حسمًا لحالة الجدل الصاخبة التي شهدتها أروقة الجامعات المصرية، بعد تضارب الأحكام القضائية، الخاصة بارتداء «النقاب» أثناء تأدية الامتحانات من عدمه، أرسل المستشار مجدي العجاتي - رئيس المحكمة الإدارية العليا - طلبا رسميا للدكتور علي جمعة - مفتي الجمهورية - بإصدار فتوي بمدي شرعية حظر النقاب داخل قاعات الامتحانات. وقالت المحكمة في طلبها للمفتي: إذا كان ارتداء النقاب بالنسبة للمرأة المسلمة هو أحد مظاهر الحرية الشخصية المنصوص عليها في الدستور، إلا أن المحكمة في عناصر تكوين عقديتها، رأت ضرورة استطلاع الرأي الشرعي في ارتداء النقاب داخل الامتحان من دار الإفتاء علي أساس أنها صاحبة اختصاص. وأكد الدكتور علي جمعة - مفتي الديار المصرية - في رده علي المحكمة الإدارية العليا أن دار الإفتاء تري أنه يجوز لإدارة الجامعة باعتبارها وليا للأمر منوطا به تنظيم جريان الامتحانات بما لها من شروط مرعية لتحقيق أهدافها أن تصدر أمرا واجب التنفيذ شرعا علي جميع من هو في موضوعه بحظر ارتداء النقاب داخل قاعات الامتحانات أثناء فترة أدائها.. وذلك لعدة أسباب: أولها أن ارتداء النقاب للمرأة المسلمة هو من قبيل العادات عند جمهور الفقهاء، إذ إن وجه المرأة ليس بعورة كما هو مقرر في مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، وهو الصحيح من مذهب أحمد وعليه أصحابه وهو مذهب الأوزاعي وأبي ثور.. وكذلك عمر وابن عباس رضي الله عنهما، وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وإبراهيم النخعي.. وغيرهم كثير، استنادا إلي حديث أبي داود فيما ترويه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها دخلت علي رسول الله - صلي الله عليه وآله وسلم - وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله - صلي الله عليه وآله وسلم - وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يري منها إلا هذا وهذا، وأشار إلي وجهه وكفيه صلي الله عليه وسلم. ثانيا أنه تقرر لدي علماء المسلمين في قواعد فقههم أن للحاكم تقييد المباح.. وجهة الإدارة في هذا المقام هي ولي الأمر. ثالثا.. ذهب فقهاء المذاهب المتبوعة، ومنهم الإمام السيوطي في «الأشباه والنظائر» ص: 292 ط دار الكتب العلمية أنه لا ينكر المختلف فيه وإنما ينكر المجمع عليه. رابعا: تقرر في فقه المسلمين أن حكم الحاكم يرفع الخلاف. فإن حمل «الحاكم» هنا علي القاضي، فقد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن حكمت في مسألة النقاب حكمها في القضية المقيدة برقم 8 لسنة 17 قضائية دستورية بالجلسة المنعقدة بتاريخ 18 مايو 1996 بالآتي: «يكون لولي الأمر السلطة الكاملة التي يشرع بها الأحكام العملية في نطاقها تحديدا لهيئة ردائها أو ثيابها علي ضوء ما يكون سائدا في مجتمعها بين الناس، مما يعتبر صحيحا من عاداتهم وأعرافهم التي لا يصادم مفهومها نصا قطعيا، بل يكون مضمونها متغيرا بتغير الزمان والمكان، وإن كان ضابطها أن تحقق الستر بمفهومه الشرعي ليكون لباس المرأة تعبيرا عن عقيدتها. ولا يناقض القرار نص المادة الثانية من الدستور ذلك أن لولي الأمر في المسائل الخلافية حق الاجتهاد بما ييسر علي الناس شئونهم ويعكس ما يكون صحيحا في عاداتهم وأعرافهم وبما لا يعطل المقاصد الكلية لشريعتهم التي لا ينافيها أن ينظم ولي الأمر - في دائرة بذاتها - لباس الفتاة. فلا يكون كاشفا عن عورتها أو ساقيها ولا واشيا ببدنها أو منبئا عما لا يجوز إظهاره من ملامحها أو نافيا لحيائها، وهو ما توخاه هذا القرار حتي ألزم كل تلميذة تلتحق بإحدي المراحل التعليمية التي نص عليها بأن يكون زيها مناسبا حائلا دون تبذلها ناهيا عن عريها أو إظهار مفاتنها، بل إن أسلوبها في ارتداء زيها يتعين فوق هذا أن يكون ملائما لقيمها الدينية التي تندمج بالضرورة في أخلاق مجتمعها وتقاليده». وأردف المفتي: علي كل حال يسلك بنا ما قدمناه مسلك القول بشرعية حظر النقاب داخل قاعات الامتحانات أثناء فترة أدائها، بل إن التمسك بارتدائه مع هذا الأمر هو افتئات علي أولي الأمر لا يليق بمكارم الشريعة، وهذا ما دعا مذهب المالكية برمته إلي النص علي أن انتقاب المرأة مكروه إذا لم يكن عادة أهل بلدها بذلك، وذكروا أنه من الغلو في الدين.