علي الحجار هل تفضل صفة الساذج أم أن المنافق أقل وطأة.. بالتأكيد نحن أمام خيارين أحلاهما مر؟! المطرب «على الحجار» وجد نفسه أمام هذين الاختيارين وانحاز للسذاجة.. هو حر طبعاً ولكن ألا يعنى ذلك أنه يتهم من يصدقه بالسذاجة أيضاً.. ثم بعد ذلك يضيف إلى نفسه الصفتين وليست واحدة فقط!! فجأة وجد «الحجار» الثورة، تنطلق وكعادة أغلب الفنانين وتحديداً النجوم - لا أتحدث عن الجميع ولكن النسبة الأكبر - لا تفكر إلا فى شىء واحد وهو المكاسب التى يحصلون عليها.. كان العهد البائد يحقق لهم منافع تعايشوا معها، الآن يحاولون اللحاق بقطار الثورة لتمنحهم على الأقل شرف البطولة وروح النبل.. «على الحجار» بالتأكيد أحد الأصوات التى لم تحسب على العهد البائد إلا أنه لم يكن أيضاً من بين أعداء النظام، لا يستطيع أحد أن ينكر موهبته ولا حتى تفرده فى الاختيار وإصراره على أن يكون نفسه.. مأزق «على» أنه فقد فى السنوات الأخيرة بوصلة تواصله مع الناس.. حجم الطموح الذى ارتبط به فى بدايات المشوار قبل نحو 30 عاما لم يسفر عن نجاح جماهيرى طاغ يحقق له مساحة شاسعة على خريطة الغناء العربى إلا أننا لا نستطيع أن نغفل أن «الحجار» صنع لنفسه مكاناً ومكانة فى قلوب قطاع محدود من الناس لا يزالون على العهد!! الثورة جاءت فى 25 يناير لتضمد جراح مصر وتضمد جراح بعض الفنانين الذين لم يتواصلوا مع الجمهور.. يقول «الحجار» إنه تعرض لحالة إقصاء فنى متعمد بسبب أغانيه الاجتماعية التى حملت نقداً للأوضاع فى مصر مثل «عم بطاطا».. فهل بالفعل «الحجار» من ضحايا عصر مبارك البائد؟ والحقيقة أن الدولة فى عز امتلاكها للقنوات الأرضية قبل ثورة الفضاء منذ منتصف التسعينيات، الدولة فى تلك السنوات - أتحدث عن الستينيات والسبعينيات - كانت تستطيع بحرية مطلقة أن تمنع وتسمح، ورغم ذلك لم تستطع أن تحجب الثنائى «إمام» و«نجم»، كانت أشرطة الكاسيت وقبلها الاسطوانة تنطلق إلى العالم العربى كله وليس مصر فقط.. الفن لديه قدرة على أن يهرب من قضبان الصندوق الحديدى الرسمى.. «على الحجار» لحق زمن التسعينيات الذى كان أكثر رحابة وديمقراطية فى ظل انتشار الفضائيات الذى طرح كعادة كل ميديا - وسيط إعلامى - مفاهيم مختلفة لقانون التواصل وبالتالى للنجومية ولم يتمكن «الحجار» من قراءة «الشفرة» الجديدة ولهذا بدأت أسهمه الغنائية تتراجع، بينما لو عقدت مقارنة مع ابن جيله «محمد منير» تكتشف أن «منير» ظل فى المقدمة ولم يتنازل عن مشروعه الفنى وقدم أغنيات لها موقف اجتماعى وسياسى ولم يستطع أحد إقصاءه.. لم يكن «منير» مرحباً به لدى النظام ولم يكن صديقاً لأبناء «مبارك» أو قريباً حتى من الدائرة الحاكمة مثل «عمرو دياب» و«محمد فؤاد» و«تامر حسنى» الذين كانوا الأقرب ورغم ذلك ظلت لمنير مكانته على القمة.. «الحجار» و«الحلو» و«ثروت» أيضاً رفقاء الدرب تعثروا لأنهم لم يتوافقوا مع الزمن، ولو عدت لاختيارات «على» ستجد أنه غنى كل الألوان ومن بينها الأغانى الخفيفة، وهذا بالتأكيد لا يعيبه ولكنه لا شك كان يريد أن يصل للناس وعندما غنى لمبارك «النسر المصرى شق السما وضرب ورسم أعظم ملحمة والأرض اتزلزلت وسمانا جلجلت» الأغنية ضمن واحدة من الأوبريتات المباركية التى كتبها «عبدالسلام أمين» ولحنها «عمار الشريعى» لحسنى مبارك وشارك «الحجار» أكثر من مرة فى الغناء له وبعد ذلك يقول إنه لم يكن يعرف.. هل أيضاً لا يعرف أن «عمار» كان يقدم أوبريتات لحسنى مبارك تتغنى به وبالضربة الجوية وهو يغنى «اديها كمان حرية» أو «اخترناه اخترناه واحنا معاه لما شاء الله..» «الحجار» غنى ومع سبق الإصرار لمبارك ومع سبق الإضرار أيضاً لقيم الغناء، والمعروف أن من تختاره مؤسسة الرئاسة يحظى بحماية أدبية فى الإعلام الرسمى وينظر إليه باعتباره صوتاً للرئيس، وهكذا عاش مثلاً «عمار» ملكاً متوجاً فى ماسبيرو طوال حكم الحقبة المباركية.. مشاركات «الحجار» أقل بكثير ليس لأنه قال مثلاً «لا» ولكن لأن مؤسسة الرئاسة لا يعنيها سوى أن تلعب بالأوراق الرابحة فى السوق، و«على» لم يكن من بينها.. أنا أعلم المأزق الذى عاناه «الحجار» بعد غنائه «النسر المصرى» لأنه إذا قال نافقت «مبارك» فلن يصدقه الناس عندما يحكى عما عاناه من ظلم وتعتيم إعلامى فى عهده وإذا قال لم أكن أعرف أن النسر المصرى الذى غنيت له هو «مبارك» شخصياً بشحمه ولحمه فلن يصدقه أحد أيضاً.. ال80 مليون كلما استمعوا للنسر البائد قالوا إنها وصلة نفاق لمبارك، واحد فقط قال: والله لم أكن أعرف، فمن نصدق!!