب الشيوعي: مازالت في المهد المرحلة الحالية تتطلب ثورة جديدة لأن كل المكتسبات التي حققتها ثورة 25 يناير تم التراجع عنها والشعارات التي رفعت أثناء الثورة وأهمها العدالة الاجتماعية لم تتحقق، كما أن مسيرة التطهير لم تستكمل في كل المؤسسات حتي المحاكمات شابها التواطؤ مما يفرض علينا في المرحلة القادمة انتفاضة ثورية جديدة تعيد الأمور لنصابها.. نحتاج مزيدا من التواصل بيننا كثوار والمجلس العسكري يذيب الفجوة ويوصل عدة رسائل أهمها (أن المجلس العسكري يخضع لرقابة الشعب وليس العكس - وأن الثورة التي خلعت دكتاتورا لا يجب أن تصنع دكتاتورا جديدا). مليونية 27 مايو تختلف عن سابقاتها من حيث الحشد وقوة الضغط، وحدة النبرة، فنحن نطالب المجلس العسكري بأن يضع الشعب دائما أمام أعينه ونركز علي أن الحوار المبني علي الاحترام والخالي من الخطوط الحمراء هو الأساس. يجب أن يدرك الجميع أن الثورة مازالت في مهدها وأنه من المستحيل أن تتحقق جميع مطالبها في نفس الوقت.. وكان علي المجلس العسكري أن يدرك أن مطالب الائتلاف قابلة للتحقيق وفي مقدمتها علانية المحاكمات واستكمال عملية التطهير واتخاذ إجراءات تضمن التكريم الملائم والتعويض المناسب لأسر الشهداء. فض الاعتصامات وإخلاء المعتصمين من ميدان التحرير بالقوة كانت من الأخطاء التي كان لا ينبغي الوقوع فيها بعد نجاح الثورة.. كانت المبررات تسلل عناصر من فلول نظام مبارك السابق، المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض الأسبق: احترموا نتيجة الاستفتاء ضايقتني بعض الشعارات التي ترفعها مليونية الثورة الثانية، رغم أنني متفق علي أن الكثير من المطالب لم تتحقق بعد، وأن الإنجازات التي تحققت بعد إسقاط نظام مبارك لم تكن كافية؛ نحن لا نحتاج إلي ثورة جديدة وإنما نحتاج لاستمرار الثورة واستثمارها ولكن دون اتهام أحد من المسئولين. الثورة لم ولن تسرق، والأشخاص الذين اعتادوا الظهور في الماضي ويطرحون أنفسهم علي الساحة الآن لن يكون لهم مستقبل في تاريخ مصر، ولن يكون بمقدورهم التأثير علي الناس من جديد، والدليل علي ذلك كشفهم في مؤتمر الحوار الوطني الأخير. أيضا أزعجني مطلب الثورة الثانية بوضع دستور جديد وأن يتم تشكيل لجنة تأسيسية توافقية منتخبة لوضعه قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية. محمد القصاص - عضو المكتب التنفيذي لائتلاف شباب الثورة: الثورة مستمرة لحين تطهير الجهاز الأمني شاركنا بقوة في جمعة الغضب الثانية للتعبير عن رفضنا لطريقة إدارة الحوار الوطني.. مطالبنا محددة خلال المليونية وهي قابلة للتحقيق وليست مستحيلة، وتركز بشكل أساسي حول تطهير الجهاز الأمني من أعوان النظام السابق وعلانية وسرعة محاكمة قتلة شهداء 25 يناير والاقتصاص لحقهم ومحاكمة المسئولين عن القتل وفتح السجون بداية من الرئيس السابق إلي الوزراء المتورطين وعلي رأسهم حبيب العادلي إلي القناصة وأمناء الشرطة الذين أطلقوا الرصاص علي المتظاهرين وذلك بمحاكمات علنية، واسترجاع ثروات مصر المنهوبة ومصادرتها سواء داخل البلاد أو خارجها. د.«سامر سليمان»: العفو بعد المحاكمة التصالح يأتي بعد المحاكمة وتحديد جريمة كل متهم، أما إذا نظرنا إلي طلبات العفو التي يقدمها المتهمون الذين تمت إدانتهم في هذه الجرائم فهي تتعارض مع حقوق الضحايا والمجني عليهم. الأصل في المحاكمات أن تكون ذاكرة للأمة.. فلابد من إجرائها وبعدها- ووفقا لما يعرف بالمصالحة الوطنية- يمكن الأخذ بفكرة العفو.. ولكن هناك جرائم سياسية وجنائية لايتم العفو فيها.. فوزير الداخلية الأسبق «حبيب العادلي» مجرم حرب، كيف نعفو عنه؟! محاكمة المتورطين في الانتهاكات التي تسبق عادة الثورات تضطلع بها قواعد وأصول العدالة الانتقالية. علي اعتبارها آلية قانونية ومجتمعية تعني بغلق ملفات انتهاكات الماضي في الأنظمة الاستبدادية السابقة، وذلك وفقا للأصول والقواعد التي تضعها العدالة الانتقالية.