يظل الفن دائمًا هو مرآة تعكس الحاضر وتتنبأ بالمستقبل وتعيد قراءة دروس الماضى بعيون جديدة. ومع مرور الذكرى ال80 على انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتهاء الاحتلال اليابانى للصين والذى بدأ عام 1937، تعود السينما الصينية لتنبش فى ذاكرة تلك المرحلة القاسية، التى شكلت ملامح آسيا الحديثة، من خلال 3 أفلام ضخمة توثق البطولات وتستحضر الألم وتؤكد أن جذور الصراع أعمق بكثير من حدود اللحظة الراهنة. فيلم Dead To Rights حقق إيرادات نحو 2.3 مليار يوان وشاهده 60 مليون شخص
تأتى هذه الموجة السينمائية الجديدة فى وقت تشهد العلاقات الصينية- اليابانية توترًا بالغًا عقب تصريحات يابانية ألمحت إلى إمكانية التدخل العسكرى حال تعرض (تايوان) لهجوم صينى. التصريح الذى أشعل الصراع مجددًا أدلت به رئيسة الوزراء اليابانية «ساناى تاكايتشى» مؤكدة أن تصريحها هذا ليس موقفًا شخصيًا بل يعكس توجه الحكومة اليابانية فى مواجهة ما اعتبرته تهديدًا محتملًا. ومن جانبها أدانت (الصين) التصريحات اليابانية واستدعت السفير اليابانى لتقديم احتجاج شديد اللهجة. بينما أكدت وزارة الدفاع الصينية أنه فى حال خاضت (طوكيو) تدخلًا عسكريًا بشأن (تايوان) فإنها «لن تخرج إلا بهزيمة ساحقة». وقد صعد التوتر بين البلدين من حرب تصريحات إلى الميدان العسكرى بسرعة إذ فرضت (بكين) حظرًا مؤقتًا على الملاحة فى جزء من البحر الأصفر وذلك لتنفيذ مناورات بالذخيرة الحية. بينما دعت (طوكيو) مواطنيها فى (الصين) إلى توخى الحذرمع تفاقم الأزمة. وفى وقت تتصاعد فيه التوترات بين (بكين) و(طوكيو)، تبدو هذه الأعمال السينمائية وكأنها استدعاء للذاكرة وتنبيه لما قد يتكرر إذا لم تُقرأ دروس الماضى جيدًا. وبين ذاكرة الحرب والتوتر الجيوسياسى الراهن، تتحول الأفلام الصينية عن الحرب العالمية الثانية إلى قراءة معاصرة للصراع القديم، تضىء الماضى لتفهم الحاضر وتُلمح إلى ما قد يحمله الغد.
-1 الوحدة 731 لاقى الفيلم نجاحا كبيرًا وأثار تعاطف المشاهدين والأهم هنا أن هذا الفيلم أعاد التذكير بجرائم ارتكبتها الوحدة 731 اليابانية ضد الشعب الصينى خلال الحرب العالمية الثانية. يفضح الفيلم تفاصيل الحرب الجرثومية التى أطلقتها القوات اليابانية فى (الصين) والتجارب البشرية غير الإنسانية التى أجراها الجيش اليابانى على الصينيين فى تلك الفترة. يذكر أن الفيلم من إخراج «زاو لينشان» ويحكى قصة بائع محلى من منطقة (هاربين) بشمال شرق (الصين) يقابل وعدًا زائفًا من القوات اليابانية للمشاركة فى فحوصات صحية وتجارب طبية مؤلمة وغير إنسانية. تجارب وحشية مثل اختبار التجمد أو frostbite والتعرض للغاز السام والتشريح الحى لضحايا من البشر أو ما يسمى vivisection.. تلك هى التجارب التى أجرتها القوات اليابانية على الشعب الصينى خلال فترة الحرب. وقد أعلن القائمون على الفيلم أن جهات وشخصيات معنية بالتاريخ أشرفت على الفيلم ومن بينها «جين تشنجمن» أمين قاعة عرض جرائم الوحدة 731 وذلك لضمان الدقة فى تناول الأحداث. جدير بالذكر أن مخرج العمل قضى نحة 10 سنوات فى إعداد السيناريو وجمع أرشيفًا ضخمًا من الوثائق، وشهادات الناجين والأبحاث التاريخية. أما توقيت عرض الفيلم فقد جاء رمزيًا بجدارة إذ عُرض يوم 18 سبتمبر الذى يصادف ذكرى يوم «حادث 18سبتمبر» أو ما يُعرف ب«النكسة اليابانية» وذلك عندما أقدم الجيش اليابانى عام 1931 على تفجير جزء من السكة الحديدية الجنوبية ل(منشوريا) التى كانت تسيطر عليها القوات اليابانية ثم نسبت التفجير للجيش الصينى واتهمته بالقيام بأعمال تخريب. وكانت تلك هى الذريعة التى قامت (اليابان) على أثرها بالاستيلاء على المقاطعات الثلاث فى شمال شرق الصين. وكانت تلك هى نقطة انطلاق العدوان اليابانى على (الصين) وهو ما مهَّد لبداية الصراع بين البلدين والذى بدأت ملامحه تعود لتبرز مجددا على الساحة حاليًا. 2 - Dead To Rights (مُدان بالأدلة الدامغة) عمل سينمائى آخر يرصد جراءة القوات اليابانية خلال فترة الحرب العالمية الثانية ويصدر صورة مختلفة عن اليابان مختلفة عن تلك التى تحاول تصديرها منذ عقود كدولة متقدمة ويتميز شعبها بالاحترام والأخلاق بشكل جعل البعض يطلق عليها «كوكب اليابان» كأنها دولة خارج كوكب الأرض من فرط التقدم والنظام والاحترام. الفيلم الذى نحن بصدده هنا من إخراج «شين آو» وتدور أحداثه فى مدينة «نانجينج» الصينية التى تقع على ضفاف نهر اليانجتسى.ويوثق الفيلم «مجزرة نانجينج» التى ارتكبها الجيش اليابانى وراح ضحيتها أكثر من 300 ألف صينى بين مدنيين وعسكريين عام 1937. كما تذكر التقارير أن 20 ألف امرأة صينية تعرضن للاغتصاب وقتها. يُذكر أن الكثير من اليابانيين يُنكرون تلك المجزرة حتى اليوم وهو ما يرفضه الصينيون الذين يرون أن إنكار المجزرة يعنى إمكانية تكرار حدوثها. أما بطل الفيلم فهو ساعى بريد بسيط يقوم بدوره الممثل «ليو هاوران». يختبئ ساعى البريد مع عدد من المدنيين داخل ستوديو تصوير فوتوغرافى يمتلكه مصور يعمل مع الجيش اليابانى ويوثق المجزرة بالصور.وخلال وجودهم فى الاستوديو ومساعدتهم صاحبه فى عمله، يكتشف هؤلاءالمدنيون صورًا توثق الفظائع التى ارتكبها الجيش اليابانى ويدركون أهمية تلك الصور فى إثبات الجريمة فيقررون المخاطرة بحياتهم لتهريب هذه الصور ونشرها لكشف الحقيقة. الفيلم حقق رقمًا قياسيًا للأفلام التاريخية فى الصين حيث بلغت إيراداته نحو 2.3 مليار يوان أى ما يعادل نحو 411 مليون دولار حيث شاهده، وفقًا لوسائل الإعلام الصينية، نحو 60 مليون شخص.
5 أفلام صينية توثق جرائم الجيش اليابانى خلال الحرب العالمية الثانية
3 - Against All Odds (رغم كل الصعاب) تدور أحداث هذا الفيلم فى مدينة «هونج كونج» خلال الحرب العالمية الثانية أيضًا عندما كانت المدينة مُحتلة من اليابانيين. ويروى الفيلم قصة طيار أمريكى من فرقة Flying Tigers أو النمور الطائرة يتم إسقاط طائرته بعد مهمة قصف خطيرة ويتعرض للأسر من جانب القوات اليابانبة. وهنا تضع فرقة تابعة لمجموعات المقاومة الصينية خطة لإنقاذه بالتوازى مع خطة أخرى لاغتيال مسئول يابانى رفيع المستوى مما يجعل المهمة سياسية وإنسانية فى الوقت ذاته. الفيلم مستوحى من قصة حقيقية للطيار الأمريكى «دونالد كير». 4 - Mountains and Rivers Bearing witness (الجبال والأنهار تشهد) أما فيلم «الجبال والأنهار تشهد» فهو وثائقى يتناول طبيعة الحرب الصينية فى مواجهة الغزو اليابانى ويغطى سنوات المقاومة الصينية بداية من عام 1931 إلى عام 1945، أى 14 عامًا من الصراع بين البلدين. يقوم بالأداء الصوتى أو السرد فى الفيلم الممثل الصينى المعروف «تشن جيانبين». يعتمد الفيلم على أرشيف ضخم من المشاهد الحقيقية التى تم ترميمها رقميًا إلى جانب إعادة تمثيل لبعض الأحداث. 5 - Dongji Rescue (إنقاذ دونجى) وأخيرًا نأتى لفيلم «إنقاذ دونجى» وهو فيلم مُستوحى من حادثة واقعية خلال الحرب العالمية الثانية وتحديدًا فى عام 1942 عندما غرقت السفينة اليابانية«Lisbon Maru» التى كانت تنقل أسرى حرب بريطانيين قرب سواحل جزيرة دونجى، ورغم فظاعة الحادث، خاطر صيّادون من الجزيرة بحياتهم لإنقاذ أكثر من 300 أسير حرب.وقد نجح الصيادون فى إنقاذ 384 أسيرًا من الغرق. الفيلم حقق 350 مليون يوان فى اليوم الأول لعرضه. وأشاد النقاد بدقة التفاصيل التاريخية فى الفيلم واستخدام تقنيات تصوير بحرية متقدمة، منها مشاهد تحت الماء وبناء مراكب صيد تحاكى الحقبة. تكشف هذه الموجة من الأفلام أن الصين تحاول توظيف السينما كقوة ناعمة ووسيلة لإعادة كتابة التاريخ بلغة الفن، فى لحظة تتزامن مع مرور ثمانية عقود على نهاية واحدة من أكثر الحروب دموية فى التاريخ الإنسانى.