زغرودة حلوة.. رنت فى البيت الحزبى فى مصر.. والأنباء تتوالى عن تأسيس أحزاب جديدة تستمد شرعيتها من الثورة الوليدة.. وأجمل ما فى المسألة أن شباب الثورة هم القاسم المشترك فى معظم هذه الأحزاب.. بما يعنى أن الأحزاب الصاعدة سوف تمثل مطالب الثوار بحق وحقيقى.. وتنقلها من ميدان التحرير إلى عصب الحياة السياسية ذاتها.. نسأل الله أن تكون الأحزاب الجديدة عوضا لنا عن أحزاب الماضى التى عرفناها طوال العشرين سنة الأخيرة.. والتى كانت أحزابا ورقية ديكورية.. من عينة الخمسة وعشرين حزبا التى ازدحمت بها الساحة الحزبية.. والتى ولدت سفاحا.. ومن وراء ظهورنا.. بفضل اللوائح العرجاء ولجنة شئون الأحزاب.. التى تعمدت السماح لتلك الأحزاب لغرض خبيث هو لخبطة الحياة الحزبية فى مصر.. بحيث اختلط الجاد بالعابث.. والمكافح بغاوى الشهرة.. وبعد أن كانت أحزاب التجمع والوفد والعمل والناصرى.. أحزابا جادة فى بداياتها.. تقاوم سياسات فرض الأمر الواقع.. وتقدم للحياة السياسية نوابا محترمين يقودون حركة المعارضة فى الشارع السياسى.. حتى ظهرت فى بداية التسعينيات أحزاب جديدة.. من عينة المستقبل والتكافل والتكافح والأمة والخضر والبمبى.. والمثير أن الحكومة كانت تكيل المعونة بالكوم لتلك الأحزاب بحجة أنها تساعدها على المعارضة.. مع أنها أحزاب لا تهش ولا تنش.. وكان الهدف هو زغللة عيون باقى الأحزاب.. وجرها نحو مد يدها لطلب الدعم الحكومى.. الذى هو عيب ومرفوض.. إنه يخل بالتوازن الحزبى.. ثم إن الدعم يفسد التجربة الديمقراطية من الأساس..! وفى جميع بلاد الدنيا الحزب السياسى يمول نفسه من اشتراكات الأعضاء.. ويا ويله ويا سواد ليله من تلقى دعما داخليا من الحكومة.. أو دعما خارجيا من دولة شقيقة أو مجاورة.. يغلق الحزب بالضبة والمفتاح.. وتحاكم قياداته بتهمة العمالة والاسترزاق.. وفى بلاد برة.. الحزب السياسى يخوض الانتخابات بغرض الفوز بعدد معقول من المقاعد.. ولا يعرفون الحزب اليافطة.. الذى لا يخوض الانتخابات أبدا.. والحزب الذى لا يحصل على نسبة معينة من أصوات الناخبين يصفى وتصادر أمواله.. إلا عندنا والبساط أحمدى.. والحزب يخوض الانتخابات أو لا يخوضها.. فلا شىء يهم.. المهم هو الدعم الحكومى والتعيين فى مجلس الشورى.. وهى بدعة واختراع مصرى نستحق الإحالة معه إلا المفتى..! وفى الماضى.. زمان زمان.. ومع عودة الحياة الحزبية عام 1976 دعمت الحكومة الأحزاب بالمقار والفلوس.. على اعتبار أن التجربة كانت جديدة وقتها.. أما الآن فمن العيب أن تمد الأحزاب السياسية يدها للحكومة.. وعليها أن تمول نفسها بنفسها من الاشتراكات وتبرعات الأعضاء.. وإذا كان لابد من التمويل والدعم.. فلا مانع من تمويل الأحزاب التى تستطيع الحصول على نسبة معقولة من أصوات الناخبين.. بما يعنى أنها أحزاب تلقى القبول والرضاء الجماهيرى.. أما أحزاب الاسترزاق والديكور وسد الخانة التى تمتلئ بها الساحة الحزبية الآن.. فيجب الكف عن تمويلها فورا.. وساعتها سوف تنسحب من تلقاء نفسها.. و.. التائب من الحزب كمن لا حزب له.. غدا وبإذن واحد أحد.. سوف تختفى 90 فى المائة من الأحزاب الحالية.. وغدا سوف تصعد إلى الساحة أحزاب جديدة.. أحزاب للشباب والمخضرمين.. أحزاب سوف تمثل مطالب الثوار بحق وحقيقى.. لننعم من جديد بتجربة حزبية طال اشتياقنا إليها.. و.. غدا لناظره قريب.. !