قبل يومين كتب السيناتور الأمريكى عن الحزب الجمهورى، تيد كروز، عبر حسابه على موقع «إكس»، إن المُشرِّعين فى الكونجرس يسعون لتصنيف الكيان الإخوانى كجماعة إرهابية، وذلك عقب توقيف الشرطة الأمريكية لأحد أفراد التنظيم فى هجومٍ إرهابىٍّ على تظاهرة بمدينة بولدر بولاية كولورادو تُطالب بالإفراج عن الإسرائيليين المُحتجزين فى غزة. هى ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التى يقوم فيها بمثل هذا العمل أحد أفراد التنظيم أو من ينتمى لأفكاره الإقصائية، التى تتحدَّث عن أستاذية العالم والتمكين وتكفير الآخر والتحقير، وهى مجموعة من الأفكار التى يزرعها التنظيم فى نفوس وعقول أتباعه، كحال أى تنظيمٍ فاشىٍّ يرى نفسه هو الوحيد الذى يملك الحقيقة المُطلقة ويُسلِّم نفسه لتحكُّم قادة الكيان الإرهابى. يقول المثل العربى «مهما لبست الأفعى حريرًا، ستبقى أفعى»، والمعنى أن محاولات الغرب تجميل الكيان الإخوانى ومحاولة تدجينه أو توظيفه لمصالحها، سيظل الكيان بداخله بذور الشر المُدمِّر حتى لمن يحميه ويؤويه ويدعمه، الأفعى تظل أفعى تلدغ حتى مُربِّيها مهما ادَّعت أو تحدَّثت عن الديمقراطية وحقوق الإنسان أو صدَّرت المظلومية، بعدما فضحتها خيانتها وعمالتها وسعيها المحموم لتدمير الدولة الوطنية لصالح كيانها التخريبى. خلال تجربة ما سُمِّى بالربيع العربى كانت الولاياتالمتحدة وأوروبا الفاعل الرئيسى لدعم الكيان الإخوانى فى الوصول إلى السُّلطة، وهو ما فتح الباب أمام ظهور الميليشيات المسلحة مُستغلةً حالة الفوضى العارمة فى الإقليم، وانهيار مؤسسات الدولة، وانشغال الجيوش بحفظ الأمن، وظهور ما سُمِّى بالنشطاء وتلاعبهم بمواقع التواصل الاجتماعى، واستغلال حالة السيولة من أجل تمرير كراهية مؤسسات الدولة والتحريض الدائم ضدها والتشكيك فيها، وهو ما فتح الباب أمام الشائعات بعد ذلك لتنتشر بالشكل الفيروسى الذى ما زلنا نعانى فى مصر وعدد من الدول العربية من تبعاته. فى 30 يونيو رحل الكيان الإخوانى عن السُّلطة، واستعادت الدولة المصرية عافيتها، إلا أن عواصم إقليمية ودولية فتحت أبوابها أمام الكيان واستضافت عناصره الإرهابية وتركت قنواته المُحرِّضة تعمل على أراضيها بحرية، لتستمر الأفكار التحريضية وغسيل الأدمغة وعمليات التجنيد عبر أذرعه الإعلامية، وكانت النتيجة أن الذئاب المنفردة قامت بعمليات إرهابية على أرض ملاذاتهم الآمنة فى بريطانياوالولاياتالمتحدة تحديدًا وغيرهما من الدول الأوروبية التى استضافتهم ورفضت تسليمهم للمحاكمة فى مصر وغيرها من الدول العربية التى طلبتهم للمحاكمة على جرائمهم. تنبَّهت الولاياتالمتحدة بسبب استهداف الذئاب المُنفردة للتظاهرات المؤيدة لإسرائيل، وتحرَّك اللوبى الصهيونى من أجل محاصرة تلك الذئاب المُنفردة والضغط على الكيان داخل الكونجرس الأمريكى؛ حيث نظَّمت مؤسسة ISGAP - وهى منظمة يُعرف عنها أنها تابعة للوبى الإسرائيلى فى الولاياتالمتحدة - ورشة عمل حول حظر تنظيم الإخوان المسلمين فى الولاياتالمتحدة، شارك فيها نخبة من الأكاديميين والمحللين السياسيين، وناقش المشاركون فيها وثيقة صادرة عن الكيان عام 1991، تتحدَّث عن استراتيجية طويلة المدى لإحداث «جهاد حضارى» يهدف لتقويض الديمقراطية الغربية من الداخل عبر التغلغل فى المؤسسات الحكومية، والحقوق المدنية، التعليم، وصناعة القرار. وربطت النقاشات بين موجة الاضطرابات العنيفة فى الولاياتالمتحدة، وتشمل ما وصفته بتهديدات للمواطنين وتخريب الممتلكات تقودها بنية أيديولوجية متطرفة مرتبطة بالكيان الإخوانى وحركة حماس فى فلسطين. وأشار المشاركون إلى أن الدعم العلنى لحماس من بعض الدول والمؤسسات داخل الولاياتالمتحدة، هو السبب فى الفوضى والتحريض داخل الجامعات الأمريكيةوالغربية، وأن هذه التظاهرات تجاوزت حرية التعبير إلى تحركٍ فعلىٍّ وتحريضٍ على العنف. وخرجت توصيات الورشة بمطالبات للمُشرِّعين وصانعى السياسيات فى الولاياتالمتحدة بضرورة تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، وأن تتوقَّف الولاياتالمتحدة عن دعمها، وتحذير داعميها من الاستمرار فى دعم الكيان الإخوانى وتنظيمه الدولى. الحملة ضد الكيان الإخوانى تتزامن حاليًا فى عدد من العواصم الأوروبية، وهى واشنطنوفرنسا وسويسرا، والمختلف فيها تركيزها على المؤسسات التابعة للتنظيم الدولى وتحديدًا التى تجمع أموالًا لصالح غزة، وفى فرنسا أصدرت وزارة الداخلية الفرنسية تقريرًا حذَّرت فيه من تغلغل «الإخوان المسلمون والإسلام السياسى» فى فرنسا، وهو ما اعتبرته تهديدًا أمنيًا آنيًا ومستقبليًا، وقال وزير الداخلية الفرنسى، برونو ريتايو، إن «الجمهورية الفرنسية تخوض معركةً ضد اختراق الشبكات الإسلاموية». ويتحدَّث التقرير المكون من 76 صفحة، عن شبكات الكيان الإخوانى فى فرنسا وامتدادها إلى دول الشمال الإفريقى، وسيطرة الكيان على المساجد والجمعيات والأنشطة الاجتماعية والرياضية فى أحياء وبلدات كثيرة، خاصةً ذات الأغلبية المسلمة والمُهمَّشة، وبلغ عدد المواقع المخترقة 139 مسجدًا من أصل 2800، وكذلك 280 جمعية، ويرتاد هذه الأماكن جمهورٌ يُقدَّر بحوالى 91 ألفا. وأشار التقرير إلى عملية تضليلٍ يقوم بها الكيان فى أوروبا والولاياتالمتحدة، وهى ادعاء المنظمات التابعة للكيان الإرهابى انفصالها عنه حتى لا تُلاحق، وهو ما دفع وزير الداخلية الفرنسى إلى اقتراح إشراف الاستخبارات الإقليمية على خطة المواجهة، لافتًا إلى ضرورة الانتباه لقيام الكيان باتخاذ إجراءات «التستر والتقية»، حتى يُمكنهم السيطرة على مؤسسات السُّلطة بدءًا بالسلطات المحلية مثل البلديات. خطة الوزير تُواجه حربًا من اليسار الفرنسى المُدافع عن الإخوان عبر استراتيجية تتبنى عدم الخلط بين الإخوان والمسلمين فى فرنسا، وهو خطابٌ فى ظاهره جيد وفى باطنه إعطاء الجماعة فرصة للاختباء حتى تمر العاصفة. حالة التوحُّد والتعاون بين اليسار والكيان الإخوانى أعطته فرصةً للحياة والنمو والتكاثر رغم الجرائم والملاحقات الأمنية فى كثيرٍ من دول العالم، وبينها بالتأكيد دولٌ عربية، ولو راجعنا مواقف كثيرة لدول سيطر عليها اليسار، سنجد أن الكيان كان أكبر داعمٍ لمُرشحيهم فى أى انتخاباتٍ، وكثيرًا ما تجد المؤسسات الإخوانية تنفى انتماءها للكيان، وأنها مؤسسات تعمل وفق القانون ومن حقها العمل فى المجتمع الديمقراطى. بالتأكيد التفريق بين المسلمين فى الغرب وبين المنتمين تنظيمًا وفكرًا للكيان أمرٌ فى غاية الأهمية حتى لا تستفحل ظاهرة الإسلاموفوبيا، لكنها فى الوقت ذاته عملية شديدة الصعوبة والتعقيد فى ظل سيطرة الكيان على كل الأنشطة الإسلامية فى الغرب، ولذلك، فالمواجهة تبدأ بتنقية المؤسسات الإسلامية من العناصر الإخوانية، وهو عملٌ أمنىٌّ فى المقام الأول، ويجب أن يرتبط بتشريعٍ قانونىٍّ يُمكِّن الأجهزة الأمنية من ملاحقة الجماعة. رغم تلك التحركات، فإن مساحة الشك فى جدية ملاحقة الكيان الإخوانى موجودة، فما زالت تلك الدول تستخدم وتُوظِّف التنظيمات التابعة للكيان، ولديها قنوات اتصالٍ مفتوحة مع قياداته الهاربة والمُقيمة على أراضيها، وتيارات اليسار فى الولاياتالمتحدة وأوروبا تُدافع عن الكيان بل تُروِّج له باعتباره أفضل من يقوم بخدمة سياساتهم الخارجية العولمية، بينما الكيان يُنفِّذ ما هو مطلوبٌ منه ولديه القدرة على التبرؤ من أى عملٍ إرهابىٍّ يقوم به ذئبٌ منفرد تابعٌ للتنظيم. التعاون اليسارى الإخوانى رهانٌ مُدمّر مثلما كان التعاون القائم بين التنظيم وأجهزة الاستخبارات الغربية فى الشرق الأوسط، واستخدام الكيان فى حرب أفغانستان وما نتج عنه من تحوُّل الكيان إلى تنظيمٍ دولىٍّ يحظى بمعاملة خاصة فى الدول الغربية؛ لأنه كيانٌ يُنفِّذ أجندة تلك الأجهزة، وهو ما قد يتطلب عملها ضد دولها سواء بالتحريض والتشكيك وترويج الشائعات أو باستخدام العنف والإرهاب. صمت تلك الدول بل تعاونها مع وصول الإرهابيين لسدة الحكم رهانٌ مُدمّر تُثبت الأيام خطره على تلك الدول نفسها، فالرصاصة ارتدت كثيرًا لصدر الغرب بسبب تساهله مع ذلك الكيان الإرهابى، لكن الواضح بعد تجربة السنوات الماضية أن الجماعات الوظيفية الإرهابية والميليشيات المسلحة أصبحت الاختيار المُفضَّل، لقدرتهم الدائمة على لعب أدوارٍ مختلفة فى السُّلطة وخارجها، سواء بالضغط على حكومات بلادهم أو بتقديم البديل للحفاظ على مصالحهم فى حالة انهيار أى دولة عربية. والتجربة أثبتت أن الكيان بارعٌ فى الهدم وفاشلٌ فى البناء رغم كل الدعم المادى والإعلامى، فالإرهابى سيظل إرهابيًا مهما حاولت مساحيق التجميل إخفاء فاشيته وعنصريته وكراهيته للآخر حتى لو كان أقرب حلفائه. إن أعظم ما يملكه الشرق الأوسط هو الدولة الوطنية، المحافظة على السيادة ووحدة أراضيها والرافضة للتدخلات الغربية، وبنظرة على أوضاع الإقليم لن تجد استقرارًا إلا فى مصر، ولن تجد جيشًا يحمى ويصون إلا الجيش المصرى، ولذلك يُوظِّف الكيان كل إمكانياته وموارده للهجوم المستمر على الدولة المصرية والتشكيك فى مكانتها ودورها الإقليمى سواء بأمواله أو بعلاقاته أو باختراق وسائل إعلام غربية قادرة على بث السموم بشكل مستمر؛ لتشويه المنجز المصرى والتقليل من المكانة والدور عقب أى نجاحٍ تُحققه مصر لحماية الإقليم من الانفجار. ربما التحرك الغربى ضد الكيان الإخوانى جاء متأخرًا ومشكوكًا فى فاعليته، إلا أن خطر الكيان سيظل قائمًا والرصاصة المُشتراة للشرق ربما ترتد فى قلب الغرب.