بعد سنوات من «النوم فى حضن الأفعى» أدركت الدول الغربية أن الوحش، الذى طالما أطعمته وقدمت له الحماية ليكون شوكة تستخدمها وقتما تشاء لمهاجمة الدول العربية، قد شب عن الطوق وسيبدأ فى مهاجمتها وعندما تأكدت فقدانه الصلاحية جاء وقت الانتقام والحساب والتصفية معًا. أعلنت الولاياتالمتحدةوفرنساوبريطانيا، مراجعة أنشطة تنظيم الإخوان فى البلاد، بل وصل الأمر إلى التفكير فى تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، بعد أن استغلت الحرية التى منحت لها فى مهاجمة الديمقراطية الغربية واكتشفت التمويلات السرية التى قامت بها الجماعة لدعم المنظمات الإرهابية فى مختلف المناطق بالعالم. صعود الإسلام السياسى فى فرنسا بحث مجلس الأمن القومى فى فرنسا تقريرًا عن الخطر الذى تشكله جماعة الإخوان فى البلاد، وأكد المجلس أن جماعة الإخوان الإرهابية تشكل «تهديدًا للتماسك الوطنى»، داعيًا إلى اتخاذ إجراءات للحد من انتشار «الإسلام السياسى». جاء فى التقرير الذى أعده اثنان من كبار موظفى الخدمة المدنية ونشرته وكالة الأنباء الفرنسية، أن واقع هذا التهديد أنه طويل الأمد وإن كان لا ينطوى على أعمال عنف، فإنه يشكل خطرًا على نسيج المجتمع والمؤسسات الجمهورية. وأضاف أن هذه الظاهرة تشكل تهديدًا على المدى الطويل، وطالب باتخاذ إجراءات حازمة وطويلة الأجل على الأرض لوقف صعود «الإسلام السياسى». وسلط التقرير الضوء على «الطبيعة التخريبية للمشروع»، قائلًا إنه يهدف إلى «إحداث تغييرات تدريجية فى القواعد المحلية أو الوطنية»، لا سيما تلك المتعلقة بالعلمانية والمساواة بين الجنسين. وأكد التقرير أن جماعة الإخوان تفقد نفوذها فى العالم العربى وبدأت تركز جهودها على أوروبا، إذ تقوم باختراق واسع النطاق داخل المجتمع الفرنسى، عبر شبكة مؤسسات وأفراد، وتقوض الدولة الفرنسية من الداخل بشبكة واسعة من العناصر والمؤسسات المتغلغلة. وبحسب التقرير يوجد فى فرنسا 139 دار عبادة تابعة لمسلمى فرنسا، تتخذها الإخوان مقارًا رئيسية لها، بالرغم من نفى الجماعة، فضلًا عن «68 مكانًا آخر يعتبر قريبًا من فكر الجماعة، موزعة على 55 مقاطعة فرنسية، مما يشكل 7 بالمئة من إجمالى 2800 دار عبادة إسلامية فى فرنسا، و10بالمئة من أماكن العبادة التى افتتحت بين عامى 2010 و2020. كما كشف تقرير استخباراتى رسمى عن خريطة دقيقة لانتشار الجماعة داخل المدن الكبرى، عبر شبكات لجمعيات ومدارس ومساجد مرتبطة هيكليًا بتنظيم الإخوان والتنظيمات السلفية. ونشرت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية، مقتطفات من خطة التغلغل، بعدما اطلعت على تقرير استخباراتى مؤلف من 74 صفحة، أُنجز بطلب من مسئولَين حكوميين رفيعى المستوى فى مايو 2024، أى قبل قرار حل الجمعية الوطنية الفرنسية. وكشفت الصحيفة، عن نظام موازٍ ومعقد للإسلام السياسى فى عدد من المناطق الفرنسية، خاصة ليل، ليون، ومرسيليا. ووفق تقرير الصحيفة، فإن هناك 280 جمعية مرتبطة بجماعة الإخوان تنشط فى مجالات متنوعة، تشمل الدين والأعمال الخيرية والتعليم والمجالات المهنية والشبابية وحتى المالية. وذكرت الصحيفة كواليس إعداد هذا التقرير، إذ أجرى المؤلفان منذ عام 2024 نحو 10 زيارات ميدانية داخل فرنسا، و4 إلى دول أوروبية أخرى، كما التقيا ما لا يقل عن 45 أكاديميا فرنسيا وأجنبيا من تيارات فكرية متعددة، إلى جانب مسئولين محليين ووطنين من الجالية المسلمة. وشملت عملية الإعداد أيضًا «مناقشات معمقة مع أجهزة الاستخبارات، ووزارة الخارجية، وكل الإدارات المعنية بتحليل الظاهرة ومراقبتها»، بحسب ما ذكره تقرير «لو فيجارو». وخلصت الوثيقة الرسمية إلى أن الجماعة تعتمد «آليات متعددة تتراوح بين إعادة الأسلمة، والانفصالية، وأحيانًا التخريب، بهدف زعزعة استقرار الجمهورية الفرنسية». واشنطن تصنف الإخوان تنظيمًا إرهابيًا أما فى واشنطن التى كانت الداعم الأول لجماعة الإخوان على مدار العقود السابقة، فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو، أن بلاده تعمل على تصنيف جماعة الإخوان كتنظيم إرهابى. وأضاف روبيو فى مقابلة تليفزونية أن بلاده فى طور تصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية، ولفت إلى أن ذلك قيد الإعداد. وتابع قائلًا إن عملية التصنيف طويلة ومعقدة، لكن العمل جارٍ، وأشار إلى أنه من الواضح أن هناك فروعًا مختلفة لجماعة الإخوان، لذا يجب تحديد كل فرع منها. وأوضح أن بلاده تراجع باستمرار الجماعات لتصنيفها على حقيقتها: داعمين للإرهابيين، ربما إرهابيين أنفسهم، أيا كان الأمر، لم نفعل ذلك منذ فترة طويلة، لذا لدينا الكثير لنعرضه»، ووفق روبيو فإن العملية تشمل مراجعة دقيقة لكل فرع من فروع الجماعة على حدة، مع توثيق الأدلة لضمان صمود القرار أمام الطعون القضائية، واعتبر روبيو أن جماعة الإخوان تثير قلقًا بالغًا. وبحسب القوانين الأمريكية فإن التصنيف يتم عن طريق قرار يتخذه وزير الخارجية الأمريكى أو قرار تنفيذى من الرئيس الأمريكى، لكن ينبغى أن يوافق عليه الكونجرس. هذا القرار فى حال صدوره سيضرب مشروع أتباع حسن البنا فى مقتل ويدفع واشنطن للانضمام إلى الرافضين للتنظيم الإرهابى، خاصة أن هناك دولًا أخرى سبقتها بإصدار مثل هذا القرار كألمانيا التى تصنف الجماعة كمنظمة إرهابية، فيما تسير كلُ من النمساوفرنسا على نفس النهج. وكانت المناقشات التى تمت فى الجلسة التى تم تخصيصها من لجنة الأمن القومى فى الكونجرس لمناقشة خطر تنظيم الإخوان، قد ارتفعت فيها أصوات بارزة ترى أن الإخوان يمكن أن يكونوا بوابة للتطرف. وفى حال إصدار قرار تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية فى الولاياتالمتحدة، بالطبع سيكون لهذا القرار تداعيات خطيرة على التنظيم، فمن الناحية القانونية سيكون هناك حرمان من التنقل والسفر بالنسبة لأعضاء الجماعة، وقد ترفض الكثير من الدول استقبالهم، خاصة أن التنظيم الدولى للإخوان مقره فى بريطانيا، وهو الذى يدير شئون الفروع فى مختلف دول العالم. أما عن التداعيات الاقتصادية، فإن شركات ومشروعات التنظيم فى مختلف دول العالم، فإنها ستكون معرضة للتجميد والمصادرة من قبل الدول التى تتواجد بها، بسبب العقوبات الأمريكية. بريطانيا معقل الإرهاب ظلت بريطانيا لسنوات طويلة هى «الملاذ الآمن» للإرهابيين الهاربين من مختلف دول العالم، ومنحت بريطانيا معظم قيادات الإخوان الإرهابية حق اللجوء رغم المطالبات بتسليمهم بناء على أحكام صادرة ضدهم فى مصر وبعض البلدان الأخرى. كشفت صحيفة «تليجراف» البريطانية، منذ أيام عن استراتيجية جماعة الإخوان فى بريطانيا، والتى وصفتها بأنها قائمة على إظهار خطاب الاعتدال فى العلن بينما تُخفى توجهات أيديولوجية متطرفة خلف الأبواب المغلقة، فى إطار مشروع منظم للتغلغل داخل المؤسسات السياسية والمجتمعية وبناء نفوذ طويل المدى، وهو ما يُعرف فى أدبيات الإخوان ب«فقه التقية». وفى مقالة بالصحيفة، كتب ديفيد أبراهامز، نائب الرئيس السابق للمعهد الملكى للأمن، أن هناك صمتًا غريبًا يخيّم على بريطانيا إذا تطرق الحديث إلى الإخوان، مضيفًا «هذا الصمت ناتج عن جبن سياسى متخفٍ فى عباءة الحساسية الثقافية». وأعتبر أن «براعة جماعة الإخوان لا تكمن فى التطرف العلنى، إنما فى استغلال العملية الديمقراطية لتقويض معاييرها. وفى 2015، خلصت مراجعة الحكومة البريطانية لجماعة الإخوان، والتى كلف بإعدادها رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون، إلى أن التنظيم يتسم بالسرية ويمارس خطابًا مزدوجًا «معتدلًا فى العلن ومتطرفًا فى الخفاء»، وحذرت من أن أيديولوجية الجماعة وشبكتها تمثل خطرًا محتملًا على القيم الديمقراطية. ومع ذلك، وبعد ما يقرب من عقد، يظل التقرير مهملًا بينما تواصل الجماعة ترسيخ وجودها داخل المجتمع المدنى، بحسب أبراهامز. ومثلت بريطانيا ملاذًا آمنًا لعناصر تنظيم الإخوان الهاربين من مصر منذ عام 2013، كما تعد المعقل الأكبر للتنظيم داخل أوروبا، حيث تأسس فرع الإخوان فى لندن منذ نهاية خمسينيات القرن الماضى، لتصبح مقرًا رئيسيًا لانطلاق الإخوان نحو دول أوروبية أخرى. وترتبط الإخوان فى بريطانيا بمنظومة مهمة للغاية من المصالح، التى لها علاقة بقضايا سياسية وأمنية واجتماعية، جعلت لهم أهمية كبرى لدى الحكومات المتعاقبة، ويتم ذلك من خلال نظام مؤسسى محكَم، حيث يشمل منظومة من الجمعيات، وصلت إلى ما يقارب (60) منظمة داخل بريطانيا. فيما تنامت حجم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة لجماعة الإخوان فى بريطانيا، وتشير التقديرات إلى أن تنظيم الإخوان المسلمون يمتلك ثروات مالية تتراوح بين (8 و 10) مليارات دولار في المملكة المتحدة. 2