فى الذكرى ال 37 لإعلان الاستقلال الفلسطينى، تجرى مجلة روزاليوسف حواراً مع د.أحمد المجدلانى، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأمين عام النضال الشعبى الفلسطينى، ووزير التنمية الاجتماعية السابق، للحديث عن دلالات تلك الذكرى فى ظل ما تمر به القضية الفلسطينية من مخاطر جمة فى الوقت الحالى، بعد تدمير العدوان الإسرائيلى قطاع غزة، وتصاعد سياسات الاحتلال فى الضفة والقدس، وأيضاً فى ظل الاعتراف الدولى المتزايد بفلسطين. فى البداية، كيف تنظرون الآن لإعلان الاستقلال منذ 37 عامًا، وهل تحقق شىء من حلم الدولة الفلسطينية على أرض الواقع؟ - تمر القضية الفلسطينية اليوم بمرحلة من أخطر مراحلها نتيجة حرب الإبادة الجماعية، وما ترتب عليها من تصعيد إسرائيلى طال كل مناحى الحياة فى الأراضى الفلسطينية، ورغم ذلك لم يفقد شعبنا وقيادته التى تنتهج نهجاً واقعياً سياسياً الأمل يومًا فى تحقيق حلم الدولة الفلسطينية، الذى تدعمه جميع الشعوب والقوى الحرة فى العالم، واليوم نقترب أكثر من تحقيقه مع اعتراف نحو 160 دولة بدولة فلسطين، من بينها أربع دول دائمة العضوية فى مجلس الأمن.
ما الذى مثله إعلان الاستقلال فى حينه على الصعيدين الوطنى والدولى؟ - إعلان الاستقلال فى دورة المجلس الوطنى التاسعة عشرة عام 1988 بالجزائر، كان خطوة فارقة فى تاريخ النضال الوطنى، من خلاله انتزعنا لاحقًا الاعتراف الدولى بفلسطين كدولة عضو مراقب فى الأممالمتحدة عام 2012. ويُعدّ الإعلان أهم وثيقة قانونية أقرها المجلس الوطنى، وأعلنها الزعيم الشهيد ياسر عرفات، إذ مثّلت دستورًا للفلسطينيين بما احتوته من قيم وطنية وإنسانية وديمقراطية. ووثيقة الاستقلال حدّدت طبيعة الدولة الفلسطينية، بأنها دولة مدنية ديمقراطية تعددية، تحترم حقوق الإنسان وتضع المرأة فى مكانها المستحق تقديرًا لدورها النضالى. كانت تلك الخطوة نقطة تحول سياسية كبرى، نقلت القضية الفلسطينية إلى مستوى جديد، ومنحتها مركزًا قانونيًا دوليًا، ما أدى إلى تزايد الاعتراف بدولة فلسطين، وتعزيز حقوقنا الوطنية وفق القانون والشرعية الدولية. وقد تحقق الكثير منذ ذلك التاريخ، أبرزها القرار 19/67 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 29 نوفمبر 2012 الذى منح فلسطين صفة دولة غير عضو بصفة المراقب، ورفع العلم الفلسطينى إلى جانب أعلام الدول الأعضاء فى الأممالمتحدة. إن وثيقة الاستقلال تبقى الوثيقة الدستورية الأعلى لدولة فلسطين، التى صاغت أسس النظام السياسى وحددت هوية الدولة، ونقلت نضالنا إلى مرحلة جديدة قائمة على الشرعية والقانون الدولى، وحقنا الثابت فى تقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. كيف تقيّمون التزام المجتمع الدولى بقرارات الشرعية الدولية التى اعترفت بفلسطين كدولة مراقب فى الأممالمتحدة؟ - على المجتمع الدولى أن يفى بالتزاماته تجاه دولة فلسطين، فقرارات الشرعية الدولية واضحة. لكن للأسف فقد شجعت ازدواجية المعايير الاحتلال على مواصلة عدوانه وغطرسته. والاعتراف بالدولة الفلسطينية يستند إلى مواثيق وقرارات راسخة، منها ميثاق الأممالمتحدة الذى نص على حق الشعوب فى تقرير مصيرها، وقرارات الجمعية العامة، خاصة القرار 3236 لعام 1974 الذى أكد الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطينى، وقرار التقسيم 181 لعام 1947، ثم القرار 67/19 لعام 2012 الذى منح فلسطين صفة دولة مراقب. العقبة الأساسية اليوم هى الإدارة الأمريكية التى توفر الغطاء السياسى والدبلوماسى والعسكرى لدولة الاحتلال، وتعطل تنفيذ القرارات الدولية، لتجعل إسرائيل دولة فوق القانون. والقيادة الفلسطينية على تواصل دائم مع الدول المعترفة بدولة فلسطين لتفعيل التزاماتها، لكن تلك الجهود تصطدم مرارًا باستخدام واشنطن حق النقض، أو الضغط السياسى على بعض الدول. ما دلالات إحياء ذكرى الاستقلال فى ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة؟ - رغم الظروف القاسية التى يعيشها شعبنا، فإن ذكرى إعلان الاستقلال تجدد التأكيد على تطلع الفلسطينيين لتجسيده فعليًا على الأرض. والقرار الذى اتخذ عام 1988 كان تتويجًا لعقود من النضال الوطنى، لحماية الهوية الوطنية، وتثبيت الشخصية السياسية لشعبنا. شعبنا قرر بنضاله أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعى والوحيد له، وحارسة حلم العودة والاستقلال، وسيظل متمسكًا بالقرار الوطنى المستقل حتى تتحقق آماله الوطنية. لقد أثبتت التجارب أن السلام العادل لا يمكن أن يتحقق عبر العدوان أو الاحتلال، بل من خلال الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. واليوم يعيش العالم حالة وعى متزايدة تجاه عدالة قضيتنا، تُرجمت مؤخرًا فى تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة الذى أكد التزام المجتمع الدولى بحل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. هل أثبتت الأحداث الأخيرة أن الحل السياسى أصبح بعيد المنال، أم أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية؟ - القضية الفلسطينية لم تغب يومًا عن الأجندة الدولية، رغم تعدد الملفات والصراعات، واليوم بات العالم أكثر وعيًا بعدالة قضيتنا، والشعوب أصبحت أكثر تأثيرًا فى سياسات حكوماتها. نحن أمام مرحلة سياسية جديدة، أعادت الاعتراف الدولى بفلسطين إلى الواجهة، خصوصًا بعد «إعلان نيويورك» الذى صدر عن المؤتمر الدولى لحل الدولتين بمبادرة من السعودية وفرنسا ومصر، وبمشاركة أكثر من 20 دولة. هذا الإعلان دعا إلى إنهاء العدوان على غزة، وتطبيق حل الدولتين وفق المرجعيات الدولية، مما أعاد الأمل بإحياء المسار السياسى، رغم معارضة الإدارة الأمريكية لذلك. لقد أكدت الأحداث أن الحل السياسى سيظل المطروح على الطاولة، وأن الاحتلال بفاشيته وعدوانه سيُجبر فى نهاية المطاف على الرضوخ للإرادة الدولية لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. كيف تقرأون الموقف العربى والإقليمى من العدوان الحالى؟ - الموقف العربى فى عمومه يتسم بالرفض الصريح للعدوان والدعوة إلى إنهائه فورًا، فيما شكّل الموقف المصرى على وجه الخصوص ركيزة أساسية فى حماية الشعب الفلسطينى. الجهود المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى كانت حاسمة فى منع التهجير والتوصل إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار، واستمرار الدعم السياسى والإنسانى للفلسطينيين. لقد خاضت مصر مواجهات دبلوماسية حادة مع حكومة نتنياهو دفاعًا عن الشعب الفلسطينى، وهى لا تزال العمق العربى والاستراتيجى لفلسطين، واستقبالها للأسرى المحررين أكبر دليل على التزامها الثابت بمبادئ العروبة. هل ما زالت هناك أوراق قوة بيد الفلسطينيين يمكن استخدامها؟ - بكل تأكيد، القيادة الفلسطينية تعمل بكل ما تملك من علاقات دولية، وأهم أوراق القوة هى صمود الشعب الفلسطينى على أرضه، والتفافه حول قيادته الشرعية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية. كما نواصل العمل من أجل الحصول على العضوية الكاملة فى الأممالمتحدة، والانضمام إلى المنظمات الدولية.
اليوم انكشف وجه الاحتلال أمام العالم بممارساته الوحشية، ولم يعد من يدافع عنه سوى الإدارة الأمريكية التى ستجد نفسها فى عزلة متزايدة أمام التحركات الدولية والشعوب الحرة، إضافة إلى ذلك، فإن تفعيل المقاومة الشعبية واستعادة الوحدة الوطنية باتا ضرورة وطنية ملحّة. رغم مرور كل تلك السنوات، ما الأسباب الحقيقية لاستمرار الانقسام الفلسطينى؟ - الانقسام الفلسطينى مرتبط باستخدام بعض الأطراف الإقليمية لحركة حماس كورقة ضغط لتحقيق مصالحها، واليوم أمام حماس فرصة تاريخية لإنهاء الانقسام، غزة ليست ملكًا لفصيل، بل جزء لا يتجزأ من الوطن. والمطلوب من حماس اتخاذ قرار وطنى شجاع بالانسحاب من إدارة غزة والانخراط الجاد فى صفوف منظمة التحرير الفلسطينية، ضمن مراجعة سياسية شاملة تُعيد ترتيب أولويات المشروع الوطنى، بعيدًا عن الحسابات الفئوية. والوقت حان لوضع حد لوهم السلطة والانقسام، واستعادة الوحدة قبل أن تلتهم نار الاحتلال ما تبقى من الحلم. ما أولويات القيادة الفلسطينية للمرحلة المقبلة؟ - تتمثل الأولويات الرئيسية للقيادة الفلسطينية فى تحقيق أربعة محاور أساسية: وقف العدوان وإعادة الإعمار، وإعادة بناء النظام السياسى الفلسطيني،وضرورة تجديد النظام السياسى الفلسطينى عبر صناديق الاقتراع (الانتخابات). مع إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتكون حجر الأساس لمرحلة جديدة قوامها الديمقراطية والتعددية. و العمل على تجسيد الدولة الفلسطينية وسيادتها الكاملة، وضرورة تحقيق الوحدة الوطنية. كيف ترى الموقف الأمريكى والدولى والاعتراف بالدولة الفلسطينية؟ - الموقف الأمريكي: ما زال ثابتاً ومُحبِطاً لأى مشروع دولى للاعتراف بالدولة الفلسطينية أو حصولها على العضوية الكاملة فى الأممالمتحدة، حيث يكون الفيتو الأمريكى حاضراً. ويُنظر إلى تعامل الإدارة الأمريكية مع القضية من منطلق حماية إسرائيل. الموقف الأوروبي: يُعتبر أفضل، خصوصاً من دول الاتحاد الوازنة. ما تحقق من اعترافات بالدولة الفلسطينية جيد، ويمكن مواصلة البناء عليه للوصول إلى الاعتراف الكامل. ما رسائل المنظمة للشعب الفلسطينى؟ - رسالة القيادة فى ذكرى إعلان الاستقلال هى رسالة صمود وتحدٍ ووحدة، وتؤكد على التمسك بالحقوق الوطنية الثابتة والمشروعة. أهمية الوحدة والصمود فى وجه العدوان. مواصلة النضال حتى تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية. صون الهوية الوطنية الفلسطينية والتمسك بالأرض، باعتبار العدوان الإسرائيلى «حرب على الوجود والهوية الفلسطينية».