فى مشهد جمع بين الرمزية السياسية والرسائل الاستراتيجية، تحولت مدينة شرم الشيخ إلى مركز اهتمام الصحافة العالمية، عقب القمة التى جمعت قادة 30 دولة عربية وإسلامية وغربية، بمشاركة لافتة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب. فالقمة التى وُصفت بأنها «قمة إعادة التوازن»، فتحت أبواب النقاش حول مستقبل الأمن الإقليمي، وموقع الولاياتالمتحدة فى معادلة الشرق الأوسط الجديدة التى من المنتظر أن ترسم على ضوء موازين القوى التى أبرزتها القمة. منذ اللحظة الأولى لإعلان مشاركة ترامب، انقسمت ردود الفعل الدولية ما بين الترحيب والدهشة، وركزت التغطيات على رمزية التقاء قادة من الشرق والغرب على أرض مصر، لمناقشة خطة سلام متعددة المراحل، وسط ترحيب دولى بالإفراج عن الرهائن وبدء تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، فى خطوة وُصفت بأنها بداية تحول حقيقى فى مسار الأزمة. عدم ارتياح أوروبى على الجانب الأوروبي، لم تُخفِ بعض العواصم قلقها من عودة ترامب إلى المسرح الدولي. ففى باريس وبرلين، تحدثت مصادر دبلوماسية عن «عدم الارتياح» من إمكانية أن تتحول القمة إلى عرض شخصى للرئيس الأمريكى الأسبق، فى وقت تسعى فيه أوروبا لترسيخ نهج أكثر استقلالية فى سياساتها تجاه الشرق الأوسط. وأفاد موقع «Eunews» المتخصص فى شئون الاتحاد الأوروبى بأن أنظار العالم اتجهت نحو غزة ثم إلى مصر ثم إلى شرم الشيخ، وهى محطات رسمت ملامح يوم وصفته الصحافة العالمية ب«التاريخي»، بدأ بالإفراج عن 20 محتجزًا إسرائيليًا، واختتم بقمة سلام دولية فى المنتجع المصرى المطل على البحر الأحمر. إشادة بترامب وأشاد الموقع بدور الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى تحقيق السلام، والذى حظى بإشادات متتالية من قادة عرب وغربيين بوصفه مهندس الاتفاق الذى بدأ قبل أيام. وفى نفس السياق، أبرزت وكالة أنباء «شينخوا» الصينية كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي، فى القمة، والذى أكد أن هذه الخطوة تمثل «بصيص أمل لإنهاء فصل مؤلم من تاريخ الإنسانية، وفتح باب عهد جديد من السلام والاستقرار فى الشرق الأوسط، يمنح شعوب المنطقة، التى أنهكتها الصراعات، مستقبلًا أفضل». يوم تاريخي ومن جهتها، ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أنه فى يوم وصفه ب«التاريخي»، أعلن الرئيس ترامب، عن نهاية الحرب الإسرائيلية المدمرة التى استمرت لعامين على قطاع غزة، وبدء مرحلة جديدة من السلام، وتشكل أبرز إنجاز فى مسيرته السياسية. وذكرت صحيفة «الجارديان» البريطانية أن مناطق عدة فى إسرائيل والأراضى الفلسطينية شهدت لحظات نادرة من الفرح، عقب إعلان وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس. كما سلطت الصحيفة الضوء على دعوة الرئيس السيسى للعالم بدعم الاتفاق وتحقيق السلام العادل، وتابعت الصحيفة أنه رغم التهدئة، لا تزال أزمة غزة الإنسانية فى ذروتها، حيث يعيش أكثر من 2.1 مليون فلسطينى فى دمار شبه شامل، مع انعدام المياه والكهرباء ونقص حاد فى الغذاء والدواء. اختبار ثقة وبشكل عام رأت الصحافة البريطانية، أن القمة مثلت اختبارًا جديدًا «للثقة الغربية المتصدعة»، بينما وصفتها صحيفة لوفيغارو الفرنسية بأنها «مسرح لإعادة تعريف النفوذ الأمريكي، لكن بملامح شخصية». وسلطت وسائل الإعلام الإسبانية، ومنها صحيفة بوبليكو، الضوء على الدور المصرى الحيوى فى إدارة الأزمة، معتبرة أن القمة أكدت الثقة الدولية بقدرة القاهرة على قيادة الحوار وتحقيق الاستقرار. وفى إيطاليا، أشارت وكالة أنسا إلى إعلان رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلونى استعداد بلادها للمساهمة بقوات لحفظ السلام فى غزة، حال طلبت الأممالمتحدة ذلك، تأكيدًا ل التزام روما بدعم جهود السلام على الأرض. محطة مهمة واعتبرت الصحيفة الإسبانية أن قمة شرم الشيخ لم تكن مجرد حدث رمزى بل محطة مهمة لاستعادة الثقة فى الدبلوماسية، تُشير إلى أن مصر استعادت دورها التاريخى كوسيط رئيسى فى الشرق الأوسط، وحلقة الوصل بين القوى الإقليمية والدول الكبرى. وفى تغطيتها، وصفت صحيفة لا ناثيون الأرجنتينية القمة بأنها تعبير واضح عن توافق دولى حول أهمية الدعم الإنسانى وإعادة الإعمار، مشددة على ضرورة الالتزام بالاتفاقيات الموقعة. فرصة أخيرة أما فى فرنسا، فقد نقلت صحيفة لوموند عن الرئيس إيمانويل ماكرون وصفه القمة بأنها «الفرصة الأخيرة لتحقيق السلام»، فيما أكدت الخارجية الفرنسية دعمها لحل الدولتين واستعدادها لتقديم مساهمات إنسانية فاعلة لإعادة بناء غزة. نموذج ناجح من جانبها، اعتبرت صحيفة بوبليكو البرتغالية، القمة نموذجًا ناجحًا للتعاون الإقليمى والدولي، مشيدة بدور مصر كوسيط رئيسى وضامن لاتفاق وقف إطلاق النار، إلى جانب تنسيقها مع الولاياتالمتحدة فى تسهيل المفاوضات. وفى ألمانيا، ركزت صحيفة Die Zeit على الجانب التنظيمي، معتبرة أن الحضور الدولى الكثيف يعكس حجم التحدى وأهمية إيجاد حلول طويلة المدى، مثنية على قدرة مصر فى تنسيق جهود الأطراف الإقليمية والدولية. تحديات هائلة ورغم الأجواء الإيجابية، حذّرت وسائل إعلام عدة من التحديات الهائلة، لا سيما ما يتعلق بإعادة إعمار غزة فى ظل بنية تحتية مدمرة، فضلًا عن ضرورة التزام كافة الأطراف ببنود الاتفاق. كما أثيرت تساؤلات بشأن غياب بعض الجهات الرئيسية عن القمة، وتأثير ذلك على تنفيذ الاتفاق عمليًا، مشددة على أهمية رقابة المجتمع الدولى واستمرارية دعمه لنجاح المبادرة. وقالت الجارديان البريطانية، إن قمة شرم الشيخ لم تكن مجرد لقاء سياسى تقليدي، بل كانت منصة لاختبار موازين القوى الجديدة فى المنطقة والعالم. وبينما احتفى البعض بعودة ترامب إلى المشهد، قرأ آخرون الحدث كإشارة إلى اضطراب النظام الدولي، وبدء مرحلة جديدة من التنافس على النفوذ. فى النهاية، يمكننا القول إن قمة شرم الشيخ، أثبتت أن الشرق الأوسط لا يزال قلب الجغرافيا السياسية العالمية، وأن كل زائر له، حتى لو كان رئيسًا لأكبر دولة فى العالم، لا يخرج دون أن يترك أثرًا واضحًا على خريطته المستقبلية.