لم تختلف مواقف روزاليوسف فى عهد الملك فاروق عن مواقفها فى عهد الملك فؤاد، ولاؤها ثابت فى الدفاع عن الحق ونشر الحقائق، تنحاز لقيم ومبادئ وليس للأشخاص، لتتجدد المواجهة بين «روزاليوسف» والجالس الجديد على العرش بعد هدنة لم تدم طويلًا. كان من أكثر سمات عصر فاروق أنَّ الرقابة على الصحف والمطبوعات أصبحت داخل الإصدارات نفسها. ولم تقف عند حدود الرقابة اللاحقة على النشر.. ومع ذلك لم تتوقف أعمال المصادرة!
ففى عهد حكومة على ماهر وتحديدًا فى 3 فبراير 1940 صادرت الحكومة 46 ألف نسخة من المجلة من العدد رقم 631 ومنعت طبع بقية الكمية بسبب خبر بعنوان «مجاملة»، وفى 3 أغسطس 1940 صادر البوليس 30 ألف نسخة من المجلة ومنع طبع البقية بسبب صورة لإسماعيل صدقى وهو يستعين فى حكمه بالحديد والنار، وفى اليوم التالى صدر أمر بتعطيل «روزاليوسف» نهائيًا وسحب رخصتها.
وفى 4 فبراير 1942 عادت حكومة الوفد واستمرت المصادرة، ففى 3 سبتمبر صادرت الحكومة 5 آلاف نسخة من العدد رقم 756 بسبب صورة على الغلاف لمصطفى النحاس، وفى اليوم التالى صدر أمر بتعطيل المجلة لمدة 15 يومًا.
وفى 31 ديسمبر 1942 صادرت حكومة الوفد أيضًا 8 آلاف نسخة من العدد رقم 771 ومنعت طبع البقية، بسبب خبر عن العَلم الذى كان يرفعه مصطفى النحاس على قصره عند دخوله وعند خروجه، وفى اليوم التالى أمر مدير الرقابة بتعطيل روزاليوسف لمدة ثلاثة أشهر.
فى 7 أغسطس عام 1945 كان السعديون فى الحكم برئاسة النقراشى، وصودر 18 ألف نسخة من العدد رقم 895 ومنع طبع بقية الكمية بسبب مقال عن السفير البريطانى بعنوان «الرجل الذى يجب أن يذهب»، وتم سجن إحسان عبدالقدوس للمرة الأولى، وكان قد أصبح رئيسًا للتحرير.
وفى 4 أغسطس 1946 كان إسماعيل صدقى رئيسًا للوزراء وإبراهيم عبدالهادى وزيرًا للخارجية، فأمر بمصادرة 18 ألف نسخة ومنع طبع البقية بسبب صورة للسفير البريطانى.
وفى 17 مايو 1948 كان السعديون فى الحكم وتمت مصادرة 12 ألف نسخة من العدد رقم 1040 بسبب مقال بعنوان «حديث المدينة».
الملك رقيباً
ومن تاريخ المصادرات السابقة نجد أن عهد فاروق كان عصر المصادرات بلا منازع لمجلة روزاليوسف، رغم اختلاف الحكومات التى أمرت بالمصادرة، فكانت الأسباب واحدة وهى إما مهاجمة الاحتلال الإنجليزى أو مهاجمة فساد الحكم أو المطالبة بالحريات؛ بل كان الملك فاروق يطلع بنفسه على المجلة قبل الطبع ولا توزع إلا بموافقته فى تدخل سافر فى حرية الصحافة.
المثير فى الأمر أن كل هذه المصادرات وأوامر التعطيل صدرت بالطريق الإدارى، أى بلا قانون وبغير حكم القضاء، مما يجعل روزاليوسف صاحبة الحق فى تعويضها عن تلك الأضرار المادية والأدبية، ولم تستخدم فاطمة اليوسف هذا الحق سوى مرة واحدة برفع قضية تعويض ضد حكومة محمد محود وكسبتها، وتقول السيدة فاطمة اليوسف إنها «أهملت بعد ذلك المطالبة بالتعويض لأن نشوة العمل والإصرار على البقاء كانت تجعلنى دائمًا لا أنظر إلى الخلف ولا أطالب بحقى المادى، كما أننى أصرف كل همى فى المطالبة بحقى فى البقاء».
وتضيف فى مقال لها عن تلك المصادرات «لنفرض أن طالبت بحقى فى التعويض.. كم أستحق؟! إن مجموع النسخ المصادرة التى استولى عليها البوليس فعلًا خلال 30 عامًا هى 319 ألفًا، ومجموع النسخ التى منع البوليس طبعها يوازى نفس الكمية تقريبًا، أى أن لى فى ذمة الحكومة 638 ألف نسخة، فإذا كان ثمن النسخة قرش صاغ أصبح من حقى أن أطالب ب 12760 جنيهًا «اثنى عشر ألفًا وسبعمائة وستين جنيهًا» وهذا مع عدم احتساب إيراد الإعلانات التى لم يدفع ثمنها بسبب المصادرة، يضاف على ذلك مدة تعطيل روزاليوسف وحدها.. وقد عطلت روزاليوسف 23 شهرًا ونصف الشهر كان مقدرًا أن يصدر خلالها 134 عددًا من المجلة... فإذا قدّرت الخسارة فى العدد الواحد بألف جنيه، كما قدّرها مجلس الوزراء فى عهد المغفور له أحمد ماهر، فإنه يصبح من حقى أن أطالب الحكومة ب 134000 جنيه «مائة وأربعة وثلاثين ألف جنيه»، أى أن مجموع التعويض الذى استحقه عن المصادرة والتعطيل هو 146760 جنيهًا.
شهور السجن
بعد سنوات من المعارك السياسية دخل الكاتب الشاب إحسان عبدالقدوس معترك والدته، وبدأت كتاباته تتسم بطابع «معارك روزا»، ففى عام 1945 نشرت مجلة «روزاليوسف» مقالًا للصحفى الشاب إحسان عبدالقدوس يهاجم فيه السفير البريطانى بعنوان: «الرجل الذى يجب أن يذهب» جاء فيه «من حق انجلترا أن تتمسك بفخامة اللورد «كيلرن» سفيرًا لها فى مصر، ولكن من حق مصر أيضًا أن تطالب بسحبه من منصبه، وإبداله بغيره، فقد فشل فى مهمته كسفير لبلده لدى بلد آخر مستقل له سيادة... أعطى لنفسه حقوقًا فاقت حقوق المندوب السامى فى بلد مستعمر؛ فالرجل الذى اقتحم قصر عابدين على رأس فرقة من الدبابات ليس سفيرًا، ولا مندوبًا ساميًا؛ إنما هو قائد جيش معتدٍ».
وقبل أن يخرج عدد مجلة «روزاليوسف» الذى يحوى هذا المقال، صدر قرار من رئيس الحكومة محمود فهمى النقراشى بمصادرته، لأنه يتضمن «عيبًا فى سعادة سفير بريطانيا»، ولم يتم الاكتفاء بمصادرة العدد، لكن صدر قرار بالقبض على إحسان عبدالقدوس، ووضعه فى السجن بدعوى أن المقال تسبب فى إفساد العلاقات بين مصر وبريطانيا.
ومرت شهور، وخرج إحسان من السجن، وقالت له والدته: «إن كل رؤساء تحرير الصحف قد تعرضوا للسجن، وما دمت قد سُجنت، فإنك بذلك تكون قد قدمت أوراق اعتمادك لرئاسة التحرير».
وفى ذات اليوم وقّعت فاطمة اليوسف قرار تعيين إحسان عبدالقدوس لرئاسة تحرير المجلة السياسية الأولى فى العالم العربى ولم يكن قد أتم عامه السابع والعشرين.
سيدة تنتقد الزعماء وبمناسبة صدور العدد رقم 1000 كتب إحسان عبدالقدوس: «هذا هو العدد الألف من مجلة «روزاليوسف» وكان يجب أن يكون العدد رقم «1122» والذنب ذنب صدقى باشا ومحمد محمود باشا والنحاس باشا والنقراشى باشا، هؤلاء الذين عطلوا مجلة «روزاليوسف» مُدَدًا تتراوح بين ستة شهور وثلاثة وشهرين وشهر وأسبوع، وقد بلغ مجموع الفترات التى عطلت فيها مجلة «روزاليوسف» سنتين كانتا كافيتين لتحطيم رأس أى عنيد وإزهاق روح أى جريدة أو مجلة، وعندما بدأت «روزاليوسف» تكتب فى السياسة خبطت مصر وخبط الشرق العربى كله كفّا على كف، فلم يكن من المألوف فى الشرق أن تصدر مجلة تحمل اسم سيدة لتنتقد الزعماء وتوجههم».
تحذير من النكبة
حذرت «روزاليوسف» فى عام 1945 من وقوع فلسطين فى براثن العصابات الصهيونية قبل وقوع النكبة بثلاث سنوات، وذلك من خلال تحقيق صحفى قام به الأستاذ إحسان عبدالقدوس ونشر على ثلاث حلقات، وأطلقت المجلة نداءً للقادة والزعماء العرب للدفاع عن أرض فلسطين، وكانت تلك من المعارك النادرة التى خسرتها المجلة فلم تجد استجابة من أحد فى ذلك الوقت، ولا تزال قضية فلسطين جرحا دامياٍ فى جسد الوطن العربى، ولا تزال صرخة واستغاثة المجلة رغم مرور كل هذه العقود على إطلاقها موثقة بالقلم والصور فى صفحات مجلة روزاليوسف.
الأسلحة الفاسدة اندلعت أزمة سياسية فى مصر بعد الكشف عن فضيحة الأسلحة الفاسدة التى تورطت فيها شخصيات سياسية كبيرة اتهمت بشراء أسلحة وذخائر فاسدة للجيش المصرى أثناء حرب 1948 مما ساهم فى هزيمة القوات المصرية، وذلك فى 10 أكتوبر عام 1950، ويرجع الفضل إلى إحسان عبدالقدوس ومجلته روزاليوسف أن أوصلت أخبار هذه الصفقات المشبوهة إلى الرأى العام الذى هاله مبلغ الفساد الذى استشرى فى كل شىء حتى وصل إلى المتاجرة بدماء جنود مصر فى أرض المعركة.
ونجحت روزاليوسف فى تكوين ضغط شعبى كبير اضطر معه وزير الحربية مصطفى نصرت فى ذلك الوقت أن يقدم بلاغًا للنائب العام لفتح تحقيق فيما نشر بصحيفة روزاليوسف عدد رقم 149 بتاريخ 20 يونيو 1950م عن صفقات الأسلحة الفاسدة فى حرب فلسطين، رغم استخدام الحكومة الوفدية برئاسة مصطفى النحاس والملك فاروق كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لإسكات أصوات المعارضة التى أرادت فتح ملفات القضية للوصول إلى المتورطين فيها.
وكانت فضيحة الأسلحة الفاسدة التى كشفتها مجلة روزاليوسف أحد الأسباب الرئيسية لقيام ثورة يوليو 1952.